أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

الحرب الأوكرانية الروسية تعيد نظرية قلب العالم..

طـلال بن حمـد الربيـعـي

 

الحرب الأوكرانية الروسية تعيد نظرية قلب العالم..

 

أعادت الحرب الروسية الاوكرانية او الروسية الغربية بالمعنى الادق الى الاذهان ما عرف بنظرية قلب العالم او العظمة التي صاغها العالم الجغرافي البريطاني الشهير “هالفـورد ماكندر” عام 1904، في كتابه “المحيط الجغرافي للتاريخ”، والتي يمكن تلخيصها : ” بأن من يسيطر على قلب الأرض (أورآسيا) يسيطر على العالم القديم (آسيا – أوروبا – أفريقيا) وأن من يسيطر على العالم القديم يسيطر على العالم كله”.

ومن الواضح أن ماكندر كان يعطي تنبيها حينها لبريطانيا العظمى بعد محاولة التوسع الروسية في الخليج العربي.

تبنى لاحقا هتلر هذه النظرية في محاولته للسيطرة على العالم فقام بغزو شرق أوروبا ومن ثم روسيا في عملية بارباروسا الشهيرة .. إلا ان الاتحاد السوفياتي أفشل تلك المحاولة.

شكلت سابقاً الإمبراطورية الروسية ومن ثم الاتحاد السوفياتي لاحقا حاجزا امام تحقيق هذه النظرية لذلك لجأت الولايات المتحدة الأمريكية الى سياسة الاحتواء او ما يسمى بنظرية “الايطار” التي طرحها الأب الروحي للجيوبوليتيك (الجيوسياسة) الامريكية، نيوكولاس سبايكمان، في منتصف القرن الماضي، والتي اصبحت قاعدة متبعة، وهي أن “من يحكم رملاند يحكم أورآسيا، ومن يحكم أوراسيا يسيطر على  العالم”؛ ورملاند هي المنطقة التي يطلق عليها حافة اليابسة، وحافة اليابسة هي قوس الأزمات عند بريجنسكي وهي الخط الذي يمتد من أفغانستان حيث ميدان المعركة الرئيسي  إلى سوريا و فلسطين المحتلة ، طبعا مرورا بالعراق والخليج العربي حيث المنطقة المركزية للقوات الأمريكية وموقع إيران الاستراتيجي من هذا الخط واضح وضوحا جليا.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بالعودة التدريجية للنفوذ والسيطرة على أوروبا الشرقية من خلال حلف الناتو والمعاهدات الاقتصادية والعسكرية التي شكلت الخط السياسي الاستراتيجي لنظرية ماكندر او نظرية قلب العالم…

فليس غريبا أو مفاجئا ان نرى هذا الدعم الغربي والامريكي اللامحدود لأوكرانيا رغم ما يتكبده الاقتصاد الاوروبي والامريكي من خسائر وما يتحمله المواطن الاوربي والامريكي من تكاليف معيشية باهضة، مع ارتفاع السلع بشكل كبير جدا وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات مما ينبئ بكارثة اقتصادية كبيرة قد تعصف بالاقتصاد العالمي وهذا ما حذر منه جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ” جي بي مورغان تشيس” “JPMorgan Chase” هناك إعصار اقتصادي يلوح في الأفق.

في الوقت نفسه فإن ذلك يعطينا دليل قوي على ان الدول الغربية لا تهتم بالإنسان نفسه كثر اهتمامها بالسيطرة  والنفوذ الخارجي ونهب ثروات الشعوب ولا تنظر هذه الدول  إلى القاطنين بها سوى كونهم رقم في معادل القوة الشرائية التي هي اساس  المنظومة الرأسمالية العالمية، فسعي الدول الغربية المضني  للسيطرة على هذه المناطق ليس من فراغ او حبا في المساعدة ومد يد العون لدول شرق اوروبا ولكن كون هذه المنطقة تمثل نصف موارد الطاقة العالمية ، وبالتالي فهي المفتاح للنفوذ العالمي.

وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام آلاف الجنود المشاركين في العرض العسكري بمناسبة ذكرى الانتصار السوفياتي على النازيين العام 1945 “… ، أنتم تقاتلون من أجل الوطن الأم، من أجل مستقبله”، وأضاف؛  أن الغرب بدأ يزحف نحو أراضي جوار روسيا عسكريا، مقتربا من حدودها وأن لديه خطط أخرى ، وكل الدلائل كانت توحي بأن الصدام أمر لا مفر منه”.

لذلك قامت روسيا بصد العدوان بشكل استباقي، وكان ذلك قرارا اضطراريا اتخذ في الوقت المناسب”.

يتضح أنه من خلال حديث بوتين ومن خلال المعطيات على الأرض أنه لم يكن هناك من بد من التصادم الروسي الغربي وفي أوروبا الشرقية بالذات نتيجة لما ذكرناه من أهمية السيطرة على قلب العالم بالنسبة للدول الكبرى؛ فالحرب الأوكرانية هي معركة صراع نفوذ بالدرجة الاولى والمنتصر بها سيكون القوة العالمية القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى