أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

قـرنـقـشــوه !!..

رحمـة بنت مبـارك السـلمانـي

 

قـرنـقـشــوه !!..

 

غرّد أحدهم مبتهجاً “أبشركم تم إيقاف فعالية القرنقشوه في نزوى، فنحن لا نرضى بغرس العادات الدخيلة والوثنية في مجتمعنا” ليته جاء يبشرنا بتحرير فلسطين، فقد أثارت تلك البشارة أو بالأحرى تلك التغريدة حفيظتي وأُصبت بصدمة، جعلتني أتساءل : القرنقشوه عادة دخيلة ؟! ووثنية ؟!، تلك معلومة غريبة أسمعها لأول مرة، لكني أيقن جيداً منذ فتحت عيناي أنا وإخوتي وأقاربي وجيراني وأهل قريتي أن القرنقشوه وُلدت قبل مجيئنا ورثناها عن الأجداد وليست بعادة مستجدة أو دخيلة، وقد أخبرتنا عنها الأمهات، ووثّق تفاصيلها الآباء والأجداد الذين يحتفظون في ذاكراتهم بذكريات جميلة ومواقف كثيرة عن ليلة القرنقشوه، فعرفنا منهم أنهم كانوا يحصلون على التمر والحلوى العمانية والفشار في الغالب.

إن جميع سكان قرى ومدن محافظة مسقط بالذات يعرفون القرنقشوه ويمارسون طقوسها منذ القدم وحتى اليوم، وهم يولون القرنقشوه اهتماماً كبيراً كونها عادة سنوية جميلة ترتبط بشهر رمضان الفضيل، تجعل الصغار يحبون هذا الشهر ويقدّسونه أكثر من غيره من الشهور، ويتحفزون فيه على الصيام منذ الصغر، وينتظرون ليلة المنتصف من رمضان بكل حب وبهجة كمكافأة على صيامه والتزامهم، ليحيوها وهم يتجولون بين بيوت الحارة أو الحارات المجاورة مرددين بعفوية “قرنقشوه يو ناس عطونا شوية حلوى” في أجواء من المرح والحماس والفرحة التي تملأ أعين الصغار، وكذلك يشاركهم فرحتهم الكبار وهم يقدمون الحلوى أو ما تجود به أيديهم، فهم ليسوا مجبرين على صرف مبالغ من المال أو هدايا مكلّفة لإسعاد الصغار.

في الواقع لست أدري لماذا تطالب فئة من الناس بمنع إقامة القرنقشوه أو إيقاف ممارستها وهي تُمثل جزءً من الموروث والهوية التراثية لمجتمعنا العماني ؟، ما هو الضرر الذي لحقهم أو النفع الذي سيعود إليهم من تحقيق تلك المطالب ؟، الأمر الآخر أن هناك من يدّعي أن القرنقشوه تساعد في تشجيع الأطفال على التسول، كيف تشجعهم على التسول إذا كانت احتفالية تقام مرة واحدة في العام يحصلون فيها على الحلوى والسكاكر والمكسرات ؟!.

هناك مثل يقول “أهل مكة أدرى بشعابها” وأهل مسقط يعرفون القرنقشوه كما يعرف أهل صور الشعبانية التي يحتفلون بها في المنتصف من شعبان، قد تبدو القرنقشوه دخيلة لسكان محافظات أخرى مثل الداخلية وغيرها لأنهم لا يعرفونها ولا يحتفلون بها أصلاً، ولكن في الواقع لا أدري كيف تبدو وثنية ؟! .. هل الوثنيون يحتفلون بليلة المنتصف من شهر رمضان ؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى