أصداء وآراء

الأخطـر- البـعـد السـيـكـولـوجي للتـطـبـيـع..

          * الكاتـب/ نـواف الـزَّرو

باحث وخبير متخصص في الصراع العربي الإسرائيلي

Nzaro22@hotmail.com

 

الأخطـر- البـعـد السـيـكـولـوجي للتـطـبـيـع..

لا نبالغ ان قلنا وثبتنا أن البعد السيكولوجي-النفسي- للتطبيع اهم واخطر من الابعاد الاخرى السياسية والثقافية والاعلامية والفنية والاقتصادية، فكل هذه الاشكال التطبيعية لن تنجح في تطبيع الامة والشعوب العربية مع الكيان دون ان يتحقق لهم البعد السيكولوجي-النفسي-، فهم في فلسفتهم التطبيعية يطالبون العرب ب: التطبيع السياسي والاعتراف الدبلوماسي والقانوني من قبل جميع الدول العربية، وهذا ما حصل ويحصل الى حد كبير وعلى نحو اجرامي بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وبالتطبيع الاقتصادي – أي إنهاء المقاطعة الاقتصادية تماماً وبناء علاقات اقتصادية في مختلف المجالات : زراعة .. صناعة .. خبرات .. أيدي عاملة .. إستثمارات .. وكذلك بالتطبيع الثقافي والأكاديمي والتعليمي، وهذا يعني إلغاء منظومة كاملة من المعتقدات والأفكار والمفاهيم التي نشأت عليها أجيال وأجيال فلسطينية وعربية، مع كل ما يتطلبه ذلك من تغيير في المناهج التعليمية والمطبوعات الفكرية والسياسية والثقافية والتاريخية والوسائل والخطابات الإعلامية والأنشطة الفنية .. الخ. وبالتطبيع السيكولوجي – النفسي وهو الاخطر، أي تكريس وتطبيع وجود”إسرائيل “والقبول بها عربياً رسمياً وشعبياً والتعامل والتعايش معها بكل ما ينطوي على ذلك من انفتاح شامل على تلك الدولة بوصفها دولة طبيعية مشروعة في المنطقة.

هم في الكيان يدركون منذ بدايات التأسيس انهم سيبقون في حالة حروب مفتوحة مع الامة العربية حتى يعجز العرب عن تسلق جدار جابوتنسكي – أي إستسلام العرب لقوة إسرائيل واعترافهم باستحالة هزيمتها -، وتعاون معهم في ذلك الغرب الإستعماري وخاصة الإستعمار البريطاني ثم الإدارات الأمريكية التي وظفت وما تزال كل طاقاتها وإمكاناتها ونفوذها وضغوطاتها على الأنظمة العربية بغية إجبارها على التوقيع والتطبيع، وفي هذه المضامين كان جنرالهم الأسبق موشيه دايان قد نظر في الرابع من يونيو 1968 وبمناسبة مرور عام على حرب يونيو 1967 قائلا : “إننا (أي إسرائيل) قلب مزروع في هذه المنطقة غير أن الأعضاء الأخرى (ويقصد العرب) هناك ترفض قبول هذا القلب المزروع .. ولذلك لا خيار أمامنا سوى حقن هذا القلب بالمزيد والمزيد من الحقن المنشطة من أجل التغلب على هذا الرفض…” عن مجلة بماحنيه العسكرية الناطقة بلسان جيش الإحتلال الإسرائيلي، ويثبت دايان حقيقة كبيرة مؤكداً : “لقد زرعنا أنفسنا هنا عن وعي .. وفعلنا ذلك مع علمنا بأن محيطنا لا يرغب بنا .. ولكن الأمر بالنسبة لنا حتمية حياتية .. لأن هذا القلب لا يمكنه أن يعيش في أي مكان آخر…”، وفي هذه النظرية الدايانية أيضا كتب الصحفي الإسرائيلي المعروف أوري أفنيري على موقع “المشهد الإسرائيلي يعزز نظرية الجنرال دايان فيقول: “هناك (ويقصد لدى العرب) يشبّه المشروع الصهيوني برمته بعضو غريب تم زرعه في جسد إنسان، وجهاز المناعة الطبيعي يقاوم العضو المزروع، والجسم يجند كل ما أوتي من قوة لرفضه، يستخدم الأطباء جرعة كبيرة من الأدوية للتغلب على الرفض، يمكن لذلك أن يستمر إلى وقت طويل، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي إلى موت الجسد ذاته، والعضو المزروع معه… ويضيف : من المؤكد أن علينا أن نتطرق إلى هذا المثال كما نتطرق إلى أي مثال آخر، كمحدود الضمان، يمكن للمثل أن يساعدنا على فهم قالب عام، وليس أكثر من ذلك”.

ويمضي أفنيري في عمق المسألة قائلا : “سيقول الغبي : مقاومة الرفض بمساعدة جرعة أكبر من الأدوية، التي تمنحنا إياها أميركا والعالم، وسيقول الأكثر غباء : لا يوجد حل، إنه وضع مفروض، سيستمر إلى ما لا نهاية، لا يوجد ما يمكن فعله سوى الدفاع عن أنفسنا بحرب، وحرب أخرى وحرب أخرى، ها هي الحرب القادمة لتوّها على الأبواب”.

وسيقول الحكيم : هدفنا هو أن ندع الجسم يقبل العضو المزروع كسائر أعضائه، أن لا يعتبرنا جهاز المناعة فينا عدوا يجب التخلص منه بأي ثمن، وإذا كان هذا هو الهدف، فيجب أن يتحوّل إلى المحور الرئيسي الذي تنصب جهودنا من حوله، بما معناه : يجب أن يُنظر إليه وفق هذا المعيار البسيط : هل هذا يدفع الهدف إلى الأمام أم يقهقره إلى الخلف؟

وهنا يأتي دور الجرعات العربية المنشطة والمقوية لبقاء واستمرار الكيان، وهي التطبيع العربي الذي من شأنه فيما لو استمر، أن يحول البيئة الإستراتيجية العربية المعادية للكيان والمشروع الصهيوني إلى بيئة إستراتيجية صديقة ومطبعة مع الكيان …!!.

وهنا نتوقف أمام مسلسلات التطبيع، لما تشتمل عليه من رسالة ودعوة تطبيعية ثقافية وفنية بالغة الخطورة لأنها تتغلغل في الفكر والوجدان والثقافة والفن والتراث…!!.

وتنطوي على بعد سيكولوجي – نفسي خطير…!، وهنا ننبه كافة القوى والجمعيات والتنظيمات والأحزاب المناهضة للتطبيع مع العدو، أن تولي البعد السيكولوجي – النفسي للتطبيع عناية كبيرة في برامجها ونشاطاتها المناهضة…

* تم نشر المقال بموافقة الكاتب وبالاتفاق مع القائمين على موقع “إضاءات” الإخباري..

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء “أصـداء” بل تعبر عن آراء الكاتب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى