أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

مـرارة الـخـيـبـة..

رحمة بنت مبارك السـلـمانية

 

مـرارة الـخـيـبـة..

 

في اعتقادي لا أحد يحب أن يكتب أو يقرأ أو يثرثر عن الخيبات؛ لأن طبيعة النفس البشرية تنفر من محفزات الطاقة السلبية والأشياء الباعثة للتشاؤم والكآبة، وتميل إلى الإيجابية ومثيرات التفاؤل، لست أدري أهي إحدى حسناتي أم إحدى سيئاتي؟!، أنني لا أستطيع أن ألوذ بالصمت في بعض المواقف خاصة تلك التي تشغل ذهني وترهق تفكيري، ولهول الضجيج والأحاديث التي تدور في رأسي المكتظ بالأسئلة والتساؤلات، وبعد أن كنت أقنعت نفسي بأن الإنسان بنفسه هو من يعطيها قيمة ولا شيء آخر سيُلمّع صورته الشخصية وسيرته الذاتية سوى ذاته، لكني أدركت مؤخراً أنني على خطأ، وأن فئة من الناس (هم الأغلبية للأسف) يُقدّرون ويُكرمون الشخص لحسبه ونسبه وشهاداته ومؤهلاته واسم الجامعة التي تخرج منها، ومعارفه وعلاقاته، والمناصب التي يتقلدها، وصخبه وبهرجته وفلسفته الزائدة أحياناً تكفي وإن كانت بلا معنى أو مضمون، وتمجيده لنفسه في كل مقام ومقال، وتكراره لسرد صولاته وجولاته وتفاصيل حياته للقاصي والداني، المهم أن يكون حاضر في كل زاوية ومتواجد في كل قصة ورواية.

من المؤسف أن المحاباة والمحسوبية كانت بذور ونمت حتى أصبحت اليوم أشجار ضخمة ضارة سامة كريهة الرائحة، باتت جذورها أحد أهم الأسباب الرئيسية في تدمير البنية التحتية والتربة الخصبة والنباتات المثمرة، فبسبب المحاباة التي يتبناها البعض لخدمة مصالحه الشخصية أو مآربه الخاصة، بُترت عقول وطُمست أفكار قبل أن ترى النور، وحُطمت قلوب كانت تضج بالنشاط والحماس بعد أن قتلها الإحباط واليأس، وهَرِمَتْ أرواح قبل أن تصل إلى ذروة الشباب، وقد دفع ضريبتها الكثير من الأشخاص العاديين، الذين لا يملكون أسماء شائعة ولا أنساب لامعة ولا مناصب شافعة.

هل تعلم حجم الخيبة التي تصيب القلب مباشرة بطلقة قاتلة؟، حين تدرك بأن حلمك الجميل الذي تكرر كثيراً، وفسره كل المفسرين بحياة مقبلة مشرقة مليئة بالخير والسرور، وسنين سمان ستأتي في القريب العاجل لتسحق العجاف، كان مجرد أضغاث أحلام ولا صحة لما تم تأويله، ولن تتمكن من نسيان ذلك الحلم أبداً حتى وإن أصابك الخرف، ذلك هو حلم الخريجين والباحثين عن عمل، والذين طال انتظارهم لسنوات من أعمارهم ذهبت أدراج الرياح، فليس من العدالة أن يُقمع التنافس بحجة المؤهلات، أو يُقيد إبداع أحدهم وتميزه بورقة أو  مجرد شهادة قد يكون وجودها هو العقبة، وأحياناً بخبرة عملية تمتد لسنوات طويلة، وهو لم يُمنح فرصة ليحصل على أدنى خبرة، قد يكون أحدهم يمتلك بداخله شلال من الإبداع يفوق خبرة من قضى سنوات ممارساً تلك المهنة أو ذلك العمل على أرض الواقع، وسينطلق المارد القابع داخله محطماً قيوده وسلاسله الحديدية إذا ما أتيحت له الفرصة لذلك، ليُسطّر أعظم الانجازات.

في أحيان كثيرة تبدأ المحاباة صغيرة وبشكل غير مُلفت، ففي المدارس مثلاً يُميز ويُنتقى للمشاركة في الأنشطة ويُكرّم في المسابقات الطالب ابن الاستاذ وابن المدير وابن الشاعر وابن التاجر وابن المشهور والطالب المتفوق والوسيم وجميل الملامح، ويُهمل الطالب العادي وجميل الروح وطيب الخُلُق، رجاءً لا تقيدوا الإبداع والتميز بشروط عقيمة وقوانين غير عادلة وبشعارات بلا جدوى، فنحن لسنا بحاجة إلى نسخ مكررة، بل نحن في أمس الحاجة لأفكار مميزة متفردة، تختلف عما قبلها وتمهد للآتي فيما بعدها، تمتلك مميزات استثنائية تواكب التطوير والتطور المتسارع في مختلف نواحي الحياة، وتستحق التكريم والاحتفاء بها بجدارة؛ لأنها عملة أصلية وليست صورة مقلدة كافحت بذاتها العارية من كل المسميات والألقاب البراقة، دخلت ميدان المنافسة بلا وسيط.

ساندوا البسطاء المحتاجين ليدٍ رحيمة كريمة رأفة بقلوبهم، فأولئك الطامعين في لطفكم لا يرجون سوى الحصول على مصدر رزق يعينهم على العيش وتحمّل مشاق الحياة، ويسّروا لهم سبل طلب الرزق ولا تعسروا عليهم، فإن الحياة لا تطاق بلا رحمة وبلا إنسانية، فإن كنت مبادراً بالعطايا فأكرم من هو أولى بها، وبدلاً من أن تُقدم إكرامية لنادل بالمطعم الفلاني لتبدو كريماً، تصدق للفقراء والأيتام وتبرع للمحتاجين، وقدّم العون والسند لمن يستحقونه، سيكون أثر ذلك عظيماً في نفوسهم وعند الله أعظم، وإن كنت صاحب قرار فحاول أن تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن تتذكر دائماً حجم المسؤولية والأمانة التي كُلفت بأدائها والملقاة على عاتقك وأنك مسؤول عنها بعد حين من الدهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى