
أمامة اللواتية.. عمانية بضمير أمة
خالـصـة الصـلـتـيـة
وغدا حين تنكسر سلاسل الليل سيبزغ الفجر من مآقي الصبر، وستروى الحكاية كما يجب أن تروى؛ عن امرأة خرجت من عمان تحمل خبزا وقلبا للعالم، فحاولوا أن يسكتوا صوتها فإذا بها تشعل ضمير الأرض. سيقال إنهم اختطفوا جسدها لكنهم لم يقدروا على أسر رسالتها، وإنهم صادروا خطواتها لكنهم لم يتمكنوا من إيقاف صداها الذي صار يجلجل في كل بيت عماني وفي كل قلب عربي يعرف معنى الكرامة.
أمامة اللواتية لم تذهب إلى غزة لتحارب، بل ذهبت لتضمد الجوع بالخبز والخذلان بالأمل. سارت بخطاها الواثقة لتكسر حصارا لا عن أرض فقط، بل عن إنسانية أرهقها الصمت. كانت تسير ومعها روح عمان بأكملها، جبالها الصلبة وبحارها الصبورة وتاريخها الممتد في ذاكرة المجد والكرامة. فصارت هي بذاتها جبهة من ضوء، لا تحمل سلاحا بل تحمل إنسانية لا تقهر، وإيمانا بأن الكرامة لا تحاصر.
وحين امتدت يد الغدر إليها ارتفع اسمها كراية ترفرف على حدود الصمت، تقول للعالم إن المرأة العمانية لا تؤخذ رهينة، لأنها خلقت من طين الكبرياء ومجبولة على الولاء، لا تخشى الأسر ولا تنكسر أمام الجبروت.
فيها حكمة ميزون البوسعيدية التي كانت للعقل ميزانا وللدولة ركيزة، وفيها شجاعة غالية بنت ناصر البوسعيدية التي قادت الرجال في وجه الغزاة، وفيها دهاء السيدة موزة بنت سلطان التي أدارت دهاليز السياسة ببصيرة ودهاء، وفيها ثقافة السيدة سالمة بنت سعيد التي حملت صوت المرأة العمانية إلى ضمير العالم، وفيها علم الشيخة عائشة بنت عيسى الريامية التي أزهرت بالحكمة في رياض الفقه والفكر. كل مجد النساء العمانيات يسكن في ملامحها، وكل التاريخ القديم يستعيد صوته حين ينطق اسمها.
يا أمامة، يا نداء الضمير في زمن العجز، يا وجه الحقيقة في زمن الادعاء، يا امرأة خرجت من صمت الجبال لتكسر قيود التجويع وتعيد للإنسان معنى العطاء.
عمان كلها معك، والقلوب ترفع اسمك كدعاء في الفجر وكفخر في الذاكرة. ستعودين لا كما غادرت، بل كما تعود الرموز، أكبر من الجرح، أنقى من الألم، وأشد إشراقا من الغياب.
لقد علَّمْتِ العالم أن الضمير لا يُؤسَر، وأن الخبز حين يقدم من يد حرة يصبح أقدس من كل سلاح. خرجت لا لتحاربي، بل لتقولي للعالم إن الرحمة أقوى من الرصاص، وإن الإغاثة حين تخرج من القلب تصبح رسالة أمة لا عمل فرد. كنت الوطن حين يمشي، والصوت حين يصمت العالم، والنور حين يعتم الضمير.
لم تكن أمامة اللواتية فقط امرأة من عمان؛ كانت صدى الإنسانية في وجه العجز الأممي، وصوت الضمير في زمن صارت فيه الكلمات أثقل من الأفعال. ذهبت بخبزها لا لتمنح طعاما، بل لتعيد للإنسان معنى أن يكون إنسانا، وحين صمتت المنابر كانت هي الخطبة البليغة التي ألقتها الأفعال بدل الكلمات. لقد أثبتت أن القلوب الحرة لا تحتاج إلى قرارات أممية كي تنصر المظلوم، بل إلى وجع صادق يتحرك نحو الحياة.
ما فعلته أمامة لم يكن رحلة إغاثة، بل رحلة إيقاظ. أيقظت فينا الإحساس الذي كدنا نفقده بين الزحام، الإحساس بأن للعطاء معنى أعمق من المساعدة، وأن للإنسانية ثمنا لا يدفع بالمال بل بالنية الخالصة. كانت أمامة تمشي على الأرض بخفة من يعرف أن الله رفيقه في الطريق، وأن من يخرج من بيته ليطعم جائعا يزرع في الدنيا أثرا لا يمحى. وفي كل خطوة من خطواتها كانت تعيد تعريف القوة، فالقوة ليست في أن تنتصر، بل في أن تصر على الخير في عالم فقد اتجاهه.
لقد صنعت من اسمها جسرا بين ضفتين، ضفة تحاصرها النيران وأخرى تحاصرها اللامبالاة. وحين عبرت، عبرت معها صورة المرأة العمانية إلى العالم بأكمله، امرأة لا تكتفي بالقول، بل تصنع القول فعلا، وتحول المبادئ إلى واقع يمشي بين الناس.
وسيكتب التاريخ أن امرأة من عمان خرجت بخبز وقلب، فعاد اسمها راية في وجه التجويع وصوتا في ضمير الإنسانية. وسيكتب أن أمامة اللواتية لم تختطف بل خلدت، لأن القيد لا يملك على النور سلطانا، ولأن من تحمل أمة في قلبها لا تموت، بل تبقى خالدة في وجدانها.
وسيبقى الأطفال يروون قصتها لا كحكاية ألم، بل كدرس في الكبرياء. وسيتعلمون أن البطولة ليست في حمل السلاح، بل في حمل القيم التي لا تموت، وأن المرأة العمانية حين تخرج للعالم تحمل في يدها خبزا وفي يدها الأخرى كرامة وطن بأكمله.
سلام على أمامة، وسلام على كل امرأة عمانية تمشي في دربها، تحمل خبزها بيد وكرامتها بالأخرى، وتعيد للأمة شهيق الحياة حين يختنق الصمت.