
أصـــداء /العُمانية
تعد صناعة النحاس قديمًا في سلطنة عُمان دليلًا على تطور الحضارة العُمانية وتحولها إلى دولة صناعية رائدة حيث تشير الوثائق السومرية والأشورية إلى أن سلطنة عُمان صدرت النحاس إلى بلاد ما بين النهرين قبل ما يقرب من خمسة آلاف عام؛ فالمواقع الأثرية الكثيرة المرتبطة بصناعة النحاس تشير إلى وجود كميات هائلة من مخلفات صناعة النحاس وهذا دليل على ما وصلت إليه تلك الصناعة في سلطنة عُمان.
وتعد قرية المناقي الأثرية بولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة أحد المواقع الأثرية في سلطنة عُمان المرتبطة بصناعة النحاس، حيث إن القرية بها عدد من الأودية وتنتشر فيها مناجم ومصاهر النحاس القديمة ويمكن ملاحظة آلاف الأطنان من مخلفات صهر النحاس في المناقي وبالقرب منها.
وقال حارث بن سيف الخروصي الباحث في النقوش الصخرية والتاريخ العُماني: جاء اختيار موقع قرية المناقي الأثرية بولاية الرستاق للدراسة (كأنموذج)، وهنالك المئات من مواقع صهر النحاس المنتشرة في سلطنة عُمان التي تعود لآلاف السنين مثل موقع سلوت بوادي نام بولاية القابل في محافظة شمال الشرقية.
وأوضح حارث الخروصي أن الإنسان العُماني القديم قام بصنع المصاهر بالقرب من مناجم النحاس وذلك لتوفير الجهد والوقت، كما يتضح ذلك بالقرب من وادي مفعل بقرية المناقي الأثرية بولاية الرستاق، حيث إن بقايا المنجم ما تزال واضحة حتى اليوم، وينقل الخام من المنجم إلى موقع قرب الفرن وينقى ثم يدخل الخام المناسب إلى الفرن ويستخدم في إشعال حطب السمر الذي كان متوفرًا بسبب احتوائه على أصماغ تنتج حرارة عالية توفر الطاقة اللازمة لصهر النحاس، إضافة إلى التصميم المناسب لأفران الصهر.
وقال حارث الخروصي: استُخدم النافوخ لإشعال النار داخل الموقد ورفع غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق خشب السمر، مشيرًا إلى أن نسبة النحاس في الخام تصل إلى 7 بالمائة فقط -بمعنى أن من كل كيلوجرام من الخامات التي تدخل الموقد يحصل الإنسان القديم على أقل من 70 جرامًا من النحاس وذلك في حالة وصل الموقد مع العملية إلى نسبة كفاءة 100 بالمائة، ويتم الحصول على النحاس من خلال فتحة في فرن الصهر ويصب النحاس في قوالب من الطين ويمكن ملاحظة قطع الفخار التي يتصل بها النحاس في موقع سلوت بوادي نام رغم مرور آلاف السنين.
وأضاف أن النحاس النقي معدن أصفر ذو صلابة قليلة وقابل للتشكيل وهو أقل كثافة من الذهب بمقدار النصف ويوجد النحاس في الطبيعة في الصخور النارية، وقد بدأ تصنيع النحاس في سلطنة عُمان قبل ما يقرب من 5000 عام وأهم خامات النحاس في الطبيعة (المالاخايت وأزورايت) وفي سلطنة عُمان يمكن الاستدلال على مكامن النحاس بوجود خام (الكريسكولا).
وأشار الخروصي إلى أن سلطنة عُمان تحتوي على صخور الأفيوليت بكثافة عالية وهي مكمن للعديد من المعادن مثل الكروم والذهب والنحاس والمنجنيز والحديد وغيرها.
يذكر أن الأشوريين والسومريين أطلقوا على سلطنة عُمان قديمًا اسم (ماجان) وتعني أرض النحاس أو جبل النحاس.