قانون الجدّة وتناول الحلوى الشهية..
الكاتب/ د . محمد بن ناصر الصوافي
قانون الجدّة وتناول الحلوى الشهية..
قد نسمع بعض الجدات يقلن لأحفادهن عند محاولة تشجيعهم على الأخذ بزمام سلوك ما أو الإعراض عن سلوك آخر : “كُلْ طبق الفواكه أولًا، وبعد ذلك أسمحُ لك بتناول الحلوى الشهية”، أو “حل واجباتك أولًا وبعد ذلك أخرج للعب مع أصدقائك”.
يسمى الأسلوب السابق بقانون الجدّة أو مبدأ (بريماك) الذي وضعه عالم النفس (ديفيد بريماك)، وهو من القوانين أو الأساليب الإرشادية الشهيرة في علم النفس، والمستخدمة في تعديل السلوك غير المرغوب، وتعزيز وتثبيت السلوك المرغوب به.
ولقد كان للعالم بريماك أثر مهم جدًا في ميدان تعديل السلوك، إذ إنه قدم معلومات مفيدة يمكن أن يوظفها الوالدان بشكل خاص، أو المربون عامةً بهدف المساعدة في تحقيق أهدافهم في تعديل سلوك أطفالهم.
وينص هذا المبدأ على أن السلوك الذي يظهره الطفل كثيراً (أو السلوك المحبب) يمكن استخدامه كوسيلة لتعزيز السلوك الذي يظهره قليلا أو السلوك غير المحبب لديهم.
بمعنى آخر: يمكن تعزيز السلوك الأقل رغبة من قِبل الطفل من خلال فرصة الانخراط في سلوك مرغوب فيه أكثر.
فمثلا الأم التي تطلب من طفلها أن يحل جميع واجباته أولًا (سلوك غير محبب أو مفضل لدى الطفل) قبل أن يذهب للعب (سلوك مفضل)، هي تستخدم في حقيقة الأمر مبدأ بريماك.
والمعلم الذي يشترط على طلابه حل التمرين الموجود في السبورة أولًا بطريقة صحيحة، قبل الخروج مبكرًا للفسحة المدرسية، فإنه يستخدم هذا المبدأ أيضًا.
والأب الذي يطلب منه ولده مشاهدة برنامج الأطفال المفضل لديه على التلفاز، فيشترط الأب أولًا تنظيف الغرفة قبل أن يشاهد الإبن البرنامج، يكون الأب قد طبق قانون أو مبدأ بريماك.
كيف يمكن تطبيق هذا المبدأ مع أبنائنا ؟..
يمكن تطبيق هذا الأسلوب عن طريق جلوس الوالدين مع الطفل وسؤاله عن الأشياء التي يحبها، والتي تكون مقبولة لدى الوالدين مثل : مشاهدة برنامجه الكرتوني على التلفاز، أو الخروج مع الأصدقاء، أو لعب لعبة معينة.
ثم بعد ذلك يخبره أنه سوف يسمح له بممارسة السلوك الذي يرغب به شرط أن ينهي السلوك أو الفعل الذي يطلبه منه والداه، مثل أن يطلبا منه أولًا : إنهاء الواجب المدرسي، أو حفظ مقرره اليومي من القرآن الكريم، أو تنظيف غرفته، أو مساعدة والدته.
وبهذا يكونا قد ضربا عصفورين بحجر واحد : فعل ما يطلبانه منه طواعية وعن انشراح منه، وكذا السماح له بفعل ما يحبه ويرنو إليه.
وهكذا يمكن تشجيع الأطفال على تأدية الاستجابات المطلوبة منهم (التي لا يقومون بها تلقائيًا وعن طيب خاطر) من خلال إعطاء الضوء الأخضر لهم بتأدية الأنشطة المحببة فقط بعد أن يقوموا بتأدية الاستجابات غير المحببة أو المرغوب فيها والتي يطلبها منه آباؤهم.
وفي الختام من الرائع لدى الآباء التنوع في الأساليب التربوية، واستخدام هذا المبدأ في تربية فلذات أكبادنا أولًا، قبل اللجوء إلى العقاب في تعديل سلوكهم في بداية الأمر، كما أن التوسط والاتزان في التربية مطلب شرعي دون قسوة مفرطة أو دلال مبالغ فيه، فالإفراط أو التفريط عاقبته وخيمة.
وكما يقول الدكتور مصطفى السباعي: “القسوة في تربية الولد تحمله على التمرد، والدلال في تربيته يعلمه الانحلال، وفي أحضان كليهما تنمو الجريمة”.