أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

الإشاعـات وأثـرها المُـدَمّـر !!..

الكاتـب/ حـمـد النـاصـري

 

الإشاعـات وأثـرها المُـدَمّـر !!..

 

مُنذ بدء تكون المُجتمعات البدائيّة الاولى ظهرَت مَشاكل صاحَبت ظهور تلك التجمّعات البشرية رَغْم مَنافع وفوائد تلك التجمّعات وتأثيرها في التطوّر والنُمو البشري ومِن تلك المشاكل انتشار الافكار المختلفة والتي يكون بعضها مُؤثراً بالضُرورة سلبياً بلْ وحتى ايجابياً واسْتغل بعض ضِعاف النُفوس والمُتصيدين في الماء العَكر تلك الاخْتلافات وسُرعة انْتشار الخبَر السيء خصوصاً في احْداث بَلبلة وعدم اسْتقرار يَسْتغلها اولئك المتصيدون لِجَني المال الحرام والمَنافع الخبيثة ومِنْها على سَبيل المِثال لا الحَصْر .. الإشاعات.

إنّ مِن أشْمَل وأكْثَر الاضْرار لتلك المَشاكل، اسْتمرار تأثير الاضْرار التي تُسَبّبها الافْكار المُنحرفة والاخْبار المُزيفة على عُقول ونفوس الناس لأنّ علاجها يكون احْياناً صَعب جدا بَل شِبه مُستحيل.

وقد كتبتْ د. صفاء عباس عبدالعزيز إبراهيم أسْتاذة مُشاركة وعَمِيدة كلية الإعلام بجامعة السُودان المفتوحة.. بَحثاً حَول الإشاعة وأثرها على الفرد والمجتمع. (إن للشائعة أثر بالغ على الفرد والمجتمع وأنها تعوق عملية فهم المجتمعات لطبيعة الظروف التي تمر بها وتجعلها عاجزة عن استيعاب الضرورات التاريخية التي تؤثر على اتجاه حرکتها ونموها على أرض الواقع، وکذلك تعمل الشائعات على إعاقة خروج المجتمعات من أزماتها في الوقت المناسب) .. إنتهى كلامها.

وكما يَعلم أغْلَب الناس أنّ الاشاعات انْواع ولكُل نوع بِيْئَة مُناسبة وتأثير مُعيّن ولكنْ كُلها تَسْتند على اخْبار كاذبة او مُزيفة او مُبالغ فيها وذات مآرب بالِغَة السُوء مَهْما كانَت تَسْمِياتها كمِثْل اشاعة أمَل او اشاعَة بَيضاء او سَوداء او رماديّة … الخ.

وعلى مرّ التأريخ ظهَرت اشاعات واخْبار كاذبة هزّت اسْتقرار دُول ودمّرَت مُجتمعات وغيّرَت حُكومات ورَغْم كشْف كذبها ولكنْ يأتِي الكشْف بَعد فوات الآوان وبَعد خراب مالْطا كما يقول المثَل!.

والاشاعات تسْري في المُجتمعات ذات الوَعْي المُتَدني بسرعة اكْبَر وتأثِيْر اخْطَر واشْمَل والأمْثلة كثيرة .. ولهذا يُتم اسْتخدامها وتوجيهها نحو تلك النوعية مِن المُجتمعات بشكل رئيسي.

ونقرأ في ويكيبيديا، تعريفاً للإشاعة (الإشاعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها. دائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة و مثيرة لفضول المجتمع والباحثين و تفتقر هذه الإشاعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار) .. إنتهى التعريف.

ومن كتاب (شائعات غيّرت العالم  .. تاريخ من العنف والتمييز) للكاتب الرُوماني يوجين أوفيديو تشيروفيتشي ويوجين هو خبير اقْتصادي وكاتب وصُحفي روماني. والمؤلف شَغل مَنصب كبير الماجستير في المَحْفل الوطني الكبير لرومانيا خلال شَهر نوفمبر 2003 .. فقال مِن خلال مَدخل كتابه المُشار إليه “كيف نشأت الإشاعات؟” : (إنها ولدتْ بدون شك حينما استقرت المجتمعات، وبدأ الصراع على السلطة)، وأضاف : (إن الفجوة بين الأكثر غنى والأشد فقراً آخذة في الاتساع، وهذا يُغذّي خطاب المُؤامرة).

وبالطَبْع هذه الفِكْرة وافَقت فِكْرتنا التي نُشِير إليها دوماً وهيَ أنّ العامِل السياسي اظْهَر فجوة بينَ طرفي العلاقة في صُنع القرار، وانّ الاقْتصاد زادَ ذلك الاتّساع بِخَرق يَزداد يوم بَعد يوم ، وتَعْمَل على نُقطتين ، غِني يَزداد غِنىً وفَقِير يَزداد فَقْراً وألْغَى ما بَينهما مِن طبقات ومُسْتويات.

ويضيف يوجين .. أن مِن العوامل المغذية للشائعات .. الظُلم والتفاوت الاجْتماعي فقال في كتابه (إنه مما يزيد خصوبة تربته لتلائم نظريات المؤامرة التي غالباً ما تكون وليدة احاديث النقمة لدى الفئات المحرومة)؛ مُؤكدا أنه (على الرغم من ان الفقر قد تقلص في العالم إلا انه ابعد ما يكون عن التلاشي ، حتى انه قد زاد مع انتشار الوباء) .. إنتهى كلامه.

وفي القرآن نَقرأ أنّ الشائعة فِتْنَة .. وتُوصَف الفِتْنَة بأنّها كُفْر وشِرْك .. قال تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) وفي مَوضع تالي للآية الكريمة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، والمُقاتلة هُنا ليسَ بالحرب وحْدها ولكنْ بالرّد والصَد والكشْف عَنها ومُحاربتها بتوضيح الحقيقة وعدم السُكوت عَنها حتى لا تَتغلغل في المُجتمع او تَترسّخ في اذْهان الناس .. قال تعالى في القرآن العظيم (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة:191.

وفي مُجْتمعنا العُماني وعلى مَرّ التاريخ الحديث ظهرَت اشاعات كثيرة انْكَشف زَيْف اكْثَرها وزالَت ولمْ يَبق لها أثَر ولكنّ وسائل التكنولوجيا المُتاحة والسريعة الانْتشار اعطتْ بُعداً مُتسارعاً وقرعتْ أبواب العقول المُغلقة وتركَ بعضها أثراً صَعب النِسْيان في نُفوس الناس ومِثال على ذلك، إشاعة مِياه أكوافينا المُعَبأة والتي صَدّقها اغْلَب العُمانيّين رَغْم اسْتحالة حُدوثها لِفَترة مُعَيّنة وتركتْ أثَرها على المُجتمع وشوّهَت سُمعة الشركة المُنتجة، والإشاعات التي تمّ تَرويجها عَن لقاح كورونا وقبْل أنْ يَصِل إلى الأسواق أو يُتمّ توزيعه عَبْر مُنظمة الصحة العالمية، تخللّته تبعات حقنتْ الآراء بالرِيْبَة واخْتلفت الأفْكار بالشَك وشُقّتْ على الناس بمخاوفها .. وصَدّقها كثير مِن الناس، بجميع مَشاربهم ومُستوياتهم وثقافتهم، حتىّ المُتَخصصين سارعوا لِفَتح قنوات او تَسْجيلات صَوتية تحذيرية وبَعضهم يُقْسِم باليمين المُغَلّظة عَبر تَغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي بأنّ في الأمْر مُؤامرة !! مما كانَ له الأثر المُسِيء في اتخاذ قرارات بَعضها مُتَعَجّل لِفَرض التَحْصِين كعلاج في كثير مِن البُلدان حتىّ المُتقدمة مِنها تكنولوجياً أو التي ظهرَ فيها الوباء وانْتَشر مُبكّراً، ومِمّا زادَ او ضاعَف مِن ذلك، تلك التراشقات السياسية والاتّهامات المُتبادلة المُبطّنة، واخْتلافات في التوجيه العِلْمِي والتَصْويب الطُبّي، واكتشاف مُتَحوّرات جديدة مُترادفة مِمّا زادَ مِن تَفشّي الوباء وتَغوّله وعدم امْكانية مُحاصَرته نظراً لعدم تَقبُّل الناس له او لِلقاحه، خوفاً على صِحّتهم!.

وفي مُجتمعنا العُماني عانَيْنا مِن ظُهور الكثير مِن الاشاعات خصوصا في العقدين الأخيرين بسبَب انْتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسُهولة وصُول المَعلومة ورَغم تصَدّي الجهات المسؤولة لتلكَ الاشاعات والرَد عليها وتَفْنِيدها إلاّ أنّ تلكَ الاجْراءات تأتِي مُتأخّرَة ، فتأخُذ الاشاعة ابْعادها وتَنتشر كما تَنتشر النار في الهَشِيم ثُم يَأتِي العِلاج بَعْد فوات الآوان.

وهُنا أتساءَل .. ما سِرّ تَباطؤ الجهات المَعنية في تَتبّع الاتصالات، وصَمْتَها عَن تكذيب بَعض الاشاعات المُؤثرة وخصوصاً تلكَ التي تَنْتَشِر عَبر وسائل التواصل الاجتماعي وبُصورة واسِعَة جِداً ؟؟!!.. ولماذا تسْمَح تلكَ الجهات للإشاعة بالانْتِشار والتَمَدُد والوصُول إلى أذْهان الناس ورُسُوخها ثُمّ وبَعد أيام نَجِد الرّد بالنَفْي او التَفْنِيد ؟؟!! .. (فالشائعة تعمق الأزمة وتوسع نطاقها أيضاً، وتعمل على استفحال حالات الارتباط الفوضى التي تصيب الواقع والأخر من ذلك أن تهمل السلطات المعينة وأجهزة الإعلام التعامل معها ومواجهتها باعتبارها شائعات لا أهمية لها، وليست حقائق) .. د. صفاء عباس.

فإذا كانَت الاشاعة بتلك الدّرجة مِن التَدْمِير والضَرر فلماذا التَقاعُس عَن الرَد عليها بأسْرع وقْت وفي لحظتها ووأدها في مَهْدها قَبْل أنْ تَنتشر وتستفحِل وتُحدث اضْراراً صَعبة الاصْلاح.

خُلاصة القول إنّ علينا جميعاً افْرادا ومُجْتَمعات ومُؤسسات  مُحاربة الاشاعة والكشْف عَن تأثيراتها وضَررها وتَبعاتها بلْ على الجميع المساهمة في إخْماد لَهِيبَها ،ومُواجهتها بالحقيقة والشَفافية وبالرَد المُحْكَم وغَلْق نوافذها وأبْوابها كيْ لا تُدَمّر الأُلْفَة بَين الناس وتَقْضِي على مَحَبّتنا وتُشَتّت مَودّتنا وتكْسِر قُوة تلاحُمنا .. ولكيْ لا تَتغلغل في نفوس وعُقول الناس ولكي لا تكون عمليّة الاصْلاح صَعْبَة وباهضَة الثَمن .. وخشية أنْ تَزداد وتِيْرَة وسُرعة عمليّة الإشاعة يَجب مُواجهتها بالاسْتكشاف السريع ومُعالجتها بالرَد المُحْكَم وتَفْنِيدها لِتَقليل ضَررها وذلك لِلحَد مِن نارها المُسْتَعرة وهَشِيمها المُنتشر مِن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المُتنوعة على نسَق يكفَل الحد مِنها.؛ فقد تَنوّعَت وانْتَشرت وسائل الإشاعة وأكاذيبها المُلفّقة بِشَكْل غير مَسْبوق كالتركيبات الصَوتية والتَحْويرات الكلامية ، وتَشْويه عِلاقة البُلدان بمجتمعاتها واصْبَحت المعلومة تَنْتَقِل مِن اقْصى الأرض إلى أقْصاها في ثواني مَعدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى