أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

كنتم كالماء .. بل أنتُمُ الماء !!..

الكاتب/ زايد بن خليفة الشكيلي

 

كنتم كالماء .. بل أنتُمُ الماء !!..

 

عزيزي القارئ .. أحييك بتحية الإسلام من أرض السلام، أرض الخير والبركات، أرض التراحم والتعاون، أرض السعادة التي أكرمني الله بأن خُلقتُ من طينها الطيب الكريم، فلك الحمد يا الله على هذه النعمة العظيمة، أسالك أن تحفظ وطني العزيز الغالي عمان من كل مكروه ، وأن ترزق أهله ومن عليه الخير والبركات.

كنت في يوم الأربعاء الموافق 6/10/2021م ، بعد يوم عمل شاق أحتسي فنجان قهوتي على ترانيم مسك وشقاوتها التي لا تُمل وكنت اتمعن في محياها واتفكر في تلك اللحظة كيف هو الجمال الروحي كونها عمانية الأصل والمنبت. وأتفكر في ذاك الطفل الذي توه ظهر على الشاشة برفقة أخيه البريئان وهما يمتطيان قطعة من الألواح الخشبية وقدف يعينهما على دف ذاك القارب البسيط ببساطة روحهم الطاهرة وهما يتجولان بين المنازل في حارة القصبية وقد غمرتها المياه ونظرهما يكاد يطال بعد الطريق المؤدي الى بوعبالي وما خلفته خيرات الله التي ساقها الرحمن مع شاهين الخير والبركات. وفجأة رن هاتفي باتصال من أحد الاصدقاء الرائعين المثابرين المجتهدين ، وبعد السلام والعلوم استدرك طالباً مني المشورة في أمر لمجرد سماعي لما قاله إلا وأنهمر على حسي كالمطر تعاقب في وجداني وانتشر كأنه الثلج يجري مجرى الدم فما مني إلا ان سألته وبشيء من الحده ( هل هذا تنظيم من قبل جهة معينة أم انه كما تعودنا عليه نخوة شعب؟؟) ، وبقهقهة خفيفة اجابني: لا يا صديقي فهي نخوة الروح العمانية وشجاعتها المعهودة فهي همة الشباب العماني المخلص لأرضه وسلطانه وشعبه وهي الحب الإلهي الذي اودعه الله في هذه القلوب العظيمة ، وأستمر في الحديث بكل شغف حتى أدركت بأن دموعه بدت تنساب على خديه المتعجرفين بحرارة الشمس وبعد أن قضى ما يزيد عن الخمسة والعشرون عاماً خادما لوطنه مطيعاً لسلطانه مغواراً.

عزيزي القارئ أعلم بأن تفاصيل كثيرة بدت تغزو فكرك لما حدث في تلك اليومين الأربعاء والخميس وكيف اشتعلت قوانا وأنتشت ارواحنا حماساً وشغفاً، وكيف كانت الجمعة بعد مضي 48 ساعة حسبناها بالثواني واللحظات حتى أشرق فجرها المبارك ، فحج فيها شعب أبيَّ شعب وفيّ لسلطانه ووطنه. واقولها وحق الله بأنه وفي ذاك اليوم لا توجد في روح على هذه الأرض عمانية أو مقيمة الا وقد انتابتها الدهشة … كان فجراً مختلفاً فجراً تجسدت فيه معاني المسؤولية والحب والإخلاص والتراحم وكانت رائحة القروص تفوح من مطابخ البيوت تتفنن فيها أمهاتنا وزجاجة العسل كانت ملفوفة بقطعة قماش بيضاء ودلة القهوة المنعشة بنكهة الهيل تمتزج لتعانق عبق الطين المنبعث من سويق الحب وخابورة الجمال ، شُدَت الرحال ، وكعادة أمهاتنا ونساء عمان الكريمات كن في توديع الأب وأبنائه وبالدعاء لهم بالتوفيق وفي قلبها ذاك الطفل كأبنها وتلك المرأة أختها وذاك الأب كأخيها اللذين تباركوا بما خلفه الإعصار ، تزاحمت الطرقات وعلت الدعوات وأنساب الكرماء الميامين كالحجيج يتدافعون لخدمة عروس عمان .. الباطنة وأهلها الغر الميامين ممن تضرروا .. بل استبشروا بخيرات شاهين.

سلطاننا المفدى شكراً لك من القلب وحفظك الله يا هيثم الضرغام أيها الفذ الأشم ، فما زاد دهشتي حقاً وبعد زيارة صاحب السمو السيد شهاب بن طارق وبتوجيهات من سلطاننا المعظم تلك الزيارة التي لم تستمر لأكثر من ربع يوم إلا أن قطوفها الدانية انهمرت ، فنرى المواطنين يسلكون شارع السلطان قابوس وقواتنا المسلحة ترفد وبكل طاقتها الباسلة ومختلف أسلحتها وتشكيلاتها سالكة الشارع السريع وخفر السواحل والبحرية السلطانية العمانية تمخر عباب البحر، أي سيمفونية هذه!! وأي حماس هذا تتحلى به مختلف أركان الوطن!! وكأن كورونا بكل ما خلفه من مآسٍ رزقنا الله نسيانها بأن سخر جنده التي تجلت بشاهين الخير والبركة ، كان مشهداً مهيباً عظيماً فقبل أن نتحدث ولن نتحدث عما كان وما صار يكفينا التفكر في عظيم توفيق الله لهذا الوطن ، الذي إنساب فيه الطفل والشاب والشابة والرجل والمرأة والشيبان، تزاحموا مع أبنائهم وأحفادهم حتى يعينوا إخوانهم وأخواتهم وتجسدت تلك المشاهد الإنسانية ولوحة سطرها جلالة السلطان حفظه الله ورعاه بكل جمالياتها بتوجيهاته السديدة ، فلا ضير وهو قائد فذ تربى بالمدرسة القابوسية مثلما تربى بها وتخرج منها شعب هذه الأمة العظيمة.

أتعلم عزيزي القارئ الرائع .. إني اخط الكلمات وابتسامة عريضة ترتسم على وجهي اعتزازاً وفخراً بشباب عمان وتفاصيل كثيرة وصور ذهنية تشغل مخيلتي منذ ذلك اليوم مثلما هو معك استحضر صورة الأطفال وهم يستمتعون برفقة آبائهم بخدمة اهليهم وذاك الجندي الذي اختلط الطين بزيه فأصبح لا يمكن تفنيده من أي قوة هو وذاك الرجل الذي انحنى ليتدهن بطينه الذي نبت منه وتلك المرأة العمانية الوفيه التي كانت حانية بكل عطفها على أختها التي كان الخوف قد سيطر على شعورها. أستذكر تلك المشاهد وصوت عربات الجند وعطر المجنزرة المنبعث وهي تزيح الأتربة والصخور لتعيد شق الطريق ، استحضر هتافات جنودنا البواسل الحماسية والمخلصين بمختلف قنوات التواصل الإجتماعي اللذين ينقلون الحدث بكل واقعية أول بأول، وتلك الثلة من المتطوعين الأكارم الذين جذبوا الأطفال لمرسم على وجه الطبيعة تحيط بهم جداول الشاهين الجميلة وما زالت تتناغم أهازيج الهبة الظفارية عند التحامها في باطنة الخير. وكل هذه التفاصيل يحق لنا ان نسميها بعرس ميمون انهمرت فيه عمان بخيرها حتى دوت ” الندبة المسندمية” التي اخذتني في جولة تعطرت فيها ملابسي باللبان الظفاري على أنغام مسيندو صور العفية وكان “للعيالة الظاهرية” وقع يأسر الروح طرباً على صفيحة الكاسر النزواني.

عشتي يا عمان حرة أبية ، ودمت يا هيثم الضرغام سلطاناً أشم ، ولك أيها الشعب الوفي كل التحية والتقدير فقد (كنتم كالماء .. بل أنتم الماء).

 

دمتم بود وفي حفظ الله ورعايته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى