أصداء وآراء

فـي رحـاب رمـضـان..

 

 

الكاتـب/ فـوزي صـادق

 

 

فـي رحـاب رمـضـان..

 

كان الـصوم ثقافة وركنا في جميع الأديان الإبراهيمية، وحتى في الشرائع الوثنية، فقد كان قدماء المصريين والإغريق والرومان وسكان ما بين النهرين في الـعراق، كالصابئة المندائية والمانوية يصومون أياماً مختلفة، وعرف المصريون القدامى الـصيام كفريضة دينية يتقربون بها من أرواح الأموات، ويعتقدون أن صيام الأحياء يرضي الموتى وتضامناً معهم لحرمانهم من طعام الـدنيا، أما العرب فكانوا يصومون أول ثلاثة أيام من الأشهر الحرم، لأنها تغسل البدن وتريح العقل.

بالنسبة للدين الإسلامي فهو ركن أساسي من أركان الدين، وللصوم فائدتان جوهريتان، روحية وجسدية، فالأولـى لـعلاقات الإنسان الـروحية، وأهمها علاقته بخالقه ثم علاقته مع مَنْ حوله، والـثانية تحفيز الجسد نحو الـكمال. للصيام فلسفة جوهرية وهي ليست الامتناع عن الطعام والـشراب والـغرائز، وإنما دورة تربوية لتهذيب الإنسان من الداخل والخارج، وإعطاؤه فرصة كي يطوع روحه ليمتطيها ويوجهها، فعند خلو المعدة من الطعام يقل تشتيت سلطة العقل، وتقليل ما يتم صرفه من طاقة ذهنية على الجهاز الهضمي والمعوي، ويبقى التركيز بمنطقة التفكير، وهنا يحدث الـترويض لـلـروح، لأن الـبطنة تذهب الفطنة، لذا يأخذ الإنسان استراحة شهر لجسمه وروحه بعملية محسوبة في السنة، لذا قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).

رمضان (وقفة من الالـتزام) مع أنفسنا، لنحدد طريقنا ومصيرنا بين كفتيّ الخير والشر، فالإنسان مخيّر وليس مسيّرا، ومع ذلك ومن كرم الله جل شأنه، اهتمامه ليبقى متصلاً بخليفته في الأرض دون انقطاع، حتى مع دوام عصيانه، فكما هـو منغمس مع ما أُعطي من نعم الحياة وغرائزها، أعطاه ربه فرصة للرجوع عن الخطيئة والتجلي نحو الحق والطهارة، والـدخول من باب شهر الرحمة، فجعل فيه أبواب السماوات مفتوحة للتقرب بالقرآن والدعاء وليلة القدر، وجعل فيه النفس لينة ومطيعة، والـروح عرفانية وخفيفة، والـشهوة لغرائز الحرام ضعيفة، فالنصر لنزعة الخير في هـذا الـشهر محتوم، والاندحار لنزعة الشر محسوم.. إذا هي فرصة قبل الفوت وذهاب الـصوت، كي نروض نفوسنا ونأخذها إلـى طريق الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى