أصداء وآراء

التـنـشـئة الاجتـماعـية .. بيـن الحريـة والقـيـم الأخلاقـية..

الإعـلامي/ سـعـيد بن سـيـف الحبـسـي

wwws9@hotmail.com

 

التـنـشـئة الاجتـماعـية .. بيـن الحريـة والقـيـم الأخلاقـية..

إن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية تحكمه أساليب تربوية للتنشئة الاجتماعية في عالم متغير ومتسارع يعج بالكثير من المتناقضات في كيفية تنشئة الأجيال بدءا من سن الطفولة ووصولا لسن البلوغ ، فهذه المتناقضات هي في حد ذاتها من تجعل تلك المجتمعات من أفراد ومؤسسات في صراع مستمر للبحث بين أطلال الأخلاقيات المجتمعية في إيجاد أنجع الطرق وأمثلها لوضع برامج تستهدف في الدرجة الأولى غرس القيم الأخلاقية الأصيلة في نفوس النشء ، وذلك بعدما تغلغل الغزو الفكري والثقافي والتربوي الخارجي بأيد داخلية بين أوساط المجتمعات العربية المحافظة على أخلاقها الإسلامية غير المتشددة ، والتي غالبا ما تتعامل معه بمرورنة وحكمة ، باعتباره مصدر دخيل للتنشئة الاجتماعية اللاخلاقية والساعي إلى التغيير السلبي للفكر التربوي الوسطي والمعتدل الذي تتعامل به المجتمعات العربية  ، بحيث يأتي هذا التعامل التربوي الحذر إنطلاقا من حرص القائمين على موضوع التنشئة الاجتماعية في دولنا العربية على عدم الإنجراف مع تيار التغيير الدخيل المسموم بقيم وعادات لا تمت للتنشئة الإسلامية والعربية بصلة ، ومخافة أن يتبع النشء ذلك الفكر المتحرر من القيم الأصيلة .

إن مجتمعاتنا العربية محصنة بوسائل دفاع منيعة إذا ما قامت كل جهة بأدوارها المجتمعية التي تمنع النشء من إتباع ذلك الفكر الغربي الدخيل الذي يسعى جاهدا وبكل الإمكانات المادية والبشرية والتقنية لبث سمومه بين أوساط النشء بهدف السيطرة على فكره ومعتقداته التربوية والدينية والقومية ليكون رهين ذلك الفكر الدخيل ، فإذا ما تحدثنا عن هذا الجانب في مجتمعنا العماني كإنموذج ، فإننا نتحدث عن مجتمعات مصغرة من المجتمع الأم التي تلعب دورا فاعلا في التنشئة الاجتماعية الخلاقة  ، لعل من أبرزها مجتمعات الأسرة والمسجد والمدرسة والنادي والسبلة والأصدقاء .

فإذا ما تحدثنا عن النواة الأولى لأي مجتمع من المجتمعات ، فإننا نتحدث هنا عن الأسرة ، هذا المكون الاجتماعي الأسمى في لغة العلاقات الإنسانية ، بحيث أن الأسرة تتميز بنسيجها المترابط وقرب أفرادها من بعضهم البعض ، فهي الباب الأول لمدخل التنشئة الاجتماعية في أي مجتمع كان ، سواء أكان مجتمعا ملتزما بالقيم الأخلاقية أو متحررا منها  ، بحيث يقوم كل من الأب والأم أو الأخ الأكبر بغرس الكثير من المفاهيم والقيم في فكر النشء ، التي تتناسب والمجتمع الذي يعيش فيه ، ونبذ كل ما يؤثر على أخلاقيات أفراد المجتمع من خلال بث رسائل توعوية فعلية تحصن النشء من عدم الإنجراف مع المعتقدات الدخيلة ، فلذلك وجب على الأسرة أن تكون مستيقظة لكل ما يؤثر على هذا النهج التربوي الأخلاقي الراسخ ، وتجنيب النشء إتباع ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المأجورة لتدمير النشء ، والسعي بجدية لإيجاد البدائل التربوية المتجددة للحفاظ على القيم الأخلاقية للنشء .

أما المسجد فرسالته التربوية عظيمة ، فإلى جانب أدواره الدعوية والدينية ، فإنه يعول عليه الكثير من الأدوار التربوية في التنشئة الاجتماعية ، فهو منبع لبث رسائل التوجيه التربوي عبر آيات القرآن الكريم التي جاءت معبرة عن النهج القويم في تربية النشء ، فأخلاق المرء منبعها القرآن الكريم من خلال ما شمله من آيات قرآنية داعية للتربية الاجتماعيةوالتنشئة الأخلاقية  ، لذلك فإن المسجد يعد مؤسسة دينية وتربوية موجهة نحو حسن الخلق ، فوجب على ااجهات المختصة أن تكثف جهودها من أجل إبراز الدور الفاعل للمساجد من خلال رفع مستوى الوعي الأخلاقي بين أفراد النشء .

وفي المقابل فإن المدرسة وعبر رسالتها التربوية والتعليمية فإنها تجمع الكثير من المبادئ الأخلاقية التي تسعى لزيادة فاعليتها من خلال مناهج علمية مقننة بأساليب مختلفة للتربية ، بحيث أن هذه المناهج تسهم في زيادة الوعي لدى النشء في إكتساب المزيد من المعارف والمهارات في التصدي لكل ما هو دخيل يؤثر على تماسك المجتمع وأخلاقياته ، لذا من الضروري أن نكثف من تطوير المنهج التربوي في هذا المجال لإيجاد جيل قادر على مواجهة كل  ما يؤثر على منهجيته التربوية السمحة .

ومع كل ذلك  يبقى على جميع أفراد ومؤسسات المجتمع أن تقف وقفة جادة وفاعلة للحفاظ على النسيج المجتمعي الواحد من خلال التصدي لأي محاولة إختراق لقيمنا الأخلاقية لنظل مجتمعا مترابطا متماسكا يتسم بسمات الأخلاق الحميدة في كافة مناحي الحياة ، وأن يعمل الجميع لإيجاد الطرق المثلى والأساليب الأرقي في التنشئة الاجتماعية بلا ضر ولا ضرار ، وأن ننطلق من منطلق الترغيب وليس الترهيب في تربية النشء من أجل أجيال متمسكة بالقيم الإسلامية والتي تنأ بنفسها عن الميل للتنشئة الدخيلة ، ومبتعدة عن أساليب التحرر الأخلاقي المؤدي لكل ما هو سيء ، وذلك للحفاظ على كل ما هو أصيل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى