أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

اكتشاف الموهبة بين الواقع والمأمول..

الدكـتـورة/ سـلـوى سـلـيـمـان

خبير تربوي – استشاري اكتشاف ورعاية الموهوبين – مدرب دولي تنمية بشرية

 

اكتشاف الموهبة بين الواقع والمأمول..

 

أضحى اكتشاف المواهب ضرورة ملحة لا مفر منها ,وأصبح سباق التميز يحتم علينا جميعا استثمار تلك المواهب، وقد تجلى ذلك مؤخرا في صورة مبادرات ومشروعات قومية، وعالمية؛ لأن العنصر البشري هو العنصر الأهم في هذه العملية،والمتمثل في الموهوبين تلك الشريحة التي إذا تم استثمارها سوف نصل بها إلى مرحلة الإبداع في كثير من المسارات العلمية والفنية والأدبية ونحوها.

وتبقى المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق رجال التربية والتعليم لنشر ثقافة الموهبة والإبداع في نفوس الأطفال منذ نعومة اظافرهم، ومن ثم المساهمة الفعالة في تطوير العملية التعليمية في مجال تربية الموهوبين من خلال الأنشطة والمشاريع البحثية والبرامج الأكاديمية التدريبية التي إن نٌفذت كما يجب أن ُتنفذ فإنها سوف تحقق النجاحات المأمولة والمطلوبة لاكتشاف مواهب الأطفال وتنميتها واستثمارها.

وعلى كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات جهد كبير ومسؤولية أكبر في اكتشاف البراعم الصالحة لخوض معارك المستقبل في ميادين العلوم والتكنولوجيا والثقافة وغيرها، ولكن هل الأهم في هذه المرحلة اكتشاف المواهب أم صناعة المواهب؟ أم الاثنين معا؟
بداية دعونا نفرق بين الاكتشاف والصناعة بمثال بسيط، الاكتشاف أن أخرج للعلن شيء موجود بالأساس، ويتم فقط الكشف عنه,أما الصناعة أن أوجد هذا الشيء الذي أريده عن طريق وسائل وأدوات محددة، ونعني هنا أن المواهب بالإمكان اكتشافها لدى من لديهم الموهبة بالفطرة في مجال معين, أما صناعة الموهبة فيكون بالتعلم والتدريب والاتقان.

ونحن إذن نحتاج إلى معرفة الموهوبين الموجودين بين الأطفال في المدارس والمؤسسات المختلفة ولكن نحتاج أيضا أن نوجه البقية ممن لا تتوفر لديهم الموهبة بالفطرة إلى المجالات المستقبلية التي تقوم عليها العلوم والوظائف؛ ولسوء الحظ أن العديد من الأطفال لا يستطيعون أن يحددوا ميولهم ويقع الامر برمته على عاتق التربويين من منطلق أنه في حال وجود البنية التحتية والأدوات والبيئة الصحية لنشأة الموهوب أو المتميز فإننا سنشهد طفرة في العديد من التخصصات, ومعنى هذا أننا سنهتم بالكشف عن الموهبة وأيضا صناعتها.

لذلك بدأت الدول خطواتها الفعلية لرعاية الموهوبين من خلال توفير بيئة حاضنة للمواهب والابتكارات
وتقديم الدعم اللازم لهم؛ لرعايتهم وتنمية ما لديهم من أفكار من خلال مشاريع؛ لاكتشاف الموهوبين في المجتمع في المجالين الأكاديمي،والعلمي بهدف اكتشاف وصقل قدرات الأطفال والشباب النابغين في جميع التخصصات ,وإزالة العائق الأكبر الذي كان دوما يقف أمامهم، ويحول دون تحقيق الكثير من الاختراعات، وهو الافتقار لمن يحتضن أفكارهم، وينميها حتى يساهموا في تقدم وبناء الدول بإمكانات قائمة على استغلال التكنولوجيا والإبداع لتعظيم الاستفادة من طاقات الشباب في تطوير المشروعات وحل المشكلات المجتمعية مع تدعيم المؤسسات التي لها دور كبير في تهذيب وتعليم النشء فضلا عن أنه تربطها علاقة وثيقة تكاملية مع مشروع رعاية الموهوبين والمبتكرين ؛ حيث يقع على عاتقها عملية اكتشاف الموهبة وتنميتها ثم التأهيل الجيد لها حتى تخرج ما في داخلها من أفكار وتكشف مواهبها.

ومن هنا فإن البداية الحقيقية لاكتشاف مواهب الطفل تبدأ عادة من الرعاية الأولى في الطفولة المبكرة والمرحلة الابتدائية ,هذه البداية التي تمهد لاكتشاف ميول الطفل نحو موهبة من المواهب التي يجب أن تظهر على السطح حتى يتم تنميتها ورعايتها وتشجيع الطفل على ممارسة الأساليب والطرائق التي تمكنه الاستفادة من تلك الموهبة التي تبدأ صغيرة في العادة , ولكنها تكبر وتضخم مع مرور الوقت.

والكشف عن مواهب الأطفال دون ادنى شك رؤية مستقبلية يمكن أن ترسم للطفل , وبإمكانه الاستفادة منها منذ الصغر فمن شب على شيء شاب عليه , فإذا شب الطفل على ممارسة هواية مفيدة نمت موهبته ومن ثم فإنه سوف يشب عليها، بتنميتها واستثمارها في مستقبل الأيام وهذه حقيقة ينصح علماء النفس والاجتماع الأخذ بها وتطبيقها.

أخيراً .. إن التنافس المقبل بين دول العالم سوف يتسم بالصبغة العلمية والبيانية والتكنولوجية؛ لذا إن الأحرى توجيه الطلاب في المدارس وأيضا في الجامعات الى المسارات الواعدة والطفرة القادمة كي تصبح مصانع للمستقبل؛ فنحن في سباق مع الزمن، مما يجعل التعليم النظامي بيئة محدودة غير كافية لمواكبة ركب التقدم والثورة التكنولوجية والمعلوماتية فعلينا اذاً توفير الوقت والعمل على الأطفال لاكتشاف مواهبهم المبكرة وإدماجهم في برامج إثرائية كل حسب موهبته، وتجهيز مواقع ومراكز لاستقبال الطلاب والتركيز القوي على تنمية الموهبة بشكل مقنن فاعل.

ومن هنا فإن رعاية البذرة الأولى هي التي تضمن التطور المستقبلي، الذي ننشده جميعا كي يكون لدينا جيل من المبدعين ذوي المواهب المختلفة لنهضة وتقدم الامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى