أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

الشاورما لـم تـنـضـج بـعـد !!..

يـوسـف الـبـادي

فـنان تشكـيـلي وكاتـب

 

الشاورما لـم تـنـضـج بـعـد !!..

 

وصديقي يجلس منتظرا نضجها..

و”المعلم” كان يطلب منه الانتظار ويعده بسندويشة خاصة على أن يتمهل حتى “تستوي الشاورما على نار هاديه” .. وأضاف أنها يجب أن تتـشرب البهارات قبل تقريبها من النار .. لكن صديقي استمر إلحاحـه أكثر .. و”المعلم” تهـجّى له حروف العبارة “أ.ت.ر.ك … ا.ل.ن.ا.ر …  ل.ت.ح.م.ى”.

صديقي ذو مزاج خاص .. فهو يتحول لطفل صغير عندما يريد شيئاً ، فلو سمعتموه حينها ستتصورون أنه سيموت جوعاً إذا لم يأكل شاورما وأن مطعماً واحداً هو الذي يصنعها.

على أية حال …

لأجل عيونه فقط .. “المعلم” يحاول أن يسرع في إنضاجها .. وصديقي ينتظر .. والشاورما لم تنضج بعد.

صديقي كان في نيته أن يتناول عشاءً خفيفاً ليلتها ، فهو سيسهر للبَدْء في رسم لوحة اتفق معه “أحدهم” أن يقوم برسمها مقابل مبلغ مادي.

وشاءت الأقدار .. أن يتصل به تلك الليلة يستعجله في تنفيذها ، لينهيها بعد ثلاثة أيام ؛ صديقي طلب منه أن لا يتعجل ، فاللوحة كلما أخذت وقتها جاءت بمستوىً أفضل ، فالألوان مثلاً لو أخذت حقها في فترة وجودها على اللوحة قبل وضع لون فوق لون ستتشربها اللوحة وهذا يزيد من بقائه ونقائه .. لكن “أحدهم” أخبره بأن الأمر لا يحتمل التأخير .. وأنه يحتاجها بسرعة ، و صديقي حاول أن يكون صريحا معه وأخبره و”بصراحة ” أن الألوان أصبحت غالية الثمن والمبلغ الذي حصل عليه لم يكفِ لشراء معدات الرسم ، وصار يعتقد بأنه سيتقاضى ثمن أدوات اللوحة فقط وليس على تعبه فيها.

أخبره صاحب اللوحة أنك وافقت على الشروط منذ البداية ، وهذا ليس وقت لمثل هذا الحديث فهو لم يذكر ذلك سابقاً.

صديقي يبدو عليه أنه مغلوب على أمره؛ فهو دائماً يُحَدِّث نفسه بأن يقول حتى لو خسرت أو دفعت لعملي .. قد يكون هو دعاية لي ثم أفرض شروطي بعد شهرتي ، وأحيانا يعتقد بأن من يشترون اللوحات منه هم بمستواه المالي أيضاً .. لا يعلم صديقي أن الكثيرين ممن يرسم لهم لوحات فنية رائعة .. يشترون لوحات لأرقام السيارات بأرقام خيالية.

على كل حال …

“أحدهم” رد عليه معانداً “لا .. أكثر من اللي عطيتك إياه ما بعطيك” ، وكان هو كالبعض الذين يعتقدون أن عملية الرسم عملية تلطيخ بألوان ، بالآلة التي أمامها (الفنان) .. وانتهى الأمر بأن الأخير “ركب رأسه” .. وأخبره أن اللوحة يجب أن تكون جاهزة خلال الأيام الثلاثة القادمة ، لأنه سيفتتح منزله، وأنها ستكون من مكملات الديكور الأساسية .. فحوض السمك لابد أن تكون بالقرب منه لوحة سمك أيضا ، وكانت هذه من توصيات “المدام” .. و أنهى مكالمته بقوله “شد حيلك”.

صديقي هذا لم يكن يتعامل مع اللوحة كجماد يرسم عليه أشكالاً ترافقها ألوان ، فهو يحاول خلق روح ٍ جديدةٍ فيها وذات طابع ٍ مختلف ، حتى لو كان سيبيعها ، وكانت فترة تفكيره بها أكثر من فترة تنفيذه لها ، وهذا تصور صحيح عند العمل في اللوحة وليوناردو دافنشي يقول “تعمل العبقريات قليلا وتفكر كثيرا”.

شرع العمل مع لوحته ، وصار يستجلب الأفكار بسرعة ، فالمطلوب فيها أسماك متميزة ، وبرواز زخرفي يرتبط بلون الأسماك .. لم يهتم حينها بالزخرفة بربطها بالموضوع ، فاستجلب زخرفة من كتاب واختارها لتكون في اللوحة ، وأنا متأكد أنه لو رسم مثل هذه اللوحة على مهل لرسم زخرفة مختلفة قد يجرد فيها شكل السمك ، ولكن الوقت كان ضيقاً لأن يقوم بهذا ، وبدأ في رسم الزخارف واكمل رسمها بالرصاص .. اليوم الثاني .. طفق يُلَوِّن القطع الزخرفية ليكملها بسرعة ، حاول ذلك جاهداً ، مع وجود شيطان الفن الذي كان يدعوه دائماً إلّا يكون دقيقا كعادته في رسم زخارفه .. وكان الشيطان ذو كيد عظيم.

انتهى من الزخرفة وبدأ في رسم الأسماك ، بدأ في تلوين خلفية اللوحة ، لكن اللون لم يجف بسرعة والوقت يداهمه ، واللون يفضل أن تتشربه اللوحة ويجف بدون مؤثرات .. الشيطان وسوس له بأن “شسوار الشعر” بالحرارة التي تصدر منه .. يمكن أن يقوم بعملية التجفيف فيكسب الوقت .. واستجاب صديقي لذلك.

ألوان وإيحاء مختلف .. حركات ومؤثرات ملفته وملموسة .. وأكثر من ذلك كاااااااااااااااانت في ذهن صديقي قبل ذلك .. لكنها ظلت في ذهنه وحسب ، وفي اليوم الثالث وجد أن الوقت يحاصره ، فعليه أن يسرع أكثر ، فأخذ يرسم أسماكاً في حوض محاط بالزخارف .. لم يرسم شيئا متميزا .. فهي كأسماك ميتة في سوق سمك ، ماعدا أنها تبدو أكثر تنظيما وهي مرسومة في شكل حوض للسمك .. وحاول أن يعطيها حياة أكثر ويضع فيها مزيداً من المؤثرات اللونية .. لكن الوقت لم يسمح له أكثر مما فعله .. فـ”أحدهم” على الباب قادم ليأخذ لوحته .. وصديقي ليس مقتنعا بها ولكنه تمنى أن لا يلاحظ التجاوزات التي فيها ، و”المدام” كانت حاضرة عند الاستلام .. و وقفت كثيراً تنظر الى اللوحة ، وصديقي يتمنى أن يكون صمتها نتاج رأي إيجابي فيها .. لكنها لم تحز على إعجابهما كثيراً .. وذهبا بلوحة أسماك لم يلتقِ الاتقان والفن بحقيقته فـيها.

استرجع صديقي حينها قصته مع “معلم الشاورما” الذي لم يجد حلًّا لإرضائه إلّا أن يزيد لهيب النار أكثر ، وبعدها بخمس دقائق نضجت الشاورما .. وجهز المعلم السندويشة الأولى وقدمها له .. فتحها بسرعة .. ووجد أنها مالحة على غير العادة ، وأن اللحم محروق ايضاً وشعر أنه السبب في هذا الحرق .. فتغاضى عنه .. وتذكر غضبه على “المعلم” قائلا إنه بعد هذا الانتظار تخرج “الشاورما مالحة !!!” ، .. أخبره المعلم أن ذلك من اختياره .. فهو الذي أراد السندويشة الأولى بسرعة .. والأولى في العادة تكون مالحة.

هكذا هي الدنيا يا صديقي .. الشاورما التي تأتي بسرعه .. لا تخرج إلا مالحة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى