أصــداء منوعةقصص ، روايات

جريمة على شاطى العشاق .. الفصل السابع عشر ..

فـايـل الـمـطـاعـنـي

قـاص وكـاتـب

 

جريمة على شاطى العشاق .. الفصل السابع عشر ..

 

هذا الفصل والفصول التي تليه سوف نكون مع وقفات سريعة للأحداث وخلال هذه الوقفات نستشعر مع أبطال هذه القصة مشاعرهم ، وأيضا نكون مع العميد حمد وفريقه الجنائي في آخر مستجدات جريمة مقتل الصيرفي عبدالعزيز ، لذلك سميت تلك الوقفات : محطات ..

المحطة الأولى : الذكريات..

جلست السيدة صالحة على الكرسي الخشبي المزين بالنقوش المملوكية المصرية الذي دائما تجلس عليه كلما فاضت بها الذكريات وأغمضت عينيها، وهي تستمع إلى أغنية مطرب الجبل وديع الصافي*
الليل يا ليلى يعاتبني
ويقول لي سلم على ليلي

وذهبت بعيداً إلى الروشة وإلى وادي البقاع وزحلة وكل المدن اللبنانية التي لها فيها ذكريات، وتذكرت حبيبها غازي وهما مغادران من الشوف بالجنوب باتجاه بيروت العاصمة وكروم العنب والتفاح التي كانوا يأكلون منها كلما داهمهم الجوع.

وتذكرت شارع الحمراء وزحلة والروشة الذي يظل إلى صباح اليوم التالي وحالة السعادة من غناء ورقص وحياة جميلة، ورغيدة، وبدأ المطر الأسود يهطل من عينيها، وهي تتذكر حبيبها الذي رحل ولم يودعها، واقتربت قليلآ من الماضي عندما أخرجت هوية قديمة عليها صورتها ومكتوب تحت الصورة :
الاسم : ليلى عزالدين
المولد : الجنوب – الشوف
البلد : لبنان
وقالت هامسة لنفسها واحد وثلاثون عامآ وأنا لم أذهب إلى لبنان؛ جئت إلى هنا باحثة عنك لم يردعني أنني أدخل بلدآ لا أعرف عنه شيئاً، فقط كان دافعي أكبر وأقوى ألا وهو البحث عنك، ولأنني صيدلانية اشتغلت بتخصصي ونجحت؛ تخيل أنني لم أنساك، كنت أرقبك واحداً وثلاثين عاما وأنا أقترب منك دون أن تشعر بي، حتى أنني أصبحت أعرف عنك كل صغيرة وكبيرة، لقد نسيت أنني لبنانية، أصبحت لدي حياة جديدة، ورغم ذلك لم أنساك، اقتربت منك أكثر وأكثر، وبعض الأحيان غدوت على مرمى حجر منك؛ ألم تتذكرني عندما شاهدتني في سوق مطرح*؟، وعندما رأيتك توقفت ذهلت، خفت أن تعرفني يبدو أن ذاكرتك ضعيفة حقاً، لم تتذكر ملامحي صحيح ؟ غزا شعري الشيب ولكن ملامحي لا زالت مثل ما هي، وأتت بمرآة كانت أمامها وأخذت تشاهد وجهها وهي تقول :
ياله من حب؛ ذلك الحب الذي أحمله في أحشائي، إنه حبك، وهذا الحب أصبحت أكرهه، وضغطت على أصابعها وبكت بصمت وهي تقول : لقد دمرني ذلك الحب.
نزعت جلدي ولبست جلداً آخر مثل الحرباء فقط لكي أصل إليك، وفي يوم ما لمحت عبدالعزيز، وهو يترجل من سيارته؛ وعلمت أنه اشتري بيتاً في حينا، لذلك أصبحت أنتظر الفرصة لكي أتحدث معه !! نعم لقد اتخذت قراراً بأن اأجلب السعادة إلى ابنتي ولو كلفني ذلك حياتي؛ فلا أريد لابنتي ان تشقى مثلي، وذهبت لكي أقنع عبدالعزيز بالعودة إلى ابنتي، فأعطيت ابنتي منوماً خفيفاً كي لا تنهض وتلاحظ غيابي، قلت يكفي لمدة ساعة من الزمن وأرجع،
وهنا ضربت مقبض الكرسي الخشبي بيدها وقالت : يا ليتني لم أذهب.

★★★★★

المحطة الثانية : لـيـلـى..

أدار الدكتور غازي مفتاح سيارته متجهاً ناحية سوق مطرح فهو يحب ذلك السوق فيه رائحة الماضي، فصارت تربطه علاقة حميمة بسوق مطرح، صار صديقاً له، دخل السوق وقبل أن يدخل في رواق محلات الذهب، ماراً عبر الطرقات الضيقة التي تميز سوق مطرح* شاهدها هناك واقفة تنظر إلى محل من محلات الذهب، وقف فجأة الدكتور غازي وقد صدمته المفاجأة؛ وقال بهمس : هذه ليلى !!
نعم هي ليلى، وأخذ العرق ورطوبة مطرح تشكلان أودية على وجه الدكتور الوسيم رغم الشعر الابيض، وكان يحدث نفسه تارة، وتارة يتلفت يميناً وشمالاً وينظر هل يعرفه أحد في هذا المكان، واستمر بالحديث إلى نفسه : نعم إنها ليلى، هي حبيبتي؛ صحيح قد كبرت ولكنها هي.
إنني أعرفها من نظراتها، من تقاسيم وجهها الذي يحار الشعراء في وصفه، وشعرها الطويل ولونه الذي يشبه عتمة الليل ، نعم انها هي ليلى!!.

إنني أسمع صوتها وهي تنادي ابنتها، ويدها تلك لطالما مسكتها ونحن في شوارع بيروت وأقول لها مازحاً : أمسك يدك كي لا تهربي مني، وأشدد بقولي : إياك وأن تهربي مني.

وهنا توقف عن المشي، وأشاح بنظره عن حبيبته وهرب ناحية سيارته، وهو يتمتم : هي لم تهرب أنا الذي هربت، وظلت كلماتها تلاحقني وهي تقول لي : لقد هربت مني ولكن لن تهرب من طفلك ستظل لعنته ولعنتي تلاحقك، وأخذ يبكي وهو يغلق نافذة سيارته المعتمة.

★★★★★

عـودة الـهـارب..

رن الهاتف في مكتب العميد حمد وكان معه المقدم سالم فسمع العميد حمد يقول: حسنا فعلتم؛ إنه خبر جيد نحن في انتظاره؛ على أحر من الجمر.
نظر إليه المقدم سالم الذي قال متسائلاً : سيدي من تنتظر بهذه اللهفة؟!!.
العميد حمد ضاحكاً : من لديه بعض الأسرار إذا لم تكن كلها؛ إنه العامل الهارب شفيق عرب.
وكان النقيب محمد والنقيب منى يدخلان المكتب فسمعا حديث العميد عن العامل الهارب، وحينها قال النقيب محمد : سيدي التقرير الذي طلبته.

 

هـوامـش :
– سوق مطرح : من أشهر الأسواق التقليدية في سلطنة عمان يقع في ولاية مطرح إحدى ولايات محافظة مسقط.

– وديع الصافي : مطرب لبناني شهير.

يـتـبـع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى