بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الوطن يُبنى بسواعد أبنائه .. الأمل يعود للبنان..

المستشار/ عبد العزيز بدر القطان

كاتـب ومـفـكـر – الكــويـت

 

الوطن يُبنى بسواعد أبنائه .. الأمل يعود للبنان..

 

في خبر قد يكون بارقة أمل جديد لبلد أنهكه وضعه الاقتصادي، والتجاذبات السياسية والمشاكل التي ما إن تنتهي واحدة حتى تبرز أخرى، فقد ذكر بيان للسفارة الفرنسية أن فرنسا والمملكة العربية السعودية أعلنتا عن صندوق تنمية مشترك للبنان الذي يعاني من أزمة، وتعهدتا بتقديم 30 مليون دولار مبدئياً لدعم الأمن الغذائي والقطاع الصحي في لبنان.

لبنان الأرز، والمحبة والشعب الطيب، الأصيل، الذي جمعتني فيه صداقات كثيرة، إن كان داخله أو خارجه وحتى في بلدي الكويت، وكنت من أوائل من قال إن الأزمة الأخيرة مع دول الخليج ستكون أزمة عابرة وسحابة صيف، فها هي بلدي الكويت التي عودتنا دائماً على اتباع نهج الحق، كانت من أوائل الدول التي أعادت فتح سفارتها في عاصمة الشرق باريس، عاصمة كانت مقصد كل العرب وحتى الأجانب لجمالها، لكن هناك من عبث بها وحاول تخريبها، لصالح مَن؟ ولأجل مَن؟ لكن وكما نعلم أن لبنان بلد التعايش رغم كل الظروف التي مرّ ويمرّ بها نفض عبار كل المشاكل لنقل على الصعيد الشعبي، وحاول النهوض من تحت الركام.

لبنان بحسب تقسيماته السياسية، يوالي عدة دول إقليمية ودولية، ودفع ثمناً باهظاً جراء ذلك، رغم أن ذلك أمر ليس بإرادته، لأنه أُريد له أن يكون ويبقى هكذا، هذا الثمن كان غالياً على هذا الشعب الذي عانى حرباً أهلية صعبة للغاية في سبعينيات القرن الماضي، وعانى حروباً مع الكيان الصهيوني مرات كثيرة، ونأى بنفسه في العقد الأخير، لكن أياً من ذلك لم ينهي أزماته المستمرة، وهنا الجدير بالذكر، أنّي لا أحمّل الشعب اللبناني أي شيء، إنما الطبقة السياسية التي عصفت بلبنان وشعبه، فهناك بعض الساسة يجعلون من علم الحليف بديلاً للعلم الوطني، ما يُعطي صورة إلى أي درجة يعاني هذا البلد، وأما الأزمة الأخيرة مع دول الخليج، نحن كشعب خليجي من المؤكد أننا وقفنا مع الشعب اللبناني، لكن لحكومات بلادنا آراء بعيدة عن الشق الإنساني رغم أنه لسنوات كثيرة كانت دول الخليج مانحة ومغدقة على لبنان.

وبينما أكتب مقالي هذا، تتعرض سوريا الحبيبة لعدوان صهيوني غاشم، هذا سبب إضافي يؤكد لما لا يُراد لهذه المنطقة أن تنعم بنعمة الأمن والأمان وأن تكون دولاً قوية اقتصادياً، فكلما زاد ضعفها، كلما ازدادت سطوة الكيان الصهيوني، وهذا يأخذنا إلى التطبيع مع هذا الكيان الأرعن، والتفكير قليلاً باختراع المسمّى (اتفاقيات سلام) فأين هو هذا السلام المفقود؟ وهل حقق تطبيع الدول العربية والخليجية السلام للبنان وسوريا وفلسطين؟ ما يعني أن هذا الشعار عبارة عن خدعة، بالمحصلة لا يوجد دولة في العالم تتحالف مع دولة أخرى إن لم تتقاطع المصالح، لكن بحسبة بسيطة، وعن لبنان تحديداً، وبصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن تدمير مرفأ بيروت، لكن ألا يجعلنا ذلك نفكر أن ميناء حيفا وإنعاشه يحتاج تدمير مرافئ الدول المجاورة، فقد أغار الكيان الصهيوني مرتين على مرفأ اللاذقية التجاري، ما يعني أن هذا المخطط اقتصادي بحت، ومكوث القوات الأمريكية في الشرق السوري، في مناطق الآبار النفطية وسلة سوريا الغذائية يؤكد صوابية ما نرمي إليه، بالتالي، ليس فقط تلك البلدان هي من تتعرض للضغط، بل أيضاً دول الخليج نفسها، وهذا ليس سراً، لكن أن نعيد التفكير مرة ثانية هو الأمر الأهم، فالخطوة التي قدمتها المملكة العربية السعودية هي خطوة نبيلة حتى وإن كانت مشتركة مع فرنسا التي لي مآخذ على سياساتها بما يتعلق بالدول العربية، إلا أن هذه المبادرة هي فرصة جديدة حقاً للبنان وبارقة أمل بكل ما للكلمة من معنى.

وفي تفاصيل المبادرة السعودية – الفرنسية، قال البيان إن الأموال ستوجه إلى مشاريع إنسانية لتقديم مساعدات طارئة، بما في ذلك الغذاء، للفئات السكانية الأكثر ضعفاً في لبنان، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية ودعم المستشفى العام الرئيسي في مدينة طرابلس الفقيرة بشمال البلاد، وتأتي تلك المبادرة في أعقاب عودة سفير المملكة العربية السعودية إلى لبنان في وقت سابق من هذا الشهر بعد غياب دام خمسة أشهر أثاره خلاف دبلوماسي بين المملكة ولبنان بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران، وفقاً لوكالة “رويترز”، فقد كانت المملكة العربية السعودية في السابق مانحاً رئيسياً للبنان، حيث قدمت مساعدات مالية سخية لرعاة سياسيين ولجهود التنمية وإعادة الإعمار. لكن مسؤولين سعوديين قالوا إن المملكة لم تجد عائداً يذكر على تلك الاستثمارات مع انزلاق لبنان أكثر في فلك إيران المنافس الإقليمي، في حين أن فرنسا قادت جهود إنشاء الصندوق المشترك كجزء من حملة لإبقاء المملكة العربية السعودية على اتصال مع لبنان، حيث سيتم تقسيم الأموال الأولية مناصفة بين وكالة التنمية الفرنسية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في المملكة العربية السعودية، وقالت تغريدات على حساب وزارة الخارجية الفرنسية باللغة العربية إن الأموال ستستخدم أيضاً لتقديم مساعدات نقدية يستفيد منها حوالي 7500 شخص وحليب أطفال للأسر المحتاجة.

لكن ومنطقياً، وكما ذكرت آنفاً، المصالح تحكم في كل التحالفات، على سبيل المثال، التواجد الروسي في سوريا، أمّن لها مكاناً دائماً في مياه البحر الأبيض المتوسط، وهذا استراتيجياً أمر مهم جداً لها، كذلك التواجد الإيراني له حساباته، تماماً مثل العراق، وبالطبع لبنان، فلماذا لا يكون للخليج مصالحه التي يريد أيضاً المحافظة عليها، وهنا لا بد من ذكر أن المشاريع الخليجية كانت واعدة في لبنان، ولا يعني أن حدثت خلافات وقطيعة إلغاء دورهم الإيجابي للمنطقة، فلا مانع من العودة عن الخطأ، وتصحيح المسار كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة، وستفعل ذلك المملكة العربية السعودية، وهذا حق لكل بلد، لكن بالطبع لا يحدث ذلك إلا بتوافق الأفرقاء جميعاً، الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد كالسابق، ورأينا جميعاً كيف رفضت دول الخليج العروض الأمريكية فيما يتعلق بالطاقة لإلغاء الهيمنة الروسية على هذا السوق في أوروبا، بالتالي، هناك فعلاً حركة تصحيحية للسياسات الخارجية، بعد اكتشاف أن لا تحالفات موثوقة مع الغرب، إلا بما تقتضي المصالح، فاللغة الخشبية التي نعرف حول التعاطي لبعض الأفرقاء في لبنان عن الوجود الخليجي أصبح مزعجاً، فكما لهم تحالفاتهم هناك جهات أخرى ترى فيهم منقذ لبنان من أزمته، وترى فيهم الأشقاء الذين يأتون ويلبون في المواقف الحرجة، وكل من ينسف ذلك، لا يهمه لبنان أو شعبه بشيء، ولا أتكلم هنا من زاوية خليجية ولكوني خليجي، بل أتكلم باندفاع العربي الغيور على بلاد أمته من المحيط إلى الخليج.

أخيراً، إن مصلحة لبنان اليوم تقتضي التوقف عن المهاترات والسجالات السياسية لعبور المركب، وهذا لن يحدث إن لم نتجاوز الخلافات والتخندق والتحزب لجهات مثلها مثل الجميع، تحكمها المصالح، ويجب ان يفتح لبنان يديه للجميع ليعود إلى سابق عهده، كما عرفناه دائماً، لكن أن يقف البعض حجر عثرة يعني أنه يدق مسمار نعشه بيديه، لأن الشعوب ضاقت ذرعاً بالخطابات والشعارات التي لم تحقق الاكتفاء الذاتي لهذا الشعب أو تحقق أدنى متطلبات العيش الكريم، فلا يحق لأحد إطلاق شعارات دون تنفيذ، وإلا لبنان لن ينهض من كبوته التي سببها الرئيس الخلافات السياسية المستمرة داخل أراضيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى