أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

أطفالنا .. والازدواجية في التربية !!..

الدكتور/ محمد بن ناصر الصوافي

 

أطفالنا .. والازدواجية في التربية !!..

 

الموقف الأول: يسمح بعض الآباء لأطفالهم بالتلفظ ببعض الكلمات النابئة والقبيحة أمامهم، بل يضحكان أثناء تلفظ أطفالهم بهذه الكلمات، بينما ينهرانهم ويوبخانهم عندما يتلفظون بالعبارات نفسها أمام الضيوف والزوار.

الموقف الثاني: تنصح الأم طفلها بالصدق في الأقوال وتجنب الكذب، بينما يأمر الأب الطفل نفسه بأن يخبر طارق الباب أو المتصل عبر الهاتف بأن الأب غير موجود في المنزل.

الموقف الثالث: عندما يضرب الطفل أخاه حين يأخذ لعبته يقوم الوالدان بزجره وعقابه؛ لأنه أخطأ التصرف مع أخيه، بينما يثني الوالدان عليه عندما يضرب طفلًا آخر أخذ منه لعبته؛ لأنه أخذ حقه ولم يكن ضعيفًا.

يسمى هذا الأسلوب الوارد في المواقف السابقة: “أسلوب التذبذب في المعاملة” أو “الازدواجية في التربية” ويعرف بأنه: تأرجح أو اختلاف بين الوالدين تجاه بعض سلوكيات الطفل، أو اختلاف معاملتهما له في المواقف المتشابهة، أو اختلاف معاملة أحدهما له عن الآخر في الموقف ذاته.

فلا شيء أشد على عقلية الطفل من أن يأمره أحدٌ بفعلٍ معين بينما يرشده شخص آخر بنقيض ذلك الفعل، وهو أشد تأثيرًا وأثرًا إذا كان من يُوقِعُهُ في هذا التناقض والديه.

فمن أخطر ما يواجه الطفل منذ نعومة أظفاره ملاحظة أو إدراك تناقض وتذبذب في المعاملة وفي تعليم المبادئ والسلوكيات، فتارة يعاقب على سلوك معين من طرف، بينما يثاب على السلوك نفسه من الطرف الآخر.

ومن الأمثلة أيضًا: الاختلاف في الأسلوب بين تربية الوالدين وتربية الجد والجدة، وفي أسلوب التربية بين الوالدين والمربيات.

وفي تجربة قام بها “روس وبارك” (Park & Ross) على عينة من أطفال الروضة بعد دراستها لأثر عدة متغيرات في العقاب، خلصت أن تأثير العقاب يعتمد على التناغم في تطبيقه، فالأطفال يصبحون أكثر عدوانية وتمردًا عندما يسمح بالسلوك مرة ويرفض مرة أخرى، وأن التذبذب في المعاملة أكثر وضوحًا لدى آباء الأطفال المنحرفين، سواء أكان التذبذب في مواقف مختلفة أم بين الوالدين في المعاملة؛ فالتناغم ضروري لإعطاء الطفل خطابًا واضحًا عن السلوك المقبول أو المرفوض.

ما الآثار السلبية الناتجة عن استخدام أسلوب التذبذب في المعاملة؟

إن اتباع أسلوب التذبذب في المعاملة الوالدية غالباً ما يترتب عليه شخصية ازدواجية منقسمة على نفسها، وهي موجودة في حياتنا اليومية ونصادفها كثيرًا، إذ إن الطفل الذي يعاني من التذبذب في المعاملة غالبًا ما يكبر مزدوج الشخصية في تعامله مع الناس، فمن شروط الاستقرار النفسي لدى الابن ثبات الأساليب التي يعامل بها الوالدان الابن، فمن اتحاد الوالدين يتعلم الأبناء معنى التضامن، وقد وجد الباحث “نويل” (Nowil) أن بعض الأمهات يعاقبن الطفل إذا وجه عدوانه نحو محتويات المنزل، في حين يتساهلن إذا وجهه إلى أشقائه، وهذا التناقض بعينه.

إن هذا الأسلوب يعد من أخطر الأساليب في معاملة الطفل، فالتأرجح بين الثواب والعقاب وبين اللين والقسوة قد يجعل الطفل في حيرة وقلق مستمر، كما يجد صعوبة في تميز الصواب من الخطأ، كما ينشأ الطفل مترددًا لا يستطيع حسم الأمور، وقد يصل هذا الأسلوب به إلى عدم التعبير الصريح عن رأيه ومشاعره، ومن الآثار الأخرى: سوء التكيف والصراع، والعنف مع الآخرين، والسلوك الاتكالي، والعدوانية وعدم المسؤولية تجاه تصرفاته، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين.

وفي الختام نتذكر قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ  كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى