أصــداء منوعةقصص ، روايات

رواية وادي الرمال .. الحلقة (35)..

حـمــد الـنـاصــري

كـاتـب و قـاص

 

رواية وادي الرمال .. الحلقة (35)..

 

انْتَشَر خبر وفاة سدّاح بن عون إنتشار الجراد في المحاصيل، وتناقله الناس في مجالسهم العامة والخاصة باهتمام شديد.

قال الرجل الذي نقل خبر موت سَداح:

ـ لقد عاجله الموت بقسوة لعلّه موت الجحيم.

قال شخص آخر كان إلى جانبه:

ـ اسكت يا رجل، لا يزال الوريث عدّار لم يَمت.؛ هذه العائلة لا خير فيها غير الشر للناس والتهلكة.

قال رجل ذو شوارب مُقوّسة على لحيته:

ـ هذا الرجل شرّاني، أعرفه منذ سنين، سدّاح انتقم من أبيه فأقصاهُ بعيداً وعزله، وهذا عدّار يقتل أباه، عائلة تقتل بعضها.

وخذوا الحقيقة فإذا لم يُشارك في دفنه أحد غير عدّار، فتأكدوا أنّ الرجل مَغدور به. وعدّار قاتل أبيه.

ساد صمت بينهم.. فجأة صوت يتعالى لرجل قادمٍ:

ـ اسْمعوا، عدّار قتل أباهُ ودفنه بنفسه مع بعض المُقربين فقط، ولم يُسمح لاحد بالمشاركة في دفنه.

قال الرجل ذو الشوارب المقوّسة:

ـ ألم أقل لكم قبل قليل، أنّ الإبن سَدح قتل أباهُ، كما قتل الجدّ عدّار أباه من قَبْل.؛ فالظُلم، يرتدّ لفاعله.

الظُلم مَهلكة للنفس، يستطيع الرجل أن يَمتلك ما يشاء، إلا الإطمئنان لن يَملكه، طالما طُغيان النفس السيئة يُقلقه.

قال رجل مهووس بالتفلسف الكلامي:

وفي الزمن الغابر اعتدى أخاً على أخيه فقتله، سفك دمهُ ظُلماً وعُدواناً.؛ وتاريخهما ليس بقريب ولكنه منذ غابر الأزمان، قرأت الكثير، وفهمت بأنّ الظُلم، لا يحمل غير معنىً واحداً، وقد خاب من حملَ ظُلماً.؛ والحقيقة أنه يعود عليك، شئت أم أبيت.؛ وإني ناصح أمين، لا تحمل الظُلم إلى النهاية فتخيب وتخسر.

سكت بُرهة.. ثم أكمل:

ـ أنا سمعت، أنّ كائنات الوادي أرادت التخلّص من الكائنات البشرية الاشدّ عداءً على رمال الوادي، وعندما اسْتبدّ “عون” أمرت الكائنات ولده عدّار فغدر به وقتله وها هي تُعيد الكرة مرة أخرى فتأذنَ لعدّار بقتل أبيه سَدح.

هزّ رأسه وأردف :

ـ ماذا تنتظر من نَسْل يقتل بعضه، فـ عدّار سوف يُقْتل على يد من يأتي بعده وسيَغدر به أقرب الناس إليه.

إنها عائلة شقيّة.. فريدة في شقاوتها، مُختلفة في طريقة التخلّص من بعضها.

انتبهوا، كل الذين ماتوا من عائلة السدّاح إمّا مغدوراً به أو مقتولاً بفجيعة لكأنّ لعنةً أصابتهم أو غضب من السماء حلّ بهم.؛ إنه الظُلم ايها الرجال.

قال الرجل الذي جاء بالخبر:

ـ عائلة لا يُعْرف عنها شيئاً، أكثرهم يقولون، أنها عائلة هاربة، فماذا تنتظر من الهارب.؟ تلك هي وسيلته ليبقى ويعيش.

عائلةٌ في داخلهم سَريرة باطلة وفي عقولهم عقيدة خطيرة وأفكارهم يُخْشَى منها.؛ عائلة تبتكر الفواجع ترهيباً وتخويفاً.؛ فإنْ لم يَفعلها هُو، فسوف يَلقى نفس المصير، وستكون طريقة حتفه، الموت غدراً أو قتلاً.

قال أبو الشوارب المقوسة هامساً:

ـ بما إنك جئتنا بالخبر اليقين، قل لي كيف هرب عَدّار من قرية الوادي؟ ولماذا دفن أباهُ وبمعيّة من.؟

قال الرجل الذي حمل خبر موت سدح:

ـ قبل أنْ نعرف لماذا هرب؟ وكيف قُتِل.؟ ولماذا هذه القَتْلة.؟ أو من هو القاتل؟.

عليك أنْ تفهم أولاً، ماذا تعني إنْشاء قرية مُجاورة لقرية الوادي؟ ولماذا اختار قرية لا تَبعد كثيرا عن القرية المكينة.؟ ولماذا كان اهتمامه بالقرية الناشئة على ضِفاف الوادي؟.

قال رجل قصير القامة، عُرف بالشَكّاك:

ـ قُل بحقّ السماء، هل بوسع كبار رجال القريتين، أنْ يمنعوا إنشاء قرية على ضفاف واديهم.؟ وهل بالفِعل أنها تُشكّل خطراً على بقية القرى.؟ ولماذا سارع عدّار لتغيير تسمية الحيّ على ضفاف الوادي إلى القرية الناشئة ثم ما لبث أنْ عُدّلَت إلى حيّ عدّار؟. ثم أطلق عليها الجد الكبير بالقرية المعزولة أو كما جرتْ عليه ألسنة الناس، تسميتها بـ البلدة المعزولة؟.

التفت أبو الشوارب إلى الرجل الذي جاء بخبر موت سداح، وألْقى نظرة شاخصة، ثبّتها في عين الرجل الشكّاك، وقال:

ـ تُرى .. أليس لتلك الاغلاط التاريخية أغلاط جسيمة إذا ترسّخت؟ ولصالح من.؟ وبالتالي فإن تلك الاغلاط لا تقلّ عن اخطاءات تاريخية، تسير وفق منهجية العِلّة، نشأة وتطوراً بلا مرجعية وبلا جذور تاريخية؟ فمن أين؟ وكيف جاءت نشأتها؟.

فمثلاً، الحيّ الجديد أو البلدة المعزولة ، تمتدّ طولا كأرخبيل جاف، صَعب للغاية، تسود يابستها حرارة عالية ونسبة كبيرة من الرطوبة العالية، نظراً لوقوعها بين وادي طويل جاف في أعماقه وبين بحر كبير، له سواحل ضَحلة بطيئة الحركة.

قال الرجل المُتفلسف والذي جاء مع الذي حمل خبر موت سَدح:

ـ البلدة المعزولة يا ابن الخال، تبدو من الوهلة الأولى بلدة قاحلة مُقفرة بلا حياة.. وتبدو صحراءها كأنّ بها انحناءات مُتكسّرة، أشبه بمشية عجوزٍ على الرمال.

وتسود مُعظمها درجة حرارة عالية بطول يابسة الساحل وواجهة الساحل تبدو مُقفرة مالحة يَمتد قِفارها جنوباً إلى رمال جافة وإذا انْحَنت الرمال على بِضْعها، اصطدمتْ بخطوط جبلية صَلدة والبلدة المعزولة هي حيّ مِلحي صغير، فجدّهم عدّار الاول، أنشأها على شاكلة الوادي.

وإذا ما أمْعنت فيها النظر، لنْ تجدها أكثر من خاصرة رجل.؛ وذهب البعض إلى تقصّي النظر فيها، فزادتهُ مَثلمة الوصف الدقيق لحالة البلدة المعزولة، فعبّر فيها بوصْف دقيق جداً.. بأنها ـ أي البلدة ـ أشبه أو هيَ أقرب إلى عجيزة رجل طاعن لا يتدبّر أمرهُ، يتوضأ من بحر مفتوح.

قال رجل أشيب الراس قعد قُبالة، الرجل الذي حمل خبر موت سدح:

ـ ما أعرفه أنّ عدّار ومن معه، أصرّوا بإعادة رفع مُستوى الحيّ إلى إمارة، ليكون عدّار زعيماً الإمارة.

ومن ضِمْن بنود الاتفاق، جعل المُسمى مبدئياً على اسم عدّار، حتى يُتم البحث في تكوين اسم جديد للإمارة.

لكنّ عدّار خشيَ انتقاد المجُتمع له أو اختلاف الرجال على مُسمى الامارة، فسارع بالبحث عن مُسمى جديد، وبعد سَعي وبحث وتشاور مع المُقربين من رجاله، أعلنَ أنّ الاسم الجديد للإمارة الناشئة “إمارة الساحل”.

لكن الناس في البلدة الناشئة ، دأبوا على عادتهم وداوموا على مُلازمة الشيء، الذي اعتادوا عليه، وحمَل البعض خوفه من تصادم القرى المُتجاورة أو أنْ تحدث مُؤامرة خفيّة في مُجتمعاتها المُتفرقة وكان ظنّهم هو الذي دفعهم إلى تحقيق مُسمّى يجعلهم يفتخرون به، وإلصاق قريتهم إلى المُهادنة التي تمّت بين مُجتمعاتهم المُتفرقة.

لكنّ الرجال استقرّ رأيهم على مُسمى ثابت لبلدتهم الناشئة ولم يقنعهم قرار عدّار الجديد، ورأوا أنّ استقرار بلدتهم يكمن في ربطها بالماضي، فإمارة ساحل الهُدنة.؛ هو الاقرب لتحقيق الماضي الذي يربطهم بالقرى الجبلية العالقة في أعماق البحر الكبير.

لكن عدّار خالف الرأيين معاً وكان له موقف مُغاير، فقام بتعديل مُسمى الإمارة الجديدة، وجمع بين إمارة الهُدنة وإمارة الساحل، ليخرج بمسمى مَقبول ” إمارة ساحل الهُدنة.

وحين سُئل عدّار عن موقفه اتجاه تعديل مُسمى الحيّ إلى مُسميات انقلبتْ على بعضها ثمّ ما لبثتْ أنْ تحوّلتْ سريعاً إلى إمارة، إلى أنْ استقرّت إلى المُسمى الجديد، إمارة ساحل الهُدنة، قال:

ـ أنا لستُ مع الذين يُريدون عُلواً على قرية الساحل وكنتُ مع أؤلئك الذين يُريدون رفع مُستوى المُهادنة.

ليس تكبراً ولا غروراً، لكن أهل قرية البحر الطويل تعاظموا وتجبّروا وعاثوا فساداً في ساحل نشترك فيه جميعاً، وبَغوا علينا تسلّطاً بقوتهم، وكانت العاقبة أنْ وجدنا رجالاً يُريدون لأنفسهم صُنع مكانة لهم، فوافقتهم، وأنا على اقتناع تام، أنّ التغيير واجب.

ولكون الامارة هادنة على البحر الكبير، وهادنة على مائهِ العميق.؛ فإنّا ولا زُلنا نعتبر ساحل بلدتنا، امتداداً للبحر الكبير وبحر مَجن الطويل، ولا شكّ فنحن واقعين في امتداده الطويل، ونعترف بأنّ له ذِكْرى وجهود كبيرة وصلتْ بها ما لم يصل أحد في عصرها.

ولكن عليها ـ أي قرية مجن ـ أنْ تعترف بأنها اخطأتْ في حق نفسها وحقّ مُجتمعها، فتشتّتت وتفرّقت وانقسمت، ونحن من ضِمن ذلك التشتت والتمزّق الذي حدث في كتلتها الصمّاء.

ونحن لا زُلنا مع القائلين، أنّ لكل زمن رجال، وهذا زمننا، وعلينا أنْ نفعل ذلك بإطمئنان بأنّ التغيير لازم وواجب.

تحمحم قليلاً ثم واصل:

وما نُؤكدهُ بأنّ البلدة على رأس مَدخل البحر العميق، ونتداخل معاً فوق رمال واسعة، زدْ على ذلك، فنحن شُركاؤهم في المدخل العَميق.

وهذه رسالتي إليهم، لا يجب أنْ تُحرَم رمال ساحل الهُدنة من ذلك الامتداد، والقرية واقعة قُبالة البحر الكبير، ذلك أمْر يستحيل إنكاره.

إذنْ فنحن نشترك معاً في امتداد ساحل مَجن؛ ولا يجوز في كل الاحوال أنْ تُحرم القرية التي أنشأناها من ذلك الموقع الهام؛

ونحن مع مطالب رجالنا ونمدّهم بقوة وبنُصرة وعزم، وسواءً قالو أننا نُفكّر بوضوح أو بغموض ، لكنّا نُعلنها على الملأ بأنْ رغبتنا في مُشاركتهم مدخل البحر العميق والقرى على مدّ الساحل ، لا تتوقّف حتى لو اضطررنا للتدخل في العُمق لخلخلة بُنية علاقاتهم.

أهدافنا واضحة وقطعنا وقت طويل ، لكي نُؤثر بخلخلة في علاقاتهم ببعضهم ، نحن ملتزمين بتحقيق اهدافنا وغايتنا التشارك والتقاسم براَ وبحراً.

وأتذكّر ذلك اليوم، حين وقف مرفوع الراس وقال للذين اجتمعوا به:

ـ انظروا، كان تفكيري بعيد المَدى، وهو الامر الذي سوف يجعلكم شُركاء تَتقاسمون، موج البحر الطويل.

قال رجل من رجال عدّار لكنه مُنْدَس بينهم:

ـ البلدة على شاكلة قرية مجن ، والشاكلة كما تُعرف ، بأنها جُزء من الجسد لا تنفصل عنه، والبحر العميق مسجور في عُمق البحر العميق ، والبحر العميق يُرى من البلدة المعزولة التي أنشأها عدّار .. فماذا لو غضب عدّار انطلاقاً من البحر المسجور وأغرق بلدتكم ومن فيها عن بكرة أبيها.

هدوء ساد المكان .. لحظات من التأمّل اخترقتْ حديث الناس، كقوة دافعة لمواصلة
الحديث، قال أبو الشوارب المقوسة سراً للرجل المُندس:

ـ اسمع يا رجل، إنْ كنت معنا، فأنا اخبرك بالحقيقة، عدّار سيرفع مُستوى البلدة إلى إمارة، وتسميتها أمرٌ كائن، في ظل موجة رغبة عدّار بالإسْتيلاء على القريتين والوادي.؛ وقد تصل كراهيته لقرى الساحل إلى حدّ الحَمق والجنون؟.

وأنا أقولها بصدق، عدّار يَضمر الحقد والكراهية لقرية مجن منذ زمن هوَس أبيه سدح وحماقة جده عون في أرض مجن الكبرى.. ولكن كيدهم تزداد فُقاعاته وتتعمّق وإنّي واثق بأنّ نتيجتها ستكون الانفصال، ذلك لأنّ لكل فُقاعة عُمق ولكُل إرادة قوة.

إن الرجل يَكيل بمكيالين ثقيلين، بأهل مَجن ورجاله لا يقلّ أحدهم خباثة من الآخر، يخدعونهم، ويمكرون بهم. وليست تلك المرة الاولى فقد مكروا بهم قبل ذلك.

وذلك التدبير الشائن هو ما تريده القرى البحرية التي تُمارس السيطرة لتحقيق مصالحها على أرض مجن.

قال الرجل المُندس:

ـ أتقول عنهم رجال، فلماذا لاذوا إلى جوار خور كانت تستخدمه السفن المُهربة عن أعين رجال مَجن؟.

قال أبو الشوارب المُقوسة للرجل المُندس:

ـ صِفه لنا إن كنت تعرفه.؛ أم أنت تُحرّض القوم عليه؟.

ـ ذلك الخور مِلْحيّ مُتعرّج، مُلتف وبه تعاريج وتجاويف عميقة، كجفن صغير لساحل مجن.

وإني أؤكد لك أنّ عدّار لن تتوقّف أطماعه، ولو أجهد نفسه وبذل ما في خراجه من مالٍ وما في وُسْعِه من هَوس وغرور وإنْ جاهد بغباء مُستميت وبشتى الطرق المُلتوية وهدَر ثروات مُجتمع الساحل، فإنّ حِقده لن ينجح، وخطّته لإفْقار، قرية مجن الكبرى ستفشل وستراوح مكانها، فقرية مجن في قديم الزمان، مملكة كبيرة ولها سُلطان عظيم على كثير من القرى بحرية ويابسة ، ولن تصمُد كل قوة ماكرة ضدّها، وتلك الفُقاعات سوف تتوقّف عند أول موجة هادرة من بحر مجن فيغرق خور المَلح وقريته الناشئة.

انفرد رجال ببعضهم وتعاهدوا بأن يقفوا صفاً ضد القرية الناشئة ومؤسسها عدّار واتفقوا بتسجيل موقف اعتراضي وإحداث ضجة، فما تقتضيه مصلحة الامة الكبرى هو الاهم. وانضمّ إليهم رجال الوادي والقريتين، وأثارت تلك الضجة الكبيرة غضب عدّار وكان لها أثر كبير على الرجال وعلى الذين يُساندوه، وطلب منهم التفكير في إنهاء الضجة لمصلحة وادي الرمال.

وألْقى خطاباً وحدّث الناس قائلاً:

ـ إني لا ألوم أحداً بقدر ما ألوم رجال القريتين وقرية الوادي، وكأنهم يخشون رجال مجن . فماذا هم مُنتظرين ، إذا حدث تخريب في الوادي والرمال ، فالتخريب خطر كبير ايها الرجال .. وعو واسمعوا.. أن هناك طرق كثيرة تُؤدي إلى الدّمار الكلي للقرى الساحلية، منها بعث القلق المُتزايد بلا هوادة، فحالة الخوف أنتم جميعاً تعلمون ماهي نتيجتها.؟ والفقْر والذّلة والمَسكنة، تلك ما سوف تكون عليه، وردّة فِعْلنا لن تكون بأقلّ منها، ضِد كل القرى التي تقف بجانب قرية مجن؟.

وبهذه الفكرة سوف نعرف من هم العُدوانيين أو من هم أعداؤنا، ومن الذين يقفون ضدّ القرية الناشئة؟.

لكن عدّار ، كعادته مُتسرّع وفي عُجالة من أمره ، لم ينتظر ولم يستمع إلى مَشورة رجاله الذين اتبعوه خوفاً أنْ ينقلب عليه رجال القرى جميعهم، فهو يُشكّل خطراً عليهم. وقد فهم من رسالة اختلافهم أن كارثة ستحلّ به ، إنْ لم يتصرّف ويُغيّر موقفه.

فقال محذّراً الرجال الذين تبدّلت عزيمتهم إلى ضعف واختلاف:

ـ أنا زعيم القرية الناشئة، ولن أسمح لأحد منكم أنْ يُقلل من عزيمة رجالنا او يُضْعفهم، سأقطع دابرَ كلّ مَن يتخلّف عن الركب او يُسقط وعْده أو يُؤخر المسير إلى ما عزمنا عليه.

انتبهوا، لن يكون حيّاً بيننا، حتى لو كان في أعماق البحار.؛ وحتى وإنْ كُنّا فئة قليلة فإنّنا سنغلب فئة كثيرة.

وتذكروا، بأنّ القرية التي أنشأناها على أطراف ساحل مجن، والبحر العميق، لم تَعد هادنة بل هي قرية واعدة.؛ وسنعمل على بقائها مُؤثّرة في مجتمع الرمال.

ـ لماذا هذا التغيير في اسم القرية.؟ “قال أحد المجتمعين به”.

أحنى عدّار رأسه إلى صَدره قليلاً، مُستخفاً بتساؤل الرجل وقال:

ـ انظر إلى رأسي ـ كم من رؤوس صغيرة هزمت رؤوس كبيرة، فالتدبير ليس بحجم الرؤوس ولا بعرض الاكتاف.. التدبير برجال القرى جميعها وبإرادتهم التي تُفتت الصّخر.

فنحن لا ننظر إلى كثرة الرجال ولا إلى عددهم ولكن إلى شِدة العزم، فنحن لدينا إصْرار ورسالتنا واضحة، السيطرة الكاملة من الشمال على منابع صيد الأسماك على مشارف قرية مَجن الساحلية، وفي العُمق الاستيلاء على كنوز القرى على شاكلة الوادي وفي أطراف الرمال نُوثّق قبضتنا على منابع الماء العذب بوادي الرمال.

وفي ظهيرة يوم قائظ، أعْلَن عدّار تزعمه التظاهرة الثائرة، وأسماها ظاهرة التحرر من رؤوس الفساد.؛ وقال بغضب وعزم:

ـ لن نسكت عن خيانة أحد منكم، وستطال سيوفنا رؤوس الغادرين بنا.؛ ونؤكد للجميع، أننا سنسحق كل مُختلف وسنقطع رأس المُنشقين، دون تفرقة بين صغير وكبير.؛ حتى لو أدى ذلك إلى زعزعة استقرار وادي الرمال والمُجتمع بأكمله.

يـتـبـع 35..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى