أصداء وآراء

الـوصـيـة..

             * الأب منـويـل مسـلـم

 

الـوصـيـة..

أوصى تاجر عجوز أولاده الثلاثة قبل سفرهم عبر الغابة : “لا تأكلوا من أي ثمر أو نبات أو بُقـول لا تعرفونها، أو سَبَق أن أكلتم منها، فقد تكون سامّةً قاتلة.”

سافر الإبن الأصغر في اليوم الأول ولما اقترب من قرية في الغابة توقف عند شجرة عليها ثمار يانعة تشبه التفاح الصغير الحجم، ولكنها تختلف عن التفاح قليلاً، ويقرب شكلها من ثمر الزعرور الكبير .. قال الشاب في نفسه : “صحيح أن أبي أوصاني أن لا آكل ثمراً لا أعرفه، ولكن هذه الثمرة الجميلة التي تشبه التفاح أو الزعرور لا بد أن تكون جيدة ولذيذة”، أكل الشاب منها، إستساغ مذاقها فأكثر منها، وفي الليل أصابه مغص شديد وتسمم جسمه ومات، وفي الصباح جاء أهل القرية، جرّوه من رجليه ودفنوه بعيداً واستولوا على عربته وبضاعته.

في اليوم الثاني وصل أخوه إلى نفس المكان، رأى الشجرة وثمرها ولم يتعرّف على نوعها فقال : “صحيح أن أبي أوصاني ألّا آكل ثمراً لا أعرفه؛ ولكن دعني أذُقه فقط لعله جيد ولذيذ، غير أني سأحترم في النهاية وصية أبي” .. فأكل منها ثمرة واحدة وتوقف عن الأكل إحتراماً لأبيه، وفي الليل أصابه مغص شديد وأخذ يتلوى ويتقلّب من الوجع، ولكنه لم يَمُت، تحامل على نفسه وقام وتابع سيره نحو المدينة بحثا عن علاج.

في اليوم الثالث وصل أخوه الكبير وجلس تحت الشجرة، إنتظر أهل القرية طويلاً ثم توجهوا إليه فوجدوه يأكل طعامه فسألوه : “لماذا لم تأكل من ثمار الشجرة اللذيذة فوقك وأنت كما يظهر جائع وآتٍ من مكان بعيد ؟ فقال الأخ الكبير: “إنها شجرة سامّة”، فقالوا له : “وكيف عرفت أنها سامّة ؟!”، قال لهم : “الشجرة قريبة من القرية وسهل الحصول على ثمرها، فلو كانت الشجرة طيبة وغير سامّة ما بقي ثمرها إلى اليوم”، وتابع سيره فوجد أخاه في الطريق بين حي وميت يعاني أشد الآلام، فعرف أنه أكل من ثمر الشجرة السامّة، فجعله يستفرغ ما في بطنه وعالجه بأطعمة وشراب كان معه وشُفِيَ أخوه.

أكل كثيرون من شجرة “أوسلو” السامة حتى شبعوا وماتوا، وعلى رأسهم الشهيد الرمز أبو عمار، وذاق كثيرون ثمرة أوسلو السامة وهم يتلوّون مغصاً وآلاماً مبرّحة ولكنهم أحياء .. يحتاج هؤلاء أن يتقيّأوا ويستفرغوا ما في بطونهم، ولكن أفواههم قد صُكّت وأُغْلِقت وتَشَنّجَت، وهم يرفضون علاج شعبهم عناداً لا غير؛ من بينهم أعضاء اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية والمجلس الوطني والمجلس الثوري .. ولكن آخرين كثيرين عرفوا بحنكتهم السياسية ووصايا آبائهم وأجدادهم الشهداء المناضلين، الذين رفضوا تذوّق ثمار الأشجار السامة مثل وعد بلفور، وقرار التقسيم، والإعتراف بإسرائيل وحلّ الدولتين .. هؤلاء عرفوا أن شجرة أوسلو ثمارها سامّة، فأمسكوا فؤوسهم وأقسموا : “الموت لأوسلو”.

 يا دولنا العربية .. لو كانت إسرائيل شجرة طيبة الثمار، وأنتم تعلمون أنه من السهل  قطاف ثمارها، لَما رفض شعبكم العربي الفلسطيني ان يأكل منها .. إسرائيل شجرة سامة، أكل منها بعضنا وماتوا، وكلّنا نتألم من شتاتٍ وحصارٍ وجوعٍ وخوفٍ وموتٍ ودموع .. نوصيكم أن لا تقتربوا منها ولا تتعاملوا معها لا بالتطبيع ولا بالتنسيق ولا بالمعاهدات ولا بالصلح، بل واجب ديني ووطني وأخلاقي يُحَتِّمُ عليكم قَطْعَ هذه الشجرة السامة وإلقائها في النار.

 

للأمانة الأدبية:

* تم نشر المقال بموافقة القائمين على موقع “إضاءات” الإخباري..

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن “أصـداء” ، بل تعبر عن آراء الكاتب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى