أصــداء منوعةقصص ، روايات

رواية وادي الرمال ،. الحلقة 36..

حـمــد الـنـاصــري

كاتـب و قـاص

 

رواية وادي الرمال ،. الحلقة 36..

 

على أثر إعلان عدّار ثورة التغيير بوادي الرمال ومُجتمعاته، وبدء انطلاق شرارتها من القرية الناشئة والتي أسْماها مُؤخراً بالقرية الواعدة.؛

فقد اعتبرها الكثيرون بأنها ثورة مَهووسة بعداء المُجتمعات الرافضة لزعامته، وأنها بداية لشرارة حِقد واضحة ويُمكن أنْ تنسحب إلى ثورات لا تنتهي ، فعدّار ناقمٌ على كُل موروث ، مهووس بسرقة الثروات والكنوز التي أورثتها الطبيعة بقرى وادي الرمال.

وبهذه الثورة المُناهضة لإستقرار الوادي والمَعمعة المُحدثة في الرمال من قِبل عدّار وأتباعه، فقد أطلقوا عليهم بـ أشرار الوادي.؛

وقد أثارت الثورة الشريرة حفيظة رجال القريتين وقرى الوادي.. وأجمع الرجال بأنْ يحملوا الخبر السيئ إلى السيّد شيخ الوادي.

وكان في عُرف مجتمع الوادي، أنّ كل مُشكلة تظهر بالوادي يقتضي على شيخ الوادي النظر فيها، وإنْ تعذّر حلّها، فإنها تُرفع إلى مرجعية وادي الرمال الجد الكبير.

قال أحد الرجال الذين حملوا الخبر السيئ إلى السيد عيّاد لعرج:

ـ نحن نحمل خبراً مُؤلماً، مُثيراً للفتنة، ومُزعجاً إلى حد خطير، فغوغائية رجال عدّار قد كثرت وبِسكوتنا عنها سوف نتحمّل عاقبة أفعالها ونتيجة خطرها القادم.؛

وكُنّا نريد أنْ نحمل إليك ما نحتاجه في الوادي بعيداً عن متاهات البحث في أسفار ازدادت وكثُرت بالوادي وهيمنة أفكار المُغامرات على البعض إلى درجة أننا لم نحتملها ولم نستطيع التحكّم في إيقافها، وغيّرت في مصائر مُجتمعنا ولم نَعُد نشعر بالفرح بتاتاً، فالخيبات في وادي الرمال باتتْ تُلاحقنا، وتُدهشنا بسلوكياتها غير القويمة، حتى أضحتْ إرهاصاتها كمنعطف خطير لا تَخفى عليكم. وما أشرار الوادي وفتنتهم الكبرى عن تلك المَعمعة ببعيد، وما تلك إلا أفعال سيئة تضعنا أمام خيار صَعب وقاسي، فإمّا أنْ نُنقذ مُجتمع الرمال أو نتخلّى عن مسؤوليتنا، أو يذهب شأنكم.؛

قال السيّد عيّاد لعرج بعد التشاور مع حُكماء الوادي.. قولة مشهورة:

ـ لن نجعل أشراراً يُمارسون تأثيرهم على ضِعاف النفوس، وسنعمل بقوة على تحييد تأثيرهم بتلك الأفكار الضالّة.

لكنّ المُجتمعون به، لم يُرضهم قوله واعتبروه من باب التهاون في المسؤولية وقالوا:

ـ دع عنك التبريرات الآن ، فالمُشكلة خطيرة جداً ، بل هي خطبٌ ضاقت سُبلها علينا وتفرّق بسببها رجالنا ولا يقتضي الأمر الانتظار وإنْ لم نخرج بشيء مُقنع .. فإنهُ يسوغ لنا ، في هذا النهار القائظ، أنْ نحمل الخبر المُؤسف إلى الجد الكبير.

بقيَ شيخ الوادي عيّاد الاعرج في هدوئه المُعتاد، فاستمر بالمشورة والرأي لإيجاد مخرج يُبعد الوادي من اشتعال الفتنة فيه، وتعامل مع رسالة الاشرار بأنها تهديد خطير على الوادي وبها تحذير كبير.

وبعد ساعات من التشاور، خرج السيد عياد لعرج، وخطب في الناس :

ـ أيها الرجال الاكفاء المُلهمين بالآراء الحصيفة بما ينفع الناس والوادي، إننا نُؤكّد وقوفنا معكم بالقوة والصلابة. ونتخذ معكم خطوات لحماية الوادي من الأشرار.

عُرف عن السيد عياد لعرج، بأنه إذا تحدّث يتوقف، يُلملم كلماته وينطقها بتؤدّة، وحديثه يشقّ طريقه إلى قلوب الناس وعقولهم مباشرة.؛ وأردف قائلا:

ـ سنعمل بالمُواجهة النفسية، ونتخذ من الخطوات الجريئة كردة فعل مُغايرة للأشرار، أعداء الوادي، أعداؤنا جميعاً.؛

وأمر في الحال، استحداث اسم جديد للقرية الناشئة، وأطلق عليها اسم “البلدة المعزولة” وجَعل تصنيفها كجزء لا يتجزء من قرية الوادي.؛

وفي اليوم التالي انتشر خبر تصنيف السيد عياد لعرج للقرية الناشئة، وتسميتها بالقرية المعزولة، وجَعلها كجزء من قرية الوادي وكانت ردة الفِعْل الصادمة من زعيم القرية المعزولة، عدّار السدّاح الاقوى والأسرع حدثاً، على أثر إعلان شيخ الوادي عيّاد لعرج، تسمية رجال عدّار بالأشرار وتغيير اسم القرية التي أنشأها على ضفاف الوادي بالقرية المَعزولة، وجعلها كجزء من قرية الوادي ، وقد خطب في رجاله:

ـ نحن عدّار بن سدح لقد أبْدلنا اسم قريتنا من القرية الواعدة إلى القرية السعيدة ، وتُسمى بـ ” الإمارة السعيدة” ويُعتبر من الان وصاعداً بأنّنا جميعاً، نُعْرف برجال الإمارة السعيدة.؛

وحين علمَ ، السيد عيّاد الاعرج شيخ الوادي بأنّ عدّار يتحدّى مَقامه، ويكسر قراره، وأنهُ قام بإعادة تسمية القرية المعزولة إلى مُستوى الإمارة ، وسمّاها بالإمارة السعيدة .؛

اشتدّ غضبه وثارتْ ثائرته وقد لزم موقف الصلابة من الذين أسماهم بالأشرار وقال لرجال القرية:

ـ اثبتوا.. فالأشرار يسلكون طُرق مُلتوية، سلوكاً مُعادياً لقرية الوادي، الاشرار لا صواب لهم، وعداوتهم لا تَخفى على أحد منكم، وشرّهم تجاوز الطبيعة البشرية ، فإنْ لم نَتدارك العاقبة ، فلن تنفعنا أخلاقنا.

سكت واخذ نفساً وأردف:

ـ أنتم رجالنا الاوفياء ، تُدافعون عن القريتين والوادي ، دفاعاً عن العزّة والكرامة وتلك هيَ رسالتكم في وادي الرمال ، ولا يضرّكم من ضلّ من الأشرار وكُل فِعل مُشين له ردة فِعْل .. قد يستمر الغضب في وادي الرمال، لكنّا سَنصمد بصلابة موقفنا حيال مُتغيرات الوادي، وذلك الغضب هو غضب العزة والكرامة للفِعل القبيح.؛

نحن رجال وادي الرمال، معكم نحمل الرسالة ونُدافع عن العزة والكرامة من أجل السلام بين الناس وسنعمل جنباً إلى جنب مع قرية الوادي والقرى الثابتة بأسمائها الأولى، وكل مُستحدث ضَلاله وباطل ما فيه.؛

وقد اطمأننتُ لهذا القول ، واستمعت إليه من شيخ الوادي القادم والذي سيخلف زعامة الوادي من بَعدي ، فهو الرجل المكين ، والذي سماهُ الجد الكبير بالرجل الأمين ، ذلكم الرجل مُقرّب إلى نفسي والعائلة، وقد آنستُ منه رُشداً.؛

اذهبوا إليه أو إيْتوني به إلى مَجلسنا هذا، كي أبلغه بالأمر الحادث، فيستخلص لنا موقفاً، نُواجه به الأشرار.؛ ونُعلمه بأنّ عدّار قد ضلّ وشَقي وأنّي غاضب منه ومَن اتّبَعه.؛

قال أزهر وقد توسّط جمع من الحضور:

ـ نحن على موقف صَلب لا يتزعزع وما يأمرنا به سيّدنا عيّاد لعرج فاعلين، وإني أنقل لكم مشاعر رجال قرية الوادي، أنّ البلدة المعزولة التي رفضها جدي الكبير بلدة مُعادية للوادي والرمال، وأنّ الرجل عدّار ومن اتّبعه في ضَلال.؛

ونحن نُطيع الجد الكبير ولا نُخالفه رأياً ، فهو يحمل عقلاً صلباً ونحن معه ، ولن نقبل بمُتآمر على الوادي أو على الجد الكبير .؛ وما أؤلئك الاشرار إلا رجال ضالُّون ، خارجون عن العزة وعن الكرامة ، قلوبهم سوداء ، وقريباً سنكفيكم شرّهم ، فاطْووها في انفسكم واكتموا سرّها ولا تبدونها لأحد غيركم.

وأنا أزْهَر الصَغير بينكم، حفيد الجد الكبير أرفض بشدّة، تصرّف عدّار المُعادي للوادي والرمال ، وأيّما تغيير في حياة الناس أو أيّ حدث في الرمال بغير رضاً من الجد الكبير، سوف نتخذ موقفاً حاسماً تجاهه.؛

وعليه نُؤكد أنه لا تمكين ولا عداء على رمال الوادي.؛ وهذا العداء الشرّاني قد اسْتخلفه عدّار من أبيه ومن جده.؛ إنما هو استخلاف لتحقيق مآرب أبيه وجدّه عُون السداح.؛ إنها عائلة تَخلق الشرّ؛

وتساءل مُتشككاً وعينه تدور حول الرجال في صمت واستنكار وكان في حيرة ودهشة وعينه قد غرزها في الرجال :

ـ أين هم الرجال الغيورين على الوادي والرمال.؟ أين رجال القريتين.؟ هل نسيتم شرّانية عائلة السدّاح ، هذه العائلة التي تضمر الحقد للوادي وتحمل فكر بغيض عُدواني للرجال..

سكت ثم استدرك .. ليس للوادي فحسب بل لكل المُجتمعات في وادي الرمال.؛

توقّف وكأنه لاحظ خوفاً في صمت الرجال، وقال مُندهشاً:

ـ مالكم …؟ ألا تُريدون عُلوا في الوادي.؟ كرامتنا لان نسكت عنها وعزّتنا أساس قوامنا ، وقوتنا في رجالنا وثقتنا في الذين قالوا إنّا معكم حياة وموتاً .؟ رجالاً عاهدوا ولم يخلفوا ما عاهدوا به ولم يتخلّفوا عن ولائهم للجد الكبير والتزموا به ، واتبعتم رُشدهُ وخصّكم بالأمان.. وكنتم على العزم ، وبه تمكّنتم في الرمال ، فكنتم القوة التي لا تُقهر والعزّة المُؤثرة وعلى الكرامة التي لا تُقطع.؛

ثم التفت يميناً وشمالاً.. وقال:

ـ أين هم أولاد مَخرم.؟.

وقف رجل جميل المنظر.. فارع الطول ، ذو هيبة ، وقال :

ـ أنا أحدهم ؟

ـ أنتم رجال ، لكم شأن كبير في كتاب” سفر القِيَم الإنسانية ” كتبه كبيركم ابن مخرم.؛ ذلك الكتاب ذكَر فيه سيرة البشر، سيرتهم وسلوكهم وكراهيتهم.

وكان لـذلك الرجل الشهم، اليقظة بن مخرم، قصب السبق في تكوين وتقويم اعوجاج السلوك لشريحة من الناس.

قال احدهم مُستغرباً للذي بجواره:

ـ ما بال أزهر الصغير يهرف بما لا يعرف.؛ لقد خلط الحابل بالنابل .. فما دخل عُدوانية عدّار في سيرة كتاب القيم الانسانية و الرمال .؟ وما شأن ابن مخرم في البلدة المعزولة.؟

قال الآخر :

ـ اسكت .. إنه حفيد الجد الكبير.

ولم يبزم بعدها أحد بحرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى