حـراك عـربـي بعـنـوان سـوريـا..
خميس بن عبيد القطيطي
حـراك عـربـي بعـنـوان سـوريـا..
سوريا الحاضرة دائما في المشهد العربي ولم تتراجع لحظة عن دورها العروبي، هي حاضرة اليوم بقوة في الحراك الرسمي العربي، سوريا قلب العروبة النابض كما سماها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، على أسوارها تحطمت جحافل الغزاة وعلى أرضها قامت الحضارات، وفيها يرقد الأنبياء والصحابة والأولياء، هي أرض الكرامات والحضارات، وصفها الشاعر العربي الكبير نزار قباني فأبدع في وصفها، وتجلى في وصف عاصمتها فقال :
والخيل تبدأ من دمشق مسارها .. وتشد للفتح الكبير ركاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندها .. تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
ودمشق تعطي للعروبة شكلها .. وبأرضها تتشكل الأحقاب.
سوريا تستحوذ اليوم على أبرز عناوين الحراك العربي، فمنذ بداية التحضير للقمة العربية بالجزائر وهناك رغبة حقيقية من قبل الدولة المستضيفة بعودة سوريا إلى الحضن العربي وعودة الأشقاء العرب إلى سوريا، توج ذلك الكثير من اللقاءات والتصريحات منها التي أعلنها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في ديسمبر الماضي : “نريد من القمة العربية المقبلة أن تكون قمة جامعة شاملة ولن نكرس التفرقة العربية، إما تكون قمة جامعة وإما سيكون لنا نظرة أخرى”، كما سبق ذلك عدد من اللقاءات العربية من أجل عودة سوريا إلى البيت العربي، فكانت العاصمة العمانية مسقط إحدى أهم المحطات التي استقبلت في وقت سابق الدكتور فيصل المقدار وزير الخارجية السوري ونائبه الدكتور بشار الجعفري، كما جاءت زيارة الدكتورة بثينة شعبان في ذات الاتجاه.
ولا شك أن التعويل على سلطنة عمان في إحداث اختراق لهذا الملف مبنيا على موقف السلطنة الدائم في إطار رأب الصدع بين الأشقاء العرب وأهمية عودة سوريا إلى جانب الأشقاء العرب، لتحقيق الإجماع العربي في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة.
السلطنة ومنذ بداية الأزمة في سوريا تقوم بدور كبير في سياق تطبيع العلاقات العربية السورية، وعودة سوريا إلى البيت العربي، ولم تألُ السلطنة جهدا من أجل تقريب وجهات النظر بين الأشقاء العرب مدركة حجم الدور السوري وما تمثله سوريا من ثقل في ميزان القوة العربية، وما تمثله سوريا على خريطة العمل العربي المشترك، كما تدرك أيضا ماذا يحدث في سوريا وكل تضاريس أزمتها، وأهمية أن يقف الأشقاء العرب مع سوريا، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هذا الحراك العربي لم يكن ليتحقق لولا الصمود الأسطوري الذي قدمته سوريا والملحمة الكبرى التي قدمها ثالوثها الوطني العظيم بقيادتها الحكيمة التي قدمت نموذجها الاحترافي في إدارة الأزمة، ما جعلت مفكري الغرب يقفون اليوم وقفة احترام نحو سوريا بقيادة الدكتور بشار الأسد، هذا بالإضافة إلى ما قدمه الجيش العربي السوري البطل من تضحيات جسام طوال عمر هذه الأزمة، وجاء ثالث أضلاع معادلتها الوطنية المتمثل بالشعب السوري الذي أدرك ما يخطط لبلده وما يصدر له من إرهاب يستهدف الدولة والوطن عموما، فتضافرت هذه العناصر لتحقيق النجاح في تجاوز الأزمة، وبالتالي فإن هذا الصمود الوطني السوري هو ما سهل بعض الأدوار العربية المضيئة وخصوصا ما تقدمه السلطنة من جهود منذ بداية الأزمة وحتى اليوم.
لا شك أن العرب اليوم في نقطة فاصلة، فهناك الكثير من المواقف العربية المتشظية التي وصلت إلى حقيقة واحدة مفادها ضرورة تحقيق التقارب ولمِّ الشمل العربي، ولا شك أن أهم محاور هذا التقارب العربي هو عودة سوريا إلى البيت العربي، ولكن رغم إدراك العرب لحجم التصدعات التي تواجه الوطن العربي وضرورة تجاوز هذه الخلافات العربية إلا أن هناك بعض العوائق التي تقف حجر عثرة أمام عودة سوريا إلى البيت العربي، وللأسف هذه العوائق تمثل نوعا من المكابرة أو انصياعا لتوجُّهات خارجية (استعمارية) تحاول خلق الحواجز التي تؤخر إنهاء الأزمة في سوريا بعد إدراكها أن سوريا ماضية في طريق معالجتها للأزمة وتسير نحو تحقيق الانتصار الكامل على الإرهاب ولم يتبقَّ إلا القليل، وهذه المآرب الخارجية هي الآن في الوقت الضائع تحاول الاستفادة فقط من تشظي الموقف العربي للأسف الشديد، لذا فإن العرب اليوم أمام نقطة فاصلة في تحقيق التقارب ولمِّ الشمل العربي أو مواصلة السير على طريق المجهول الذي لن يكون في صالح العرب بالحسابات الزمنية والظروف الدولية الراهنة وتغير خريطة المصالح.
الآمال ما زالت معقودة على تجاوز تلك المطبات والعوائق في سبيل لمِّ الشمل ووحدة الصف العربي من خلال هذه التحركات العربية، وفي مقدمتها الجهود العُمانية التي أتوقع شخصيا أن يتحقق من خلالها النتائج الإيجابية استنادا إلى نموذجية السياسة الخارجية العُمانية ومعالجاتها الهادئة التي تتسم بفلسفة خاصة مبنية على الهدوء، واستخدام خطوط التأثير الفاعلة، وتهيئة المناخ الإيجابي بالاستماع إلى مختلف وجهات النظر ومقاربتها من أجل تحقيق النجاح لعودة سورية عاجلة إلى البيت العربي.
ولا شك أن تلك الجهود تلتقي مع تطلعات الشعوب العربية في إطار عودة العلاقات العربية إلى سابق عهدها لمواجهة التحديات والأخطار التي تهدد الأمة العربية، وأهمها بناء علاقات عربية جامعة على أسس منهجية تهيئ المسار لمشروع عربي يجمع العرب من المحيط إلى الخليج، فهل يرغب العرب في تحقيق تلك الآمال المشروعة؟ أم أن هناك ما وراء الأكمة الذي يمنعهم من تحقيق تلك الآمال والتطلعات.