مقالات وآراء

قـراءة في كـتاب : “نـقـد الفـكـر الديـنـي” – للمؤلـف : صادق جـلال العـظم..

الكاتـب/ فـهـد الجهـوري

 

“قـراءة في كـتاب” :

 

“نـقـد الفـكـر الديـنـي” – للمؤلـف : صادق جـلال العـظم..

 

لا شك أن الاعتقاد الديني في حياة البشر هو الركيزة الأساسية في الطمأنينة النفسية التي يشعر بها كل الناس، وأي نقد أو محاولة فحص الدين باعتباره طقوسا ونصوصا في ميزان العقل والمنطق هو بمنزلة زلزال عنيف مدمر في وجدان كل مؤمن متلقي لهكذا نقد، وفي هذا الكتاب للدكتور صادق جلال العظم والذي يحمل عنوان (نقد الفكر الديني) يقدم لنا العظم نقداً يقوم على إظهار مشكلات وتناقضات وقع بها الخطاب أو الفكر الديني بطريقة نقدية منطقية، ويترك لنا الدكتور صادق جلال العظم المجال في التمعّن في أفكاره المطروحة من قبيل قصة إبليس وآدم وقصة ظهور مريم العذراء في مصر بعد نكسة العرب عام 67 وفكرة الحياة بعد الموت لدى البشر وغيرها من الروايات التي أخضعها العظم لميزان العقل وأبعد عنها القداسة المعهودة التي تحميها من النقد الموضوعي، يقول صادق جلال العظم عن الموت بوصفه مثالا نقلاً عن برتراند راسل ما نصه:

(وفي مناسبة أخرى عندما سئل برتراند راسل : هل يحيى الإنسان بعد الموت؟ أجاب بالنفي وشرح جوابه بقوله: عندما ننظر إلى هذا السؤال من زاوية العلم وليس من خلال ضباب العاطفة نجد أنه من الصعب اكتشاف المبرر العقلي لاستمرار الحياة بعد الموت، فالاعتقاد السائد بأننا نحيا بعد الموت _يبدو لي_ بدون أي مرتكز أو أساس علمي، ولا أظن أنه يتسنى لمثل هذا الاعتقاد أن ينشأ و أن ينتشر لولا الصدى الانفعالي الذي يحدثه فينا الخوف من الموت، لا شك أن الاعتقاد بأننا سنلقى في العالم الآخر أولئك الذين نكن لهم الحب يعطينا أكبر العزاء عند موتهم، ولكنني لا أجد أي مبرر لافتراضنا أن الكون يهتم بآمالنا و رغباتنا، فليس لنا أي حق في أن نطلب من الكون تكييف نفسه وفقاً لعواطفنا وآمالنا ولا أحسب أنه من الصواب والحكمة أن نعتنق آراء لا تستند إلى أدلة بينة وعلمية) يعلق العظم على رأي برتراند راسل بالقول (لنقارن بين هذه النظرية العلمية المجردة القاسية الباردة وبين القصة الدينية الإسلامية الجميلة المريحة الدافئة التي تعودنا عليها، نجد أن الغيبيات و الملائكة والصلوات و المعجزات و الجن تؤلف جزءاً لا يتجزأ من التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته، وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ الإنسان ومصيره، أما النظرة العلمية فقد عبر عنها أحسن تعبير فيلسوف وعالم رياضي آخر (لابلاس) عندما قدم كتابه (نظام الكون) هدية إلى نابليون، فسأله الامبراطور (وما المكان الذي يحتله الله في نظامك ؟) فأجابه لابلاس: (الله فرضية لا حاجة لي بها في نظامي) فهل من عجب إذن أن نسمع نيتشه يعلن في القرن الماضي أن الله قد مات، وهل باستطاعتنا أن ننكر أن الإله الذي مات في أوروبا بدأ يحتضر في كل مكان تحت وقع تأثير المعرفة العلمية، التقدم الصناعي والمناهج العقلية في تقصي المعرفة والاتجاهات الثورية في المجتمع والاقتصاد ؟ طبعاً، عندما نقول مع نيتشه أن الله قد مات أو هو في طريقه إلى الموت فنحن لا نقصد أن العقائد قد تلاشت من ضمير الشعوب و إنما نعني أن النظرة العلمية التي وصل إليها الإنسان عن طبيعة الكون والمجتمع والإنسان خالية من ذكر الله، تماماً كما قال لابلاس).

إن العظم حينما دخل في تحليل الخطاب الديني بهذا الكتاب، فهو كمن حاول عبور منطقة مليئة بالألغام سوف تقضي على حياته، وبالفعل لم تتأخر تلك القنبلة في التفجر بصاحب هذا الكتاب، حيث تم التحقيق معه و محاكمته لاحقاً عن كل فصل في هذا الكتاب قبل أن تتم تبرئته بعد الاستماع لردوده حول الأفكار الواردة التي سوف تجدها عزيزي القارئ في صفحات الكتاب الأخيرة، وسواء اتفقنا أو اختلفنا في ما كتبه صادق جلال العظم بهذا الكتاب، فإننا نعتقد بأنه لابد من تحفيز النقد العقلي الموضوعي في كل الأفكار التي تحيط بعالمنا وتتدخل في حياتنا اليومية ليس من باب الجدل وخلافه، ولكن من أجل التدافع الفكري الإنساني الطبيعي للوصول إلى نبذ الشاذ من الأفكار ومحاولة إيجاد أفكار يجد الإنسان من خلالها مبتغاه في الإجابة على تساؤلات وجودية لربما مع المحاولة المستمرة في النقد الموضوعي سيصل لها يوماً ما..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى