
أصـــداء /العُمانية
تمضي محافظة الداخلية في تنفيذ حزمة من مشاريع ترميم وتأهيل وصيانة المعالم التاريخية والحارات القديمة، حيث تتسارع وتيرة الإنجاز لتعكس حجم الاهتمام بصون الموروث الثقافي وتعزيز مكانة التراث العُماني كرافد اقتصادي وسياحي مهم، في انسجام مع مستهدفات رؤية “عُمان 2040”.
وأكد سعادة الشيخ هلال بن سعيد الحجري محافظ الداخلية أن المحافظة تمضي بخطوات واثقة نحو ترسيخ حضورها كمركز رائد في مجالات الاقتصاد المعرفي والاقتصاد البنفسجي، لما لهذين المفهومين من دور فاعل في تحقيق التنويع الاقتصادي واستثمار عناصر الثقافة والمعرفة والهوية الوطنية كموارد تنموية مستدامة.
وأوضح سعادته في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن القيمة الإجمالية للمشاريع التي يجري تنفيذها في إطار إحياء التراث وتعزيز الاقتصاد المحلي تجاوزت 4.5 مليون ريال عُماني، وهو ما يعكس حجم الجهود والاستثمارات الموجهة للحفاظ على الموروث الثقافي والعمراني من جانب، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية.
وأشار سعادته إلى أن مشروعات إحياء التراث تتعدى حدود الترميم والصيانة، لتكون جزءًا من منظومة اقتصادية متكاملة تستثمر في الإنسان والمكان وتعزز المحتوى المحلي، من خلال فتح آفاق أوسع أمام المجتمع المحلي ورواد الأعمال للاستفادة من الفرص المتاحة.
وبيّن سعادة الشيخ هلال الحجري أن العمل يجري بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة والجهات المعنية الأخرى على صيانة وتأهيل القلاع والحصون والحارات التاريخية، بما يحافظ على قيمتها الأصيلة ويضمن استدامتها، إلى جانب تطوير مرافق حديثة وخدمات نوعية تُعزّز التجربة السياحية.
وأكد سعادته أن إشراك المجتمع المحلي يمثل ركيزة أساسية، سواء في عمليات الترميم أو في استثمار المواقع الأثرية عبر مشاريع صغيرة ومتوسطة، مما يسهم في توليد فرص عمل ودعم الاقتصاد المحلي، فضلًا عن تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه الموروث الوطني.
وأشار سعادة الشيخ محافظ الداخلية إلى أن المشاريع القائمة أسهمت بشكل مباشر في تنشيط الحركة السياحية، حيث استقطبت القلاع والحصون التاريخية أكثر من 302 ألف زائر خلال النصف الأول من عام 2025، مما يعكس تزايد الوعي بقيمة التراث وأثره في دعم الأنشطة الاقتصادية، ويبرز الحاجة إلى مواصلة العمل على الترويج والتأهيل المستمر لتكون المواقع التراثية منافسة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأضاف سعادته أن محافظة الداخلية تتبنى رؤية واضحة لتحويل القرى والحارات التاريخية من مواقع ساكنة إلى مراكز نابضة بالحياة الاقتصادية والثقافية، بحيث تتحول المنازل القديمة إلى نُزل سياحية ومقاهٍ ومعارض للحرف اليدوية، بما يحقق التوازن بين الحفاظ على الهوية الثقافية وإيجاد موارد اقتصادية جديدة.
وقال سعادته إن هذه المشاريع تمثل تطبيقًا عمليًّا لمفاهيم الاقتصاد البنفسجي الذي يدمج بين الإبداع والثقافة والاقتصاد، والاقتصاد المعرفي الذي يوظّف المعرفة والابتكار لتحقيق التنمية.
وأكد سعادته أن الجهود تأتي ضمن مسار التنمية اللامركزية التي تُوليها رؤية “عُمان 2040” أهمية بالغة، حيث تُسهم في تعزيز مكانة المحافظة كوجهة ثقافية وسياحية واستثمارية، وتدعم تطلعاتها لتكون نموذجًا للتنمية المستدامة التي تنطلق من خصوصية المكان وقيمه الثقافية، مردفًا أن المستقبل يحمل فرصًا واعدة لمشاريع جديدة تعزز هذه المسارات، مما يتطلب مواصلة العمل بالشراكة مع مختلف الجهات لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة تخدم المواطن والمقيم والزائر على حد سواء.
من جانبها قالت أحلام بنت حمد القصابية مديرة إدارة التراث والسياحة بمحافظة الداخلية إن المحافظة تشهد تنفيذ عدد من مشاريع صيانة وترميم المواقع التراثية والمعالم التاريخية، في إطار جهود وزارة التراث والسياحة لصون الهوية المعمارية العُمانية الأصيلة وتعزيز الاستفادة من الموروث الثقافي في دعم التنمية السياحية.
وأوضحت في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن المشاريع الجاري تنفيذها تشمل 7 مواقع موزعة على ولايات بدبد وإزكي ونزوى وأدم وبهلاء، مشيرة إلى أنه تم الانتهاء من ترميم الجدار الداخلي بالجهتين الشرقية والشمالية وإنشاء ممر للمشاة في حصن بدبد، فيما تتواصل أعمال ترميم الجدار الخارجي بنسبة إنجاز قاربت 20 بالمائة، على أن تبدأ المرحلة المقبلة بأعمال ترميم عزوة فنجاء.
وأضافت أن جامع مقزح بولاية إزكي وصل إلى نسبة إنجاز 95 بالمائة شملت إزالة البلاستر الخارجي ومعالجة التشققات وصيانة الأبواب والنوافذ وتجديد فرش الجامع، إلى جانب استكمال الأعمال الكهربائية.
أما جامع سعال بولاية نزوى فقد بلغت نسبة الإنجاز فيه 80 بالمائة، تضمنت إزالة البلاستر الخارجي وترميم المحراب وصيانة الجدران، بينما انطلقت أعمال الترميم في مسجد الشواذنة بالولاية نفسها بنسبة 15 بالمائة شملت إزالة البلاستر الخارجي ومعالجة المحراب.
وبيّنت أن حصن أدم شهد مراحل متقدمة من أعمال الصيانة تضمنت معالجة التشققات وإصلاح الأرضيات والأسقف وتركيب العازل المائي، مع استمرار بعض التشطيبات النهائية.
وفي ولاية بهلاء بلغت نسبة إنجاز أعمال الترميم في مسجد وادي الأعلى 60 بالمائة عقب تركيب سقف جديد وإنجاز أعمال البلاستر الداخلي بالصّاروج، إضافة إلى تواصل أعمال البلاستر الخارجي والأعمال الكهربائية.
وأكدت أحلام القصابية أن الحارات التاريخية في ولايات محافظة الداخلية تمثل ذاكرة حية للماضي العُماني العريق، إذ تجسد العمارة الطينية والأزقة المتشابكة وأنماط العيش التقليدية، بما يجعلها وجهة سياحية متفردة تتيح للزائر اكتشاف تفاصيل الحياة اليومية في البيئة العُمانية القديمة، وما يحيط بها من واحات النخيل التي تضفي على المكان طابعًا جماليًا وروحًا خاصة.
وأشارت إلى أن إعادة تأهيل هذه الحارات وتهيئتها للاستثمار تفتح آفاقًا واسعة لإقامة مشاريع نوعية، كتحويل البيوت التراثية إلى نُزل سياحية ومقاهٍ ومطاعم ومعارض للحرف التقليدية، بما يسهم في تنشيط الحركة السياحية ورفد الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لأبناء المجتمع، إلى جانب دورها في الحفاظ على الموروث ونقله للأجيال القادمة.
وأشارت إلى أن وزارة التراث والسياحة تعمل على دعم أصحاب الأعمال والمستثمرين الراغبين في إحياء هذه الحارات من خلال توفير المواد التقليدية والدعم الفني المتخصص، بما يعزز الهوية الوطنية ويصون الموروث الثقافي، مؤكدة أن هذه الجهود تأتي منسجمة مع مستهدفات رؤية “عُمان 2040” التي تضع السياحة كأحد أبرز ركائز التنويع الاقتصادي وتعزيز مكانة سلطنة عُمان على خارطة السياحة العالمية.