عُـمانعُمان اليوم

الذكاء الاصطناعي بين القيم الإنسانية والتحديات الأخلاقية

أصـــداء /العُمانية

يشكل الذكاء الاصطناعي أداة محورية لتحسين الكفاءة والإنتاجية وتعزيز التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، غير أن التطور المتسارع في قدراته والتوسع الكبير في استخدامه يثير تساؤلات جوهرية حول أخلاقيات استخدامه وتوافقه مع القيم الإنسانية، وبينما تسعى الدول في توظيف هذه التقنيات في دعم التنمية والابتكار، تزداد الحاجة إلى وضع أطر تشريعية وأخلاقية تضمن الاستخدام الآمن والأخلاقي لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية النقاش حول البعد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي لاسيما مع اتساع نطاق تطبيقاته في مجالات التعليم والصحة والإعلام والاقتصاد. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على الجانب التقني فحسب، بل أصبح يتصل ارتباطًا وثيقًا بالقيم الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، يؤكد عدد من المختصين والأكاديميين على ضرورة تبني تشريعات أخلاقية تواكب هذا التطور وتضمن أن تظل التقنية في خدمة الإنسان لا العكس.

وحول التحديات الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، قال الدكتور خليفة بن محمد الكندي أستاذ مساعد بكرسي جامعة نزوى لتطبيقات الذكاء الاصطناعي: إن التطور المتسارع في أدوات الذكاء الاصطناعي صاحبه عدد من الإشكاليات الأخلاقية التي تتطلب دراسة معمقة ووضع ضوابط واضحة لاستخدامها، مبينًا أن هذه التحديات تتمثل أولًا في اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات لاتخاذ القرارات، حيث قد تكون هذه البيانات غير دقيقة أو متحيزة تؤدي إلى نتائج تمييزية ضد فئات معينة من المجتمع مثل التمييز العرقي أو الجنسي، ثانيًا يشكل جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية خطرًا على خصوصية الأفراد خاصة عند استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة الجماعية أو التتبع دون موافقة صريحة.

وأشار إلى أن هذه التحديات الأخلاقية قد تعيق تحقيق توازن مستدام بين التقدم التقني والقيم الإنسانية نتيجة الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في أداء المهام اليومية، وهو ما يؤدي إلى تراجع القدرات البشرية على الإبداع والتفكير النقدي وتحول الإنسان من صانع للتكنولوجيا إلى تابع لها.

ولفت إلى أن غياب الشفافية والمساءلة في عمل الأنظمة الذكية يضعف ثقة الأفراد في المؤسسات، ويُعرّض المجتمعات لمخاطر غير محسوبة نتيجة القرارات الآلية غير المبررة، وهذا الأمر يستدعي تعزيز مبدأ الوضوح والمساءلة القانونية في تصميم وتشغيل هذه الأنظمة، ووضع ضوابط وتشريعات أخلاقية تضمن أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يخدم الإنسانية لا يهدد قيمها.

وأكد على أن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تمثل عنصرًا محوريًّا في تحقيق التوازن بين التقدم التقني والحفاظ على القيم الإنسانية من خلال إلزام الجهات المطورة لأنظمة الذكاء الاصطناعي بتوثيق عملية تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل شفاف وواضح بما في ذلك الغرض من النظام والتقنيات والبيانات المستخدمة، وضمان تقليل التحيزات وتحقيق العدالة والشمولية في النتائج التي يقدمها النظام.

وأوضح أن حماية خصوصية البيانات الشخصية تمثل حقًّا أساسيًّا يجب احترامه في كل مراحل تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر تطبيق معايير صارمة لجمع وتخزين البيانات الشخصية وضمان عدم استخدامها دون موافقة أصحابها، إلى جانب دعم الابتكار المسؤول الذي يحقق التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي لتحقيق نتائج أكثر فاعلية وإنسانية.

وقالت شنونة بنت محمد البروانية رائدة أعمال ومهتمة في الاقتصاد الرقمي، إن الإطار الفلسفي الإسلامي لا يرى الذكاء الاصطناعي خصمًا، بل أمانة ومسؤولية تدُار بنية الإصلاح والإحسان، حيث ينبغي أن تقوم العلاقة بين الإنسان والآلة على مبدأ التكامل وليس الاستبدال.

وأشارت إلى أنه من منظور علم الاجتماع، يظل الإنسان هو الفاعل الأخلاقي والاجتماعي الذي يمتلك الوعي والإرادة، بينما يُعد الذكاء الاصطناعي أداة ممكنة توسع من قدرات البشر في التحليل والتذكر والتنبؤ دون أن تملك وعيًا ذاتيًّا.

وأضافت أن الذكاء الاصطناعي من منظور تقني يقوم بتقليد أنماط التفكير الإنساني لكنه يفتقر إلى النية والوجدان، فالإبداع البشري يستمد قوته من التجربة والمعنى، في حين يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات والأنماط الإحصائية، وعندما ينتقل الإنسان من دور المراقب إلى الشريك في صنع القرار يتحول الذكاء الاصطناعي إلى ذكاء مضاعف يخدم الوعي الإنساني بدلًا من أن ينافسه.

وفيما يتعلق بإمكانية أن يكون الذكاء الاصطناعي منسجمًا مع القيم الإنسانية والأخلاقية في بيئات متعددة الثقافات، أوضح المهندس رائف بن علي الزكواني مدرب الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل، أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك قيمًا إنسانية أو أخلاقية بحد ذاته لأنه يعتمد على خوارزميات وبيانات محددة، ومن الممكن العمل على توجيه من خلال هندسة الأوامر الفعالة للنماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي لفهم وتحليل البيانات وفق منهجية تراعي القيم الأخلاقية مثل احترام الخصوصية والعدالة والشفافية والمسؤولية.

وأشار إلى أن هناك العديد من المنظمات العالمية تعمل على وضع أطر أخلاقية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان والمجتمع في بيئات متعددة الثقافات، وفي سلطنة عُمان تعد مسألة القيم الأخلاقية في الذكاء الاصطناعي هدفًا من أهداف البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة التي تؤكد على احترام حقوق الإنسان الأساسية مثل الخصوصية والمساواة والعدالة والحفاظ على الكرامة الإنسانية بما لا يتنافى مع المبادئ الإسلامية.

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يعد امتدادًا للذكاء البشري وليس بديلًا عنه، ولو نظرنا إلى الجانب التقني في تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي نجد الإنسان هو من ابتكره ودربه على مجموعة مختلفة من البيانات والخوارزميات في التعلم الآلي والتعلم العميق الذي هو أساس نتاج التفكير البشري من حيث المعلومات والإرشادات وهندسة الأوامر والمعايير التي يستند إليها الذكاء الاصطناعي في الدردشة الافتراضية بحيث يحاكي المخرجات بناء على المعطيات.

وأكد المهندس رائف بن علي الزكواني مدرب الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل، أن الإنسان يظل جوهر الإبداع ومصدر القيم التي لا يمكن لأي آلة تحل محلها مهما بلغ التقدم التكنولوجي, مشيرًا إلى أن الإنسان يمتاز بقدرات فريدة مثل الإحساس والمشاعر والإدراك والتأمل والحلم والتخيل، بينما يقتصر الذكاء الاصطناعي على تنفيذ الأوامر والتعلم من البيانات ومحاكاة السلوك البشري وفق المعطيات حسابيًّا دون امتلاك مشاعر حقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى