بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حين يتقمص المؤثر أو ما يسمى “بالمشهور”  دور بروتوكول صانع القرار

الكاتب أ. عصام بن محمود الرئيسي
مدرب وخبير بروتوكول – مؤلف أعمال متخصصة في المراسم والبروتوكول

من المشاهد التي تتكرر، أن يقوم أحد المؤثرين أو مايطلق عليه البعض بالمشهور في التواصل الاجتماعي بنشر خبر “حصري” يخص قرارًا حكوميًا، أو مؤسسة خاصة لها مكانتها في المجتمع مستخدمًا نبرة الواثق وكأنه كان حاضرًا في غرفة صناعة القرار، فيبث تفاصيل وتحليلات، ويجتهد في إضافة ما يراه مكملًا للصورة. ينتشر الخبر بسرعة، وتتناقله المنصات، ويستند عليه المواطنون في خططهم. لكن، وعند مراجعة الجهة الرسمية، يتضح أن القرار لم يُعلن بعد أو أن التفاصيل الواردة ناقصة أو غير صحيحة. هنا يقع الفرد منا في المصيدة وتتحول الثقة التي منحها الجمهور للمؤثر إلى شعور بالخذلان.

ونحن في عالم تتسارع فيه الأخبار، وتتسابق فيه المنصات والمؤثرون على كسب “الحصرية”، ينسى البعض أن نقل المعلومة الرسمية ليس سباقًا للفوز بالسبق، بل التزامًا بأدب المعلومة وبروتوكول الدولة والمؤسسات. فهناك ترتيب زمني، ومسار مؤسسي، وأسلوب يليق بالإعلان عن القرارات.

إن كسر هذه القواعد لا يخل فقط بالبروتوكول، بل يهز الثقة بين الجمهور ومصادره. وحين ينشر المؤثر خبرًا غير مكتمل أو سابقًا لأوانه، او بأسلوب صانعي القرار الواثق من نفسه بطريقة المبالغة وكأن الموضوع صادر من قبله يتحول من مصدر إلهام وثقة، إلى سبب في خيبة أمل وإرباك للرأي العام. ولهذا يصبح من الضروري أن تعتمد المؤسسات الحكومية والخاصة على قنواتها الرسمية ومتحدثيها المعتمدين في إيصال المعلومة للجمهور. فالمؤثر الرقمي – مهما بلغت شعبيته – ليس بديلاً عن المصدر الرسمي، إذ قد تفتقر رسالته إلى الدقة أو السياق الصحيح، مما يفتح المجال لسوء الفهم أو التضليل غير المقصود وتنتشر الشائعات بسرعة، إن تفعيل المنصة الإعلامية الرسمية او وجود متحدث للمؤسسة يعزز المصداقية، ويحافظ على الانسجام في الرسائل الموجهة، ويضمن أن تصل المعلومة الصحيحة إلى المستفيدين في وقتها المناسب.

من الأسباب التي تدعوا من المؤثر بالاستعجال في نشر الخبر متعددة، لكن أبرزها:
·      السعي وراء السبق الرقمي: بعض المؤثرين يحرصون على أن يكونوا “أول من ينشر” الخبر، حتى ولو لم يتحققوا من صحته، ظنًا أن ذلك سيزيد من شعبيتهم وتفاعل الجمهور معهم.
·      الرغبة في تعزيز المصداقية الشخصية: استخدام أسلوب الواثق العارف بكل التفاصيل قد يمنح المؤثر صورة “المطلع من الداخل”، حتى وإن كان هذا الاطلاع غير حقيقي.
·      ضعف الثقافة الإعلامية: ليس كل صانع محتوى يمتلك خلفية مهنية في التحقق من الأخبار، مما يؤدي إلى الخلط بين الشائعة والمعلومة الموثوقة.

في البروتوكول، هناك قاعدة ذهبية: وهي ان “المعلومة التي لم تصدر رسميًا… ليست معلومة بعد”. الالتزام بهذه القاعدة يقي الفرد من الإحراج، ويحمي المؤسسة من اللغط، ويضمن أن يظل النقاش العام قائمًا على أسس سليمة. المؤثر، بحكم دوره، مطالب بأن يمارس ما يشبه “الإتيكيت الإعلامي” الذي يقوم على:
·      التحقق من المصدر قبل مشاركة أي معلومة.
·      الامتناع عن الاجتهادات التي قد تفسر على أنها نص رسمي.
·      إبراز المرجعية عند النشر، بذكر الجهة التي أصدرت الخبر.

إتيكيت المسؤولية في الكلمة

الإتيكيت، في جوهره، ليس مجرد آداب مائدة أو تحية، بل هو سلوك راقٍ يراعي أثر الفعل والكلمة. وفي الفضاء الرقمي، تنطبق نفس المبادئ:
·      لا تقل ما لست متأكدًا منه، فالكلمة أمانة.
·      احترام ذكاء المتابعين وذلك بعدم إيهامهم بأن لديك معلومات “من الداخل” إن لم يكن ذلك حقيقيًا.
·      تصحيح الخطأ علنًا إذا ثبت عدم صحة المعلومة، فذلك من شيم الاحترام والشفافية.

النتائج السلبية لتجاوز الأصول

·      إرباك المواطن فيتخذ قرارات أو يزور جهات بناءً على معلومات مغلوطة.
·      تشويه صورة الجهة الرسمية بإظهارها بمظهر المتردد أو المتناقض.
·      تآكل الثقة الرقمية حيث يصبح المتابعون أقل ثقة في أي محتوى حتى لو كان صحيحًا.

كيف نمارس بروتوكول النشر الرقمي؟

·      توقيت النشر: في البروتوكول، التوقيت له قيمة، فلا يسبق الإعلان الرسمي أي تسريبات غير مؤكدة.
·      الصياغة الحيادية: تقديم الخبر كما هو دون عبارات مثيرة أو مبالغات.
·      التحقق المزدوج: العودة إلى أكثر من مصدر رسمي قبل نشر أي قرار أو بيان.

مسؤولية مشتركة بين المؤثر والمجتمع

المؤثرون هم سفراء للكلمة في عالم رقمي مزدحم، وأي إخلال بالقواعد ينعكس على صورة المهنة وعلى الثقة بهم. وفي المقابل، على المتابعين أن يطوروا حسهم النقدي، وأن لا يتعاملوا مع أي منشور، مهما بدا واثقًا، على أنه حقيقة نهائية دون الرجوع للمصدر الرسمي.

البروتوكول والإتيكيت ليسا رفاهية اجتماعية، بل هما إطار يحفظ الانضباط ويحمي المصداقية. وفي النشر الرقمي، يتجلى ذلك في احترام مصدر الخبر، وعدم إرباك الرأي العام، والتعامل مع الكلمة باعتبارها التزامًا أخلاقيًا قبل أن تكون أداة شهرة. فالمؤثر الحقيقي هو من يضيف قيمة، لا من يسبق الجميع على حساب الحقيقة.
وعلى الخير نلتقي وبالمحبة نرتقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى