
جمعية الصحفيين العمانية تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة بجلسة حوارية
أصداء/ سليمان الذهلي
احتضنت جمعية الصحفيين العمانية جلسة حوارية بعنوان “حرية الصحافة بين النص القانوني والممارسة المهنية”، وذلك في قاعة التدريب بمقر الجمعية، احتفاءً باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من مايو من كل عام، بمشاركة نخبة من الشخصيات القانونية والإعلامية والفكرية.
وتأتي هذه الفعالية التي نظمتها لجنة الحريات الليلة الماضية في إطار جهود الجمعية لتعزيز النقاش المجتمعي حول واقع حرية التعبير وبيئة العمل الإعلامي في سلطنة عُمان، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإعلامي إقليميًّا وعالميًّا، لا سيما مع صعود الذكاء الاصطناعي وتحديات التحقق من المعلومات في العصر الرقمي.

شارك في الجلسة عدد من الشخصيات القانونية والفكرية والإعلامية، بينهم الدكتور خليفة بن سيف الهنائي محامٍ لدى المحكمة العليا، قاضٍ ورئيس محكمة سابق، والمستشار جمال بن سالم النبهاني عضو اللجنة العمانية لحقوق الإنسان، رئيس لجنة الحقوق والحريات، والدكتور أنور بن محمد الرواس أكاديمي وباحث في الإعلام السياسي، والأستاذ علي بن مسعود المعشني – كاتب ومحلل سياسي، وأدار الجلسة الإعلامي عبدالله بن ناصر السعيدي، الذي أدار النقاشات بحيوية وتفاعل مع الحضور الكبير الذي تميز بمشاركة نوعية من مختلف أطياف الوسط الإعلامي والقانوني.

في افتتاح الجلسة، ألقى الدكتور خالد بن راشد العدوي رئيس لجنة الحريات بالجمعية، كلمة أكد فيها على أهمية هذه الفعالية كونها تأتي في مناسبة أممية سنوية تُعنى بتكريس قيم حرية الرأي والتعبير واستقلالية الصحافة، والتي تمثل ركائز أساسية في بناء مجتمعات منفتحة ومتقدمة.

وأشار العدوي إلى أن منظمة الأمم المتحدة اختارت هذا العام شعارًا يعكس التحديات الجديدة التي تواجه الصحفيين، وهو “التغطية الصحفية في العالم الجديد: تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية الصحافة والإعلام”، معتبرًا أن هذا العنوان يُحيل إلى ضرورة الموازنة بين استخدام التقنيات الحديثة وحماية جوهر العمل الصحفي من التشويه والتزييف والتلاعب بالمعلومات.
واستعرض رئيس لجنة الحريات أبرز المؤشرات الدولية في هذا السياق، موضحًا أن سلطنة عُمان شهدت تحسنًا ملموسًا في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، حيث تقدمت السلطنة إلى المرتبة 134 عالميًّا بعد أن كانت في المرتبة 137 في العام الماضي، وذلك استمرارًا لمسار تصاعدي بدأ في عام 2023، حين كانت تحتل المرتبة 163، وصعدت بعدها تدريجيًّا.
وقال العدوي: “إن هذا التقدم يعكس حرص سلطنة عُمان على تطوير بيئة العمل الإعلامي وتعزيز حرية التعبير في إطار من المسؤولية المهنية والقانونية”، مؤكدًا أن النظام الأساسي للدولة يضمن في مواده صراحةً حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، ضمن ضوابط قانونية واضحة تحظر المساس بأمن الدولة أو كرامة الإنسان.
كما أشار العدوي إلى أهمية المرسوم السلطاني رقم 58/2024 الخاص بإصدار قانون الإعلام الجديد، الذي وصفه بأنه نقلة نوعية في مسيرة الإعلام العماني، حيث أرسى منظومة تشريعية حديثة تواكب التطورات المهنية والتقنية، وتحمي حقوق الصحفيين وتنظم الممارسة الصحفية وفق معايير مهنية وأخلاقية.

عقب ذلك انطلقت أعمال الجلسة الحوارية للمتحدثين، الذين كان لهم دور بارز في إثراء النقاش وتقديم رؤى معمقة حول المواضيع المطروحة. حيث تفاعل الحضور مع مداخلاتهم، التي تناولت التحديات التي يواجهها الصحفيون في ممارسة مهنتهم، إضافة إلى أهمية وجود إطار قانوني يحفظ حرية الصحافة ويضمن حقوق الإعلاميين. وكانت الجلسة حافلة بالأسئلة والتعقيبات التي عكست اهتمام الحضور ورغبتهم في فهم المزيد حول القضايا المتعلقة بالإعلام والحقوق الصحفية.
وقال الدكتور أنور بن محمد الرواس، الأكاديمي والباحث في الإعلام السياسي، إن بعض وسائل الإعلام في المنطقة تميل إلى التركيز المفرط على الجوانب التنموية، وتسليط الضوء على إنجازات الحكومات والقيادات، وهو توجه يمكن فهمه في إطار دعم الصورة الإيجابية للدولة، لكنه لا ينبغي أن يكون على حساب الاستقلالية والمهنية.
وأوضح أن “الإعلام لا بد أن ينطلق من حاجات المجتمع وتطلعاته، لا أن يُرسم خطابه ضمن أطر رسمية فقط”، مشيرًا إلى أن الإشكالية الجوهرية تكمن في مدى تحكم الأنظمة السياسية في مفاصل الإعلام، وتوجيهه نحو خطاب يخدم مصالح معينة، مما يحد من مساحة الحرية والتعدد، ويُضعف من الدور التوعوي والرقابي المطلوب من الإعلام في المجتمعات الحديثة.

وأكد الرواس أن القوانين والتشريعات تؤدي دورًا محوريًا في تنظيم قطاع الإعلام وتحقيق التوازن بين حماية المجتمع وصون حرية التعبير، لكنه تساءل: “هل تكفي القوانين العامة لذلك، أم أننا بحاجة إلى قانون خاص بالإعلام يُراعي خصوصية المهنة وتطوراتها المتسارعة؟”. وأوضح أن الممارسة الإعلامية اليوم لم تعد تقليدية، بل تشهد تطورًا تقنيًا ومهنيًا يتطلب تشريعات أكثر دقة ومرونة، تحمي الصحفي وتمنحه وضوحًا قانونيًا يعزز من ثقته واستقلاليته، بدلًا من تركه عُرضة لتأويلات القانون العام.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ علي بن مسعود المعشني إن العلاقة بين حرية الإعلام والسلم المجتمعي تستوجب مراجعة عميقة في ظل التحولات الراهنة، مؤكدًا أن الحرية الإعلامية إن لم تكن مؤطرة قانونيًا قد تتحول إلى تهديد مباشر للاستقرار المجتمعي، خصوصًا مع تزايد ما يُعرف بـ”الصحفي المواطن” الذي يتفاعل وينشر دون وعي معرفي أو قانوني، مما ساهم في نشر الشائعات والانفعالات العاطفية على حساب المعلومة الدقيقة والخطاب المتزن.

وأوضح المعشني أن الخلط بين حرية التعبير والفوضى المعلوماتية يمثل خطرًا متصاعدًا، داعيًا إلى فهم الحرية الإعلامية بوصفها ممارسة مشروطة بالوعي السياسي والاقتصادي، وليست مجرد تفريغ عشوائي للمواقف والانفعالات. وقال: “لا يمكن ممارسة الحرية الإعلامية بشكل مسؤول إلا ضمن غطاء قانوني ناظم، يضمن حرية التعبير ويحمي في الوقت ذاته السلم الأهلي ومصالح المجتمع”. وختم المعشني مداخلته بتوجيه دعوة صريحة لإعادة النظر في طبيعة الممارسة الإعلامية في سلطنة عُمان.
وفي مداخلة قانونية تحت عنوان “الضمانات القانونية والتحديات الحقوقية في ممارسة العمل الصحفي”، قدم المحامي الدكتور خليفة بن سيف الهنائي رؤية شاملة حول الإطار التشريعي الناظم للعمل الإعلامي في سلطنة عُمان، وذلك ضمن جلسات الحوار الإعلامي التي نظّمتها جمعية الصحفيين العُمانية الليلة الماضية، في بداية محاضرته، تحدث الدكتور الهنائي عن الدور الهام الذي يؤديه العمل الصحفي في تشكيل الرأي العام وتعزيز الشفافية. وأوضح أن الضمانات القانونية تشكل أساسًا لحماية حرية التعبير واستقلالية الصحفيين، مؤكداً على أن هذه الضمانات تعد ضرورية لضمان ممارسة الإعلام في بيئة صحية وآمنة. كما تناول التحديات الحقوقية التي يواجهها الصحفيون، مشيرًا إلى المعوقات التي تعترض سبيلهم في ممارسة مهنتهم بحرية وأمان.

وركز الدكتور الهنائي في محاضرته على الضمانات القانونية التي تكفلها القوانين الإعلامية في سلطنة عُمان، مشيرًا إلى قانون الإعلام العُماني الجديد كخطوة هامة نحو تنظيم العمل الصحفي. حيث أشار إلى المادة 3 التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وتمنع الرقابة المسبقة، وتضمن حق الحصول على المعلومات وتداولها بشكل مشروع. كما تناول المواد 18 إلى 27 التي تعزز حق الصحفي في العمل باستقلالية، وتحميه من إجباره على الإفصاح عن مصادره.
كما أشار إلى الصعوبات التي يواجهها الصحفيون في الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية، رغم أن القانون يكفل لهم هذا الحق. في ختام محاضرته، قدم الدكتور الهنائي مجموعة من المقترحات لتعزيز الضمانات القانونية وتقليل التحديات التي تواجه الصحفيين. ودعا إلى تعزيز الشفافية لدى الجهات الرسمية وتسهيل وصول الصحفيين إلى المعلومات. كما اقترح تطوير اللوائح التنفيذية لتوضيح ضوابط تطبيق العقوبات وتوفير آليات للتظلم. وأكد على أهمية توفير برامج تدريبية للصحفيين حول حقوقهم وواجباتهم القانونية، من أجل تعزيز مهنية العمل الصحفي.
فيما قال المستشار جمال بن سالم النبهاني عضو اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان ورئيس لجنة الحقوق والحريات، إن اللجنة تضطلع بدور محوري في حماية حرية الصحافة وضمان بيئة قانونية متوازنة للعمل الصحفي في سلطنة عْمان، مشددًا على أن حقوق الصحفيين تأتي في صدارة أولويات عمل اللجنة.
وأكد النبهاني أن اللجنة تتابع باهتمام بالغ أية ادعاءات بوقوع تجاوزات بحق الصحفيين، سواء عبر الشكاوى المباشرة التي ترد إليها، أو من خلال تقارير الرصد الحقوقي. وقال: “نحن طرف وطني فاعل في مراجعة القوانين التي تمس حرية التعبير، ومنفتحون على جميع الإشكاليات التي قد يواجهها الصحفيون في تطبيق قانون الإعلام الجديد”.
وأوضح أن اللجنة تتابع تطبيق القانون وترفع تقارير دورية إلى الجهات المعنية محليًا ودوليًا، مؤكدًا أن السلطنة ملتزمة بتقديم تقييم شامل لقانون الإعلام ضمن تقريرها القادم في الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المقرر في أكتوبر المقبل. وأعرب عن ثقته في مستقبل الحريات الصحفية بسلطنة عْمان، داعيًا إلى شراكة أكبر بين اللجنة والجهات الإعلامية بهدف تطوير بيئة العمل المهني.
وقد شهدت الجلسة الحوارية نقاشات موسعة بين المتحدثين والحضور، تناولت الجوانب القانونية المتعلقة بحرية الصحافة، وتحديات الممارسة في ظل الأنظمة الرقمية، وأهمية بناء خطاب إعلامي مهني يعزز القيم الوطنية ويحمي الحقوق دون الإضرار بالمصلحة العامة. وأجمعت المداخلات على ضرورة تعزيز الثقافة القانونية لدى الصحفيين، وتكثيف جهود التدريب والتأهيل، وتحديث القوانين المرتبطة بالنشر الرقمي، بما يواكب التغيرات المتسارعة في بيئة الإعلام المعاصر.














