أصــداء منوعةقصص ، روايات

رواية : وادي الرمال .. الحلقة 25..

حـمـد الـنـاصـري

 

رواية : وادي الرمال .. الحلقة 25..

 

نهض الجدّ الكبير لحاجة في نفسه وأشار إلى وليد :

ـ أكمل .. أو قُل شيئاً جميلاً.

والتفت إلى الشاب الصغير أزهر وقال :

ـ كن .. ولا تَختلف.؛ فوّض أمرك إلى حيث فوّض وليد أمره؛ وانصرف.

قال وليد للجمع المُتحلّق حوله :

ـ اسْمَعوا وَعُوا .. لم يقرأ التائهون في سِيرة الرّحلة الطويلة في أعماق الوادي ولا في سِيرة القريتين ولا في القوة المُلهمة لرجال قرية مجن الكبرى، ولا ريْب، فقد اندهش الغُرباء بمجن المُحصّنة برجالها واصْطدم التائهين بجدار قرية مَجن، ولم تنفعهم فلسفات الغُرباء ولا صَيحات المأجورين.

وبدت العلاقة بين قرية مجن الساحلية وقرى الوادي أكبر قوة وأوقفتْ طُغيان التائهين، وكانت الصدمة أكثر قسوة حين وجدوا علاقة مجن بقرى الوادي صَلبة كجبال القريتين، وعتيدة كصخور قرية مجن الساحلية، وكانت عاصفة بحر مَجن العميق أشدّ هوجاً من غُثاء مَكرهم وأشدّ صَلابة من خبثهم، فخشي التائهين أن يفتضح امرهم ويُكْتَشف كذبهم، وينتشر عدائهم وبُغضهم.

قال رجل ذي جِفْنين بارزين مُقاطعاً :

ـ يا سيّد وليد هويّة تاريخنا المُفرّق لن يُجمع إلاّ بأيْدينا، وأنّ نصوصاً أمينة وصادقة أثبتت أنّ وقت العودة سيحلّ قريباً، تاريخنا حصيلة مرجعية لم يُفرّق ولن يَتفرّق، عودة التاريخ، ذلك ما يُخيفهم، ولأجل ذلك ـ التائهون ـ سَلموا أمرهم للغرباء، باعوا الأرض وقبضوا الثمن بالتنازل عنها!.

قال رجل من القرية الناشئة هامساً لذي الجفنين البارزين :

ـ صرنا نخاف من كل شيء.. وينتابني تفكير شَراني.. ماذا لو خرج علينا رجال القرية المكينة والعتيقة وحاصرنا الرجال من كل حَدب وصَوب واتّفق معهم رجال قرية مجن الكبرى، فهل سَتنفعنا مُطالبات الانفصال واختلاق حكاية الاستقلال في أرض ليستْ أرضنا وتُراب ليس مُلكنا؛ والسؤال الأهم: من الذي يَستخلف أرضنا من بَعدنا.. هل هُم الغُرباء أم الذين أثاروا الفتنة في وادي الرمال؟.

قال وليد بهدوء :

ـ أيها الناس .. مجن بلدة طيبة ولها مُلك عظيم، ولها في الرمال إرث كبير وتاريخها مُشرّف ولها مقام كبير ورجالها يَحسبون كل شيء بدقة ويُحصونه كإحْصاء ثمر الشجر، وأقول لكم جميعاً، أنّ رجال مَجن الكبرى لنْ يَنسوا تاريخهم العميق.

قال الصغير أزهر :

ـ وعلى ما ذكر جدّي الكبير في حديثه ذات مرة ، أنّ الغرباء نهبوا خيرات رمالنا وكنوز جبالنا وأعماق وادينا، وفرّقوا مُلك مجن الكبرى ـ وأشار إلى الغرباء وإلى التائهين ـ إنّ تحقيق نفوذكم على ساحل مجن الكبرى.؛ لن يأتي قريباً ولن يتحقق بعيداً.؛ وسرد قصة ، حُلم الغرباء وخيانة التائهين ، فقال الغرباء، سنريكم ما لا ترونه.؛ سنجمع جزءاً كبيراً من تاريخ مجن المُتفرق وسنضعه في كتاب لكم، سيكون مرجعيتكم التاريخية، سنجمعه لكم من مرجعيات مَبثوثة وإنْ كانت مُهترئة.

قال رجل آخر ذو عينين غائرتين، بغضب :

ـ لا نحتاج إلى أي فلسفة زائدة تُهوّن من أمر الرجال، وتُضعف من سيرتهم، وتأخذهم إلى التقاعس والخذلان ولا حاجة لنا إلى نصائح باهتة.. لا غرض لنا بها.. نحن نعرف مَن ليس معنا؟.

أما الذين أحدّثهم ـ وأشار إلى الجمع ـ أقول لهم ليس أمامكم ولا وراءكم غير صناعة تاريخ لكم، بالطريقة التي تجدونها مبسوطة وهيّنة؛ فأنتم جزء من ذلك التاريخ، ونشترك فيه جميعاً، ولا نأخذ غير حقّنا ولن نَعتدي على أحد ولا نمدّ أيدينا إلى ما ليس لنا به حقّ؛ مَصالحنا مرتبطة بهويتنا وشراكتنا التاريخية جزء مُهم نتقاسمه ونشترك فيه، بل هو الأهم ـ في نظري ـ ولنْ نقبل بالتبعيّة، فهويتنا كوجودنا وتاريخنا هو مُرادنا واهتمامنا؟.

كان آبائنا في القِدَم، يذرعون الرمال ويَقطعون الطريق، وكان رزقهم من القوافل، كانوا شُجعاناً بفراستهم، يعَرفون كيف يُدبّرون أمرهم، ويُدكّون الأرض دكاً، يَفعلون ولا ينتظرون.؟ فإياكم والخنوع والتكاسل، قوموا واصْنعوا لأنفسكم تاريخاً، فإنْ لم تفعلوا فسوف تسخر منكم الأجيال اللاحقة.؛ وتأكدوا أنّ التخاذل كالأفعال المُهينة، تبقى صِفة مُعِيبة قد تلحق بكم، وإنْ لم تفعلوا فستبقون في نظر غيركم قوم تائهين، تلك صِفَة ألصقها أهل مجن وأشاعوها في قرى وادي الرمال.

صرخ ذو الجفنين البارزين :

ـ أعْلم بأنّ رُعْبها يَهزّكم وأعلم خوفكم من العلّة تلك.؛ ولذا أحذركم، أننا لن نقف مكتوفي الايدي، ولا نُقيّد افكارنا ولم نُسَلّم ارضنا لاحد، والغرباء مصيرهم الزوال ولن ينفعوكم، حتى وإنْ جعلتم مجنَ سيوحاً مُقفرة ـ أنتم وغُرباؤكم عاجلاً أو آجلاً، زائلون.

سحب ذو العينين الغائرتين نفساً عميقاً وزفره مرة واحدة .. وهزّ رأسه بتحد صارخ وقال :

ـ حقوقنا لن نتخاذل عنها.

قال ذو الجفنين البارزين :

ـ السُوء مردّهُ لأهله؛ وإنْ بَلَغ لا يأتي بنتيجة.؛ احذر أنْ تُصَعّد الامور إلى نقطة الانفجار.. اهدأ قليلاً واتّعظ.؛ فلا الجدال خير فيه ولا الانفجار فيه صَواب!.

تفرّق الرجال في مآخذهم وتشتّت أفكارهم وانسحب الذين اختلفوا ولم يبقَ في جلسة وليد غير مجموعة قليلة دأبتْ الاستماع إلى حديثه الشيّق.

*****

قال رجل عليه شارب كبير مُقوس على لحية خفيفة، من أشَدّ أعداء قرية الوادي وألدّهُم حقداً على قرية مجن :

ـ نحن رجال القرية الناشئة مُستعدون لبقائها وصامدون من أجل تاريخنا، ولدينا ما هو أكبر من ذلك، مزرعة “القريتين” هي وحدها من ستأتي بساحل مجن وشطر الوادي.

تحمّس رجل ذو ضروس بارزة وعلا صوته :

ـ إنها فكرة شريرة.

قال الرجل ذو العينين الغائرتين :

ـ أشكر الرجال الذين باعوا أموالهم، وجعلوا الأمر في قبضتهم، يلومُونني، لماذا تتفق مع الغُرباء ؟ ولم يُدركوا أني من أشدّ المُتحمسين بالانفصال عن قرية مجن؛ ذلك هو اهتمامي ؟ فالقائد يتمتّع بغموض لا يكشفه لأحد غيره.

قال أبو الضروس البارزة :

ـ نحن ندعم توجهكم بقوة، إذا كانت إرادتكم في إنشاء قرية جديدة على غرار مجن الكبرى؟.

قال أبو العينين الغائرتين :

ـ تركيزنا على مرحلتين، استهداف كبار رجال القرية والاستيلاء على عتادهم وسلاحهم .. اختيار مَن نثق به من رجالنا ليكونوا على ثقة بالمكان ودورهم تأمين ما تم اسْتهدافه.

قال أبو الضروس البارزة :

ـ ونحن معكم، نخَلْق فوضى بين أفكارهم وآرائهم، وإبقاء القبلية في الداخل واستنكارها ظاهرياً ودفعها إلى مُنزلقات لا جدوى منها ودعمها برجالنا المندسين في قرية مجن.

قال الرجل ذو الشوارب المقوّسة على لحية خفيفة :

ـ أنا تحمسّت للفكرة .. ولكن لا أوافق على أية تعديلات في الشواهد التاريخية أو حتى على الأسماء والرموز.

قال أبو الضروس بغضب :

ـ لماذا ؟ .. عقّب ذو الشارب المقوّس على لحيته :

ـ انتبهوا، مجتمع مجن، له وزنهُ وقيمهُ، وله قيادة لنْ تُخترق بفضفضة مجالس، فإن أظهرنا ما يُريبهم، فذلك حقاً هو الفشل ؟ وكما أعلم أنّ أهل مجن بهم خواص من الشهامة المُبهرة، ولديهم سِمات أخلاقية ما يفوق تصرّفنا غير اللائق.

قال الرجل ذو العينين الغائرتين بصوت فيه حشرجة :

ـ إذنْ ما هو العمل في نظرك، ارسم لنا قوة التأثير لكي نستطيع التغلغل في أعماق مُجتمع مجن، دُلّنا ـ عاجلاً ـ ولا تبخل.

قال الرجل ذو الشارب المقوّس :

ـ من يعدّ نفسه في مركز القيادة هو الذي عليه أنْ يبحث عن حلول ويدعم النقاط المهمة، ولتعلموا جيداً أنّ مِن أصْعب المُعادلات في وادي الرمال رجال مجن.

قال الرجل ذو الجفنين البارزين :

ـ أنا مع أبي الشارب .. ما الفكرة المُستفادة من واقع الصراع الغامض مع قرية مجن الساحلية؟.

قال أبو الشارب المقوس :

ـ أتفق مع أبي الجفنين، فقد قصّ عليّ أحد كبار البحارة من الغُرباء وكانت لهجته أقرب إلى لغة أهل الساحل، فقال واصفاً بحر مجن .. ساحل طويل يَبدو جميل ومُرعب كلما امتدّ نظرك إلى أعماقه، والبحر امتداد لأعماق بحر الظُلمات.!

وقد قرأتُ منذ سِنين وأنا شغوف بالقراءة في الكتب والمرجعيات التاريخية ، بأنّ قرية مجن الكبرى أطرافها مُترامية وقوتها امتداد في بحرها ، ومُلخص ما استدلّ به ، أنّ القرية عتيقة المكان وعميقة الازمان ، فأهل مجن امتهنوا البحر واتخذوه حرفة وصِناعة ، ولأجل ذلك العمق البحري البعيد ظهر ملك تسيّد البحر وما ورائه، ويُعتقد أنّ ، كلمة “ما وراءه” تعني، كل عُمق لا يُعرف كنهه، وأشارت إليه المرجعيات ، بأنه بحر الظُلمات الذي لم يكتشفه بحّار قبلهم ، وكان ملك البحر قد سَبر بتجربته أغوار البحر وصَال فيه ومَخر عبابه وجَال في اتساعه عَرضاً وطولاً، وساد البحر؛ وذكرتْ بعض المرجعيات التاريخية، أنّ الرمال والأودية والجبال والسُهول ، تنطق باسم قرية مجن وقد عُرفتْ قديماً بمجن الكبرى !، والحقيقة لقد دوّنت ملاحظاتي وقراءاتي في كتابي المُسمى “شواهد من ساحل مَجن”.

قال الرجل ذو العينين الغائرتين :

ـ يا رجل .. على هونك .. استرسلت كثيراً، فخفف علينا، واترك عنك الصلابة، فالريح إنْ عَصفت واشتدّت لا تعرف ساحلاً ولا ظِلالاً ولا مركباً، ولا جبلاً ولا صخرةً، وتأكّد بأننا عازمون على أنْ نُغْرِقَ الجميع بلا استثناء؛ انتبه وكن معنا!.

قال أبو الجفنين البارزين مقاطعاً :

ـ أتظن، ذلك من السهل بمكان، أنْ تُمرر شرورك على رجال قرية مجن الساحلية ؟، وهل تعتقد أنّ الأفكار التي في عقلك يمكن تطبيقها على الواقع ؟؛ قرية مجن تاريخ مكين وليست مجرد تاريخيات سردية، ولا هي وليدة اللحظة، إنّ الفكرة البغيضة، غير مَضمونة العواقب! فانتبه.

قال أزهر الصغير :

ـ إفهم أيها الرجل النبيه، تاريخ مَجن صحيفة كونية لا توصيف لها ، وأحداثها وثائق تُقرأ من شُموخها، وعرف اسمها من حكاية النشأة الأولى! ورجالها ونساؤها ملحمة لتاريخ طويل وبلا تُرّهات غريرة؛  وأعجب من مرجعيتنا التاريخية، مرجعية سيرة وادي الرمال لم تذكرهم بسيرة ماجدة، بينما نجد القرية ورجالها في مرجعيات الغرباء قد كُشف عنهم اللثام وقد وُصفوا بأنهم رجال من الصُعوبة بمكان أنْ تُغيرهم أقاويل تائهة أو تُختلق في فهمهم قصص عابرة ؟ وقد عبّر سيدي الجدّ الكبير في حديث ذات مرة حول تاريخ أهل مجن : بأنه تاريخ كثرتْ حوله الأقاويل غير المُحقّقة، وخُلقتْ الحكايات ضدهم إفْكاً، ونُحتت كالرسم كذباً، ولم تبقَ غير شآبيب فيها من الخطورة ، أخذتْ تَنشط في مجتمع قرية مجن؛ ثم سكت جدّي وظننتُ أنه لن يتحدث مرة أخرى، ثم قال مُعلّقاً بحكمة : “ليس أضرّ على الأفكار من نُطق اللسان”؟.

قال الرجل ذو العينين الغائرتين:

ـ لا حاجة لنا إلى فلسفة أحد ولا إلى اختلافات مُبطّنة؛ ومن البديهيات أنْ تحدث شُقّة وقسوة، في تصدير واقع مثل هذا الواقع المُختَلَف فيه، ونحن عازمون على الهدف وفي جاهزية كاملة من أجل بقائنا، وقريتنا الناشئة من أولويات اهتمامنا وسنعمل على تصحيح انتمائنا وتكوين وحدة مُستقلة بنا.

قال الرجل ذو الجفنين البارزين :

ـ على رِسْلك أيها الرجل، كن واقعياً إذا تحدثت، وعلى هونك إذا أبلغت، لا تكن صَلْفاً، إجعل الحياة هادئة، لا تضع نفسك في منزلة القوي الكبير وأنت أضعف من نملة شجرة الوادي.

قال أبو الشارب مقاطعاً :

ـ إنْ وضعت رجالك في مُواجهة رجال مجن، فإنّ التضحية خاسرة، وإنّ الانفجار مُؤلم.

ـ لماذا ؟! قال أبو العينين الغائرتين.

عقب أبو الشارب :

ـ دَعْني الْتمس لك عذراً .. إبحث عن فكرة مُلائمة لا تُهلَك فيها، وأخشى أنْ يكتشف الرجال سوء نيتك ومكرك؛ ثم من هو المُنتصر؟

ـ ….. لم يرد ولم يُعقب .. أبو العينين الغائرتين.

فقال أبو الجفنين، مُتعجلاً :

ـ الحرية ـ يا رفيقي ـ ليست وشاحاً تضعها على جسدك النحيل، وليست سِلعة يُمكن أنْ تُقايض بها أو بضاعة يُمكن أنْ تُساوم عليها.

نهض أبو العينين الغائرتين غاضباً ونظر إلى أحد رفاقه الذين يثق بهم وقال :

ماذا أعددتم لمواجهة رجال قرية مجن؟.

توقف الرجل عن الردّ برهة وتلعثم :

ـ أعددنا ما أمرتنا به؛ العمل لا يزال قائماً، والخطة كالتالي : نقل البشر عبر الساحل إلى القرية الناشئة .. يَتسلل رجالنا في مراكب صَيد .. يقوم الغرباء بإخْفاء صناعات أهل مجن وإشعال النار فيها؛ والخطة التي بَعدها، يُفْرغ الغرباء مخازن مجن .. نقوم بنقل الأحجار والسيوف والخناجر والسكاكين عبر قرى الوادي المتاخمة لمجن؛ والثالثة، يتوغل الغرباء في مجتمع مجن ونحن من ورائهم نُساندهم ثمّ يقدم الغرباء الهبات لبعض رجال مجن؛ يقوم فريق منهم بنشر خبر يُثير الجدل، بأنّ لُصوصاً وقُطّاع طُرق ومُجرمين وقراصنة وُجدوا على مشارف ساحل قرية مجن، وعلى الساكنين أخذ الحيطة والحذر حتى نطمئن على سلامة الجميع، والرابعة، يقوم فريق من الغرباء بحرق مزارعهم ومحاصيلهم بقصد تجويعهم، والخامسة، يقوم رجالنا بإمداد القرى القريبة بكل ما يمكن دعمه لهم، والسادسة نُرسل آذاناً لنا ليتحسّسوا أوضاع مجتمع مجن؛ ثم يقوم رجال آخرون بالتجسس بينهم ونقوم بتقديم هباتنا عن طريق الشراء لرجال لنا على اليابسة؛

قال أبو العينين الغائرتين :

ـ وهل تظن أن النتيجة مضمونة ؟ وكيف نضمن سير الخطة؟.

قال الرجل الموكلة إليه المهمة :

ـ الخطة غير مسبوقة في وادي الرمال؟.

ـ ثم ماذا ؟ قال أبو العينين الغائرتين.

ـ ثم نُحكم قبضتنا على الساحل ونُثير الفوضى.

قال أبو الجفنين البارزين :

ـ خطة فاشلة .. آثارها باقية لا تمّحى.

انحنى أبو العينين الغائرتين إلى الرجل الغريب ، وضع في باطن يده صرّة؛ وقال :

ـ إنها أولى الصفقات.

عقّب أبو الجفنين في غضب :

ـ الدّس صِفَة مُجرّمة، وسرقة الموروث والتقاليد والقِيَم من قرية مجن الكبرى ليس من أخلاقنا، ولا من قيم مجتمع وادي الرمال، ونحن عنكم مُعتزلون.

قال رجل غريب ذو أنف عريضة وقد مدّ يده إلى أبي العينين الغائرتين :

ـ اتفقنا؛ عملنا كالتالي، نقوم بمدّ الفوضى إلى وادي الرمال، بطريقة بطيئة، وسيكون التركيز على قرية مجن وساحلها الطويل؛ نقطع الساحل ونجزئه إلى قرى ونقطعه إلى أجزاء، ثم بثّ الفوضى وزعزعة القرية وتفرّق الناس؛ ثم يتوقف كل شيء.

قال أبو العينين الغائرتين :

ـ أكملوا حتى النهاية، ولكم مني مزرعة “القريتين” وما فيها؟.

نَهض رجل يتكئ على عصى كبيرة :

ـ لا أخفيكم سراً، أنّ مزرعة القريتين لا يملكها سارق، بل هي لشابين يتيمين، كان أبوهما صالحاً طيباً، وهما من أعْلى أطراف قرية مجن، وهما مزرعتين مُتجاورتين، التصقتا ببعضهما، وامتدادهما كبير، قد يصل حد القريتين العتيقة والمكينة.

والتفت إلى أبي العينين الغائرتين، وأردف :

ـ أنت تعلم يقيناً، أنّ المزرعتين لشابين يتيمين، من أقصى أطراف قرية مجن، فمن خوّلك في التصرف بأموال غيرك؟!.

قال رجل كان قاعداً إلى جواره :

ـ نعم وأنا أذكر القصة .. والأرعن ـ هذا ـ قد سرق مزرعة القريتين؟.

قام رجل أشيب يتوكأً على عصاً كبيرة وتبعه ستة رجال من شباب القرية، واعتزلوا قومهم بمكان لم يُنبئهم إليه أحد، عُرف باسمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى