بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فن الدبلوماسية .. إتيكيت مفاهيم الحديث ومستوى نبرة الصوت..

الدكـتـور/ سعـدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق / عضو جمعية الصحفيين العمانية

 

فن الدبلوماسية .. إتيكيت مفاهيم الحديث ومستوى نبرة الصوت..

 

تعتبر مفاهيم ومفردات الحديث ومستوى نبرة الصوت هو ما يميز كاريزما الشخص من حيث انتقاء الكلمة ولباقة الحديث ووضوح مخارج الاصوات ومعرفة متى يتوقف ومتى يسترسل بالكلام واضعاً في حساباته طبيعة ونوع المكان الذي هو فيه بالإضافة الى نوع الجمهور والاعتماد بصورة كاملة على مهارة الاتصال والتواصل الاجتماعي.

تعتبر مدرستنا الإسلامية سباقة وهي الأولى في هذا المجال حيث حثت على الصوت الهادئ المنخفض وهناك آيات قرآنية كريمة بهذا الخصوص ، وكانت هذه الآية الكريمة ذات دلائل كبيرة في نبرة الصوت حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ …(سورة الحجرات آية 2) وهو مثال ودرس رباني راق وكامل علينا الاقتداء والعمل به لنا جمعياً حيث نبرة ومستوى الصوت له دلالات جوهرية في حياتنا.

تركز المدارس الدبلوماسية بمختلف أنواعها على دبلوماسية إتيكيت الحديث الذي يعتمد صراحة على عدة أعمدة  منها ؛ لغة الجسد/ مخارج الأصوات/ دقة التلفظ/ الجمل القصيرة/ احترام المقابل والسماح له بالتكلم/ علم المعنى/ النحو الصحيح/ معرفة باللغات الأخرى/ عدم التجاوز على المذاهب الدينية/ عدم التجاوز على استراتيجيات ونظريات الأحزاب/ عدم انتقاد سياسة الدول/ التقرب من الجميع والابتعاد عن الكبرياء والتسلط بالكلام/ التهذب بالكلام/ الاستماع الى الآخرين بكل احترام/ التحكم بالعواطف/ الابتعاد عن الغرور والانانية/ تفهم الطرف الثاني بحسن النية والحديث الشيق، بالإضافة الى مفاهيم اخرى نتطرق اليها لاحقاً.

نعرج في هذا المقال على مستوى نبرة الصوت وطبعاً هذا المقال لا ينطبق على الحياة أو المجال العسكري لكون المدرسة العسكرية  تتميز بالخشونة والقوة والصوت العالي مع احترامي العالي وتقديري لكل مفردات المدرسة العسكرية “مصنع الأبطال”.

يعتبر إتيكيت نبرة الصوت من أهم العلامات المدنية الحديثة بفن دبلوماسية الحديث وعلم النفس الاجتماعي، ويقصد بإتيكيت الصوت هو (مستوى ارتفاع وانخفاض الصوت لدى الشخص)، وكانت من أهم الدروس التي تُدرس في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن الثامن عشر لكنه يعكس شخصية الانسان في المجتمع وكلما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة كلما دلل على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه.

ويعتبر إتيكيت الصوت في السلك الدبلوماسي من أحد أهم الدلائل الايجابية للدبلوماسي ورقي معلوماته وحنكته وشخصيته وخاصة في المحافل الدولية وحضور المناسبات الوطنية في ساحة عملهم. إن هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يسمى في العرف الدبلوماسي ( الصوت الملكي أو السلطاني) لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومعبراً بنفس الوقت، وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المجتمع بدءاً من العائلة والتي هي أصغر مكون أو نواة بالحياة الى أكبر المجمعات البشرية وهي الأسواق والمراكز التجارية ومحطات القطارات وصالات المطارات.

يؤكد علماء النفس الاجتماعي وكذلك مدارس البرتوكول والإتيكيت بأن الابتسامة أثناء الحديث مع الآخرين تعطي انطباعاً جيداً عنك، لأنها تعكس جمال الروح  وطيبة القلب وبساطة وتواضع الإنسان وهي سبب من أسباب النجاح والتفوق بالإضافة الى أنه يكون أكثر جاذبية وقدرة على إقناع الآخرين وهي أهم مقومات إتيكيت فن الحديث، وكلما كان الحديث هادئاً ونبرة الصوت منخفضة كلما دلّل على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه، لذلك علينا جمعياً الالتزام  بأهم مفردات إتيكيت فن الحديث وهي :

احترام الراي الآخر/ اختم حديثك بكلمة رقيقة وجمل ودية/ حافظ على ابتسامتك وهدوء أعصابك/ خاطب المستمع على قدر ثقافته/ تجنب استخدام ألفاظ تحمل أكثر من معنى أو كلمات أجنبية/ أفسح مجالاً للطرف الآخر للتعقيب/ راقب ردود فعل المستمع حتى يتبين مدى فهمه واستقباله لحديثك/ تأكد أن يكون توقيت ومكان الحديث مناسباً جداً ومستنداً على الحالة النفسية الهادئة للمستمع لتقبل حديثك/ تجنب الحديث في كل من (السياسة، الأحزاب، الدين والمذاهب، الجانب المالي، النكات والمزح التي تمس الدين)/ تجنب نبرة الصوت العالية في (العمل، الاجتماعات، اللقاءات العائلية) لأنها تعكس صورة سلبية عن شخصيتك/ الشخص أكبر منك عمراً يجب أن تعطيه فرصة للتحدث ولا تقاطعه أو تمزح معه أو تقلّل من شأنه/ من الضروري جداً اختيار الموضوع أو الحديث حسب عُمر ووظيفة  الشخص المقابل؛ فليس من المستحب أن تتكلم مع رجل الدين بآخر صيحات الأفلام السينمائية/ علينا النظر إلى الشخص ونحن نتكلم معه وإن كانت مجموعة/ علينا توزيع النظرات عليهم/ تجنب الحديث أثناء مضغ الطعام/ عدم إثارة مواضيع سياسية أو طائفية تثير غضب الطرف الآخر أثناء مأدبة الغداء أو العشاء/ نؤكد على  إختيار مستوى نبرة الصوت مع تجنب الصوت العالي والانفعال وإثبات شخصية “الأنا”؛ لأنه يعطي انطباعاً سيئاً؛ فالصوت المرتفع لا يفرض رأياً، ولا يقنع شخصاً/ جُمل آداب الاستئذان مرغوبة بعد انتهاء دعوة (الغداء أو العشاء) على أن تغادر بعد شرب الشاي بفترة لا تزيد عن نصف ساعة؛ حتى لا تتحول الجلسة الى نقاشات لا معنى لها هويتها “النميمة والغيبة”، والمناقشات الحادة/ عليك الاعتماد كثيراً على علم المعنى، والكلمة، النحو، وأخيراً الوظيفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى