أصــداء منوعةقصص ، روايات

جريمة على شاطئ العشاق .. الفصل الخامس عشر .. الذكريات..

فـايـل الـمـطـاعـنـي

 

جريمة على شاطئ العشاق ..
الفصل الخامس عشر .. الذكريات..

 

“نعم انا زوج بارع ولكني عاشق فاشل”..
الدكتور ( غازي بن محمد)..

جلس الدكتور غازي على الأريكة البيضاء التي تتوسط مكتبه الفخم، وأخذ يردد بصوت أشبه إلى الهمس: سوف آخذ غفوة ريثما يأتي المحاسب علي ويطلعني على أخر أخبار السلفة التي نطلبها من البنك، ورفع صوته قليلا و هو يضرب الطاولة بأصابع يده دلالة على توتره : عبدالعزيز قد وعدني بإعطائي سلفة حال موافقتي على زواجه من منال، ولكنه أخلف وعده وتركني حائرا لا أدري ماذا أفعل، الأموال التي المفروض أن نصرفها على تجديد المستشفي وشراء أجهزة جديدة حديثة صرفتها كلها على لعب القمار.
على أساس أعوض الخسارة وإذا بي أخسر مجددا يا لي من مقامر تعس والآن ما العمل؛ لقد خذلني عبدالعزيز ولم يوف بوعده ؛ وتركني عرضة للفضيحة والتشهير والدَّيْن أيضآ ؛ والمستشفى على وشك الانهيار، وإن كانت سمعتي كطبيب ماهر ممتازة ولكن أيضا طبيب بلا أجهزة حديثة تساعده لن ينجح في شيء وأخذ يفتشَ في محفظته عن رقم المحاسب علي ، وإذا به تصطدم يده بصورة قديمة قد حشرت في محفظته كأنما يحمل ذكرياته ، وكانت الصورة تجمعه بفتاة في بداية العشرينيات من عمرها كانت ذات شعر أسود طويل وذات عينين واسعتين ولون خديها يحاكي الشمس لحظة غروبها.

استلقي الدكتور غازي على الأريكة الوثيرة وألقى برأسه إلى الخلف وأخذ ينظر الى الصورة التي أخذت له في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، وفي لبنان كان كل عام يقضي الصيف في مدينة طرابلس ، عند خالته ، وأخذ يتأمل الصورة ملياً ، وكانت الضحكات تجمعه مع ليلى عزالدين وهما في قارب يتجولان قرب قوس النصر اللبناني متجهين إلى مغارة جعيتا ، وأخذته الذكريات إلى المزيد من المشاهد التي لم تختف رغم تقدمه بالعمر ؛ كانت بيروت في تلك الايام مقصد عشاق الحياة وطلاب ملذاتها ، وكانت مهرجاناتها من أجمل المهرجانات وخاصة التي تقام للسيدة فيروز في بيت الدين ، وايضا مهرجان بعلبك الذي كان يستضيف مطرب المهجر طوني حنا وأخذ يتذكر شارع الحمراء والسهرات الليلية مع رفيقته الصيدلانية ليلى عزالدين التي تعرف عليها عندما كان في مدينة زحلة عاصمة البقاع يتجول وعرفت أنه خليجي وأن والدته لبنانية.

ومنذ تلك اللحظة أصبحت مرشدته في لبنان ؛ كانت أجواء لبنان أجواء الحرية وفيها صخب ، والحياة هناك ممتعة فكان كل صيف يذهب إلى لبنان ، ويلتقي مع حبيبته بشارع الحمراء ويكون في ضيافتها حتى مغادرة لبنان.

وضحك وهو يتذكر عندما أوقفته دورية للجيش اللبناني يمشي مع حبيبته على جسر البردوني وسلموهما للدرك* اللبناني الذي أعادهما إلى زحلة ، وبعدها ظهر تكدر فجأة على تقاسيم وجه ؛ فلقد أخذته الذكريات الجميلة بعيدا وقال : الله يسامحك يا ليلى لو أخذت بنصحتي وأجهضتي الحمل لكنت الآن معي ، ولم أضطر إلى الهروب منك ، لقد أجبرتيني على الهروب من لبنان بأكمله ،
ولكنك تمسكتي برأيك ولم تجهضي الطفل كنت تقولي : أريده لكي يذكرني بك وكنت مستحيل أقبل أن يكون الطفل حيا نعم أدري لقد ارتكبت حماقة وأنانية ولكن كنت شابا طائشا وأخذتني سكرة الحب ومتعته.
وفي أقل من ساعة كنت قد حجزت تذكرة لمغادرة لبنان والرجوع إلى عمان ولكن مهلا لم تنته الحكاية فقد أبرقت لي برسالة تقول فيها : لقد هربت مني ولكن لن تهرب من ابنتك أو ابنك ، وفعلآ لم أرتح منذ ثلاثين سنة ، وأنا أتعذب وأبحث عنك لكي أعتذر لك ولا أعلم هل أنجبت ولدا أو بنتا أم لم تنجبي أو ان الطفل قد فارق الحياة ، ولكن منذ سنة.
واعتدل الدكتور غازي في جلسته ، وقال بصوت أشبه بالعزف على معزوفة حزينة : منذ عام تعرفت على دكتورة شابة تقريبا مقاربة لسن ابنتي منال.
لا أدري ماذا أقول ، ولكنني أنجذبت إليها ؛ هناك شيئ ما جعلني أنجذب إليها ؛
لا أعلم ماهو ؟ ثم وضع نظارته الطبية الأنيقة فوق الطاولة الزجاجية ، وأضاف قائلاً : هي تشبه ابنتي والغريبة لديها نفس الشامة التي لدى ابنتي وأيضا في خدها الأيسر ،وهذه الشامة موجودة لدي ووضع يدها على ذقنه وهو يقول وبصوت هامس : يا تري ما حكاية تلك الفتاة اظن اسمها كان هادية أو هداية أو…… نعم تذكرت الآن ؛ إسمها هدى !.
الدكتورة هدى يا ترى ماحكاية تلك الفتاة معي ؟ هل هي مراهقة الستينات ههههههه؟
ونظر إلى ساعته وقال بتأفف : أين المحاسب علي ألم ينته من اجتماعه مع أعضاء البنك ؟!
ونظر إلى التاريخ وقال : اليوم عيد ميلاد زوجتي سوف أذهب إلى سوق مطرح لإحضار هدية مناسبة لها ؛ فأنا كل عام أحتفل بعيد ميلادها ، وقال ضاحكاً : إنني زوج رائع وحين تذكر حبيبته ليلى أضاف قائلاً والحزن يغلف وجهه ويعيد الصورة إلى محفظته : ولكنني عاشق فاشل.

يـتـبـع…

* الدرك : الشرطة اللبنانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى