أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

إرشاد الموهـوبين .. هـدف وغاية..

الدكـتـورة/ سـلـوى سـلـيـمان

خبير تربوي ، استشاري اكتشاف ورعاية موهوبين

 

إرشاد الموهـوبين .. هـدف وغاية..

 

يُعَدُّ الموهوبون ثروةً وطنيةً، وكنزاً لأمتهم ، وعاملاً من عوامل نهضة مجتمعهم في مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية ، ومن ثمّ، فإنّ استغلال قدراتهم استغلالاً فكرياً وتربوياً يُعد ضرورةً حتمية.

فالموهوبون والمتميزون في أغلب المجتمعات ، هم الذين تقوم على كواهلهم نهضتها ، فهم عقولها المدبرة ، وقلوبها الواعية ، وواضعو الأهداف وراسمو خطط تحقيق تلك الأهداف ، ومنهم يظهر القادة في مجالات الحياة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والسياسية والخدمية.

وفي الحقيقة أن أغلب الطلبة الموهوبين قد لا تكون لديهم القدرة على أن يشقوا طريقهم بأنفسهم ، على الرغم من امتلاكهم لبعض القدرات ، إلا أنّ معظمهم لا يستطيعون إظهار هذه المواهب ، وتطويرها دون مساعدة الآخرين ؛ فهم بحاجة إلى خدمات أكاديمية وكذلك انفعالية من خلال فهمهم وتقبلهم ودعمهم ، وإرشادهم.

وقد بدأ الاهتمام بالحاجات الإرشادية للطلبة الموهوبين متأخراً بأكثر من ثلاثة عقود عن بداية الاهتمام بحاجاتهم التربوية أو التعليمية ، ويعود الفضل بداية في إثارة الاهتمام بحاجاتهم الإرشادية للباحثة والمربية “ليتا هولينغويرث” التي ساهمت دراساتها في تسليط الضوء على هذه الفئة كإحدى فئات ذوي الحاجات الخاصة من الناحيتين التربوية والإرشادية ، وقدأكدت على وجود حاجات اجتماعية وعاطفية للطلبة الموهوبين ، وعلى عدم كفاية المناهج الدراسية العادية وعدم استجابة المناخ المدرسي العام الذي يغلب عليه طابع الفتور ، وعدم المبالاة تجاه الطلبة الموهوبين ، بالإضافة إلى وجود فجوة بين مستوى النمو العقلي والعاطفي لهؤلاء الطلبة حيث يتقدم النمو العقلي بسرعة أكبر من النمو العاطفي ، كما أشارت إلى ضياع 50% أو أكثر من وقت المدرسة دون فائدة تذكر بالنسبة للطلبة الذين تبلغ نسبة ذكائهم 140 فأكثر.

وعندما بدأت حركة الاهتمام بتعليم الموهوبين ، أشارت معظم الكتب والدراسات إلى أن الموهوبين يوصفون بالقدرة على التكيف الاجتماعي والانفعالي المرتفع ، مقارنة مع أقرانهم ذوي القدرات المتوسطة ، ونتيحة لذلك كانت حركة الاهتمام بالحاجات الاجتماعية والانفعالية لهذه الفئة بطيئة نسبياً ، بالمقارنة مع الاهتمام بالنواحي الأكاديمية ، بالإضافة إلى وجود بعض المعتقدات الاجتماعية الخاطئة عنهم ، تتمثل في أنهم فئة متميزة ، وقادرة على شق طريقها في الحياة بقوة ويسر ، ولا يمكن أن تتعرض للمشكلات ، وهي الأقدر على تطويع البيئة المحيطة ، والتكيف معها بشكل أفضل من الآخرين.

ومع تطور حركة تربية الموهوبين ، وتطور الاهتمام بحاجاتهم الانفعالية والاجتماعية ، زاد الاهتمام بهم ، ليكونوا أعضاء مساهمين وفاعلين في تطوير مجتمعهم ؛ إلا أن هناك نسبة لا بأس بها منهم تعاني من تدني التحصيل ، ومنهم من يعاني من الاكتئاب ، وغيرها من الضغوطات التي قد تنبع من وجود معتقدات غير منطقية تدور حولهم وحول مواهبهم ، وما يتبعها من ممارسات قد تشكل ضغطاً على مثل هؤلاء الطلبة ولا تسهم في تلبية حاجاتهم.

وعندما يقترب الطلبة الموهوبون من إنهاء المرحلة الثانوية ، يتدخل التربويون والوالدان فيما يتعلق بالدراسة الجامعية واختيار مهنة المستقبل ، حرصاً منهم على أن لا تضيع مواهب أبنائهم ، إذ يرى هؤلاء الراشدون أن هناك مهناً معينة يستحقها الطلبة الموهوبون كالطب ، والهندسة ، والمحاماة ، بينما ينبغي على الطلبة الموهوبين أن لا يتوجهوا لمهن مثل التدريس ، والإرشاد ، والعمل الاجتماعي ، والتمريض ، مما يشكل مصدراً للضغط على الطلبة الموهوبين.

وتُعد عملية تخطيط الوالدين للمهن التي سوف يمتهنها أبنائهم الموهوبين مستقبلا عملية صعبة ، فهم لا يعرفون عادة ماذا سيفعلون “بقية حياتهم” ، وعلى الرغم من نجاحهم وتفوقهم أكاديمياً إلا أن ذلك لا يعني أن لديهم خطة حول مهنة المستقبل ، فقدراتهم وطموحاتهم قد لا تتحقق في أعمال هادفة أو مخططة.

وفي الأخير .. التلاميذ الموهوبون فئة خاصة مميزة تحتاج بعد اكتشافها وتحديدها الى رعاية متكاملة ، ويتطلب الأمر إرشادهم ، وليس التدخل المفرط في اختياراتهم ، لذا يجب أن نترك لهم زمام الأمور كي يشعرون بذواتهم ، ويخططون لمستقبلهم بكل استقلالية ، فهؤلاء يفكرون ، ويتصرفون بطرق متقدمة ومختلفة عن الآخرين الذين هم في سنهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى