أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

لماذا تصر حركة طالبان على السلام مع جيرانها ؟! ولماذا سيولد نظام افغاني يشبه النظام الايراني؟!..

الكاتـب/ سـمـيـر عـبـيـد

خبير ومحلل سياسي – العراق

لماذا تصر حركة طالبان على السلام مع جيرانها ؟! ولماذا سيولد نظام افغاني يشبه النظام الايراني ؟!..

1- تعتبر افغانستان من حيث التاريخ السياسي مقبرة لجميع الغزاة، وذلك بسبب ظروفها المناخية والجغرافية الصعبة، وبسبب عزة وكبرياء الشعب الأفغاني الذي يقاتل حتى وإن كانت معدته فارغة ومستقبلة بلا ملامح؛ فالمهم كرامته وهو السر الذي جعل حركة طالبان تنتصر على أمريكا.

2- وعلينا أن لا نقفز على شريحة الشباب في داخل حركة طالبان التي تعلمت وتطورت سياسياً وفكرياً ودبلوماسياً، وفهمت اللعبة السياسية؛ فأخذت زمام المبادرة بالمفاوضات الطويلة والحوارات؛ فحقّقت تعبيد الطريق للنصر النهائي، وأضافت عليه بعض الحنكة والحكمة والذكاء؛ فدخلت العاصمة كابل بلا قتال؛ فخطفت الحكم مقابل تعهدات للعالم، والعالم ينتظر هل ستفي حركة طالبان بتعهداتها ؟! والجواب في ذمة الأيام المقبلة..

نظرة جيوسياسية لأفغانستان..

ولو نظرنا الى الخارطة الجغرافية والسياسية  لأفغانستان فسوف نرى :-

1- سوف نرى أن أفغانستان أشبه بالمانع الجغرافي المعقد والفاصل بين الكتلة “السنّية” المتمثلة بباكستان من جهة ، وبين الكتلة “الشيعية” المتمثلة بإيران من جهة أخرى، وكذلك باتت الحد الفاصل بين القنبلة النووية السنّية الباكستانية، وبين المشروع النووي الإيراني الذاهب إلى القنبلة الشيعية الإيرانية (والتي سوف تحققها ايران ليُفرض التوازن الأمني والطائفي والمذهبي) خصوصا بعد حكم أفغانستان من قبل حركة طالبان؛ فصار لزاماً ولادة توازن نووي بين باكستان وإيران وبالعكس، ونتوقع حصول ذلك!!.

2- أفغانستان بطبيعتها ومنظرها الجغرافي جعلها بحاجة ماسّة الى جيرانها جميعا “لأنها دولة بلا منفذ بحري ، بل بلد مخنوق بدول وهي (الصين ، باكستان ، إيران ، تركمانستان ، أوزبكستان ، طاجيكستان ووراءها قرغيزستان)”.

ومن هنا ركزّت وتركز حركة طالبان على الهدوء مع جيرانها. واطلقت وتطلق تعهداتها بأنها لن تكون منطلقا للشر والايذاء بجيرانها. والسبب لأنها هي التي سوف تخسر الكثير في حالة استعداء جار من جيرانها !…..وانها عندما تصر وتعلن على علاقاتها الجيدة جدا مع الصين والتي تعول عليها الكثير في اعمار وتأهيل أفغانستان فهي هنا ترسل رسالة مزدوجة وبنفس التوقيت  الى ايران وروسيا لانهما حلفاء الصين أصلاً.

3- ولو نظرنا إلى الدول الست المجاورة لأفغانستان؛ ففيما بينها اتفاقيات استراتيجية واقتصادية وأمنية :

* أ. فمثلاً لو تخاصمت حركة طالبان مع ايران فسوف تخسر الصين وروسيا.

* ب. ولو تخاصمت مع الصين سوف تخسر إيران وروسيا.

* ج. وإن تخاصمت مع روسيا سوف تخسر الصين وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان!!.

* د. وإن تخاصمت مع باكستان سوف تتحرك ضدها حركة طالبان الباكستانية، وسوف تتبنى باكستان المعارضة الأفغانية ضد طالبان، وستحصل باكستان على دعم من واشنطن ضد طالبان لأن واشنطن حليفة لإسلام آباد .. ولهذا سارعت باكستان بإبداء حسن النية مع حركة طالبان من خلال فتح المعابر، وتسيير البضائع والسلع للداخل الافغاني، ودعم حركة طالبان ضد المعارضة في وادي بانشير الذي استولت عليه اخيرا حركة طالبان.

4- لهذا ليس من مصلحة حركة طالبان استعداء جيرانها بالمطلق؛ لأنها سوف تخسر، ومن ثم سوف تفتح باباً لا يسرها أمنياً وعملياً لأنها بحاجة لحدود آمنة وخصوصاً مع الدول التي تتلاقى مع التجمعات الإثنية والمذهبية والاجتماعية داخل أفغانستان مثل (أوزبكستان، وطاجيكستان، وايران).

ملامح النظام الأفغاني المقبل..

فالشيء بالشيء يُذكر وإلحاقاً بما ورد أعلاه..

1- من هنا نتوقع أن النظام القادم في أفغانستان الذي سوف تسعى إليه حركة طالبان هو نظام “سني” فقهي، ولكنه سيتشابه نوعاً ما مع النظام الإيراني؛ حيث ستصبح مدينة (قندهار) العاصمة الفقهية لأفغانستان على غرار النجف الأشرف في العراق، ومدينة قم المقدسة في ايران، وسوف تكون هناك سلطة فقهية ودينية من قبل قندهار على النظام السياسي في كابل.

حيث سيجلس في قندهار كعاصمة دينية وفقهية زعيم حركة طالبان مرجعاً فقهياً أعلى يراقب النظام الجديد في العاصمة كابل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً وهو (المُلّا هبة الله أخوند زاده) والذي سيكون بموقع المرشد الإيراني في ايران.

لهذا حرصت الحركة إعطاء الأهمية والقدسية والهالة الكبيرة للمُلّا أخوند خلال الأيام الماضية من خلال التعتيم على شخصيته ودوره المقبل، وزجّ التقارير والأخبار في وسائل الإعلام عنه وعن دوره المقبل دون ظهوره؛ لكي تعطي لهذا الرجل الأهمية والقدسية لكي تترسخ صورته ودوره في المجتمع الأفغاني استباقياً، وهي تعمل جاهدة أي حركة طالبان لترسيخ المُلّا أخوند ليكون بموقع وأهمية وهالة ودور السيد علي الخامنئي في ايران، وحتى مثلما هو موجود في النجف في العراق!!.

ومن لا يعرف الملا أخوند فهو الذي كان قائداً لحركة طالبان في أيار/مايو 2016 أثناء انتقال سريع للسلطة داخل الحركة بعد أيام على وفاة سلفه أختر محمد منصور، الذي قُتل في غارة لطائرة أميركية مسيرة في باكستان.

2- فتوقعاتنا ولادة نظام أفغاني سني سلفي مؤمن بالخلافة التي سوف تقابل ولاية الفقيه في إيران أي ستكون لدينا كتلة إقليمية وعالمية شيعية تحكم بنظام ولاية الفقيه “وإن صح التعبير خلافة شيعية”، ويقابلها كتلة إقليمية وعالمية سنية تحكم بنظام الخلافة الذي سيتماهى مع المتغيرات العالمية. حيث سوف يقبل بتداول السلطة، واتباع الطريقة الديموقراطية التي سوف تسمح بها قندهار، والتي سوف يرعاها المرشد السنّي الأعلى في قندهار المُلّا هبة الله أخوند زاده، وهناك تفاهم بينه وبين زميله ورفيقه المُلّا عبد العني برادر الذي سيكون بمنزلة الشيخ رفسنجاني من ناحية القيادة وهندسة النظام في أفغانستان!!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى