في العيد الوطني لسلطنة عُـمان .. السلطان قابوس مؤسس وطن ورائد نهضة وصانع سلام..
مـنـى شـلـبـي
إعلامية وكاتبة جزائرية
في العيد الوطني لسلطنة عُـمان .. السلطان قابوس مؤسس وطن ورائد نهضة وصانع سلام..
لم أكن لأتصور في يوم من الأيام أن أكتب عن قائد أو زعيم أو رئيس أو ملك، لكن الأمر الذي دفعني أن أكتب هذه المرة نابع من احترام وحب شعب عظيم لقائده، فلا تكاد تجد شخصاً في تلك الأرض الطيبة إلا ويتحدث عن ذلك الرجل الذي حكم بعدل وحكمة، وقاد هذا البلد إلى السؤدد والريادة والتطور في كل المجالات، لاشك أنك أيها القارئ تتساءل عمن يكون هذا القائد، نعم إنه السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله تعالى، الذي يُكِنُّ له شعبُه، بل والشعوب العربية كل الاحترام والتقدير.
تساءلت مراراً وتكراراً ما سر حب الشعب العماني للسلطان قابوس طيب الله ثراه، وحاولت تقصي الأمر، فوجدت أنه ليس من الصعب البحث عن جواب لهذا التساؤل، فعندما تتنقل في كل مكان، تجد كل شيء في سلطنة عمان يعكس البصمة الرائدة التي تركها هذا القائد العبقري، ليس على مستوى البناء والتشييد فحسب، بل على مستوى التأثير العاطفي الذي تركه في الذاكرة الجماعية لشعبه، رحل السلطان قابوس رحمه الله منذ ما يزيد عن سنتين، ولكنه مازال حاضراً في قلب كل عماني، وفي صفحات الكتب والصحف والمجلات، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وعلى أثير الإذاعات وشاشات التلفزيون، بل إن ذكراه خالدة محفورة في قلوبنا جميعاً.
سمعنا كثيراً عن السلطان قابوس رحمه الله تعالى منذ كنا صغاراً، فالحكمة كانت منطقه، والعدل نهجه، والبناء والريادة كانت هدفه، تمكن في وقت مبكر من تحقيق نهضة حديثة شاملة لبلاده، فلم يعتمد على العمالة الأجنبية وحسب بل راهن على شعبه، وأولى اهتماماً كبيراً بالمرأة التي منح لها كافة الحقوق على رأسها حق التصويت والترشح، بل أصبحت المرأة العمانية تمتلك كل المؤهلات لتخوض غمار سوق العمل وكل الوظائف فكانت الوزيرة، وكانت السفيرة، وكانت الطبيبة، وكانت المعلمة، وكانت سيدة أعمال، وذلك بفضل الثقة التي أعطاها إياها السلطان قابوس؛ الذي كان يؤمن بدور المرأة في النهوض بالمجتمعات وقيادتها.
ليس هذا فحسب بل كانت سياسته الخارجية قائمة على مساعيه الحثيثة من خلال الوساطة لحل الأزمات بالطرق السلمية والحوار، وكانت علاقاته مبنية على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام مبدأ السيادة، والتعاون والعمل المشترك، وكان على مسافة واحدة متوازنة مع الجميع رغم التطورات الخطيرة والأحداث الجسيمة التي عرفتها منطقة الخليج والمنطقة العربية منذ عقود، فمن علاقته مع إيران الشاه ثم إيران الثورة، فحرب 73 ومعاهدة كامب ديفيد التي قاطع العرب بسببها مصر في حين ظلت العلاقات العمانية المصرية قائمة، ثم الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها حرب الخليج الأولى والثانية، مروراً بحرب سوريا ضد الجماعات والتنظيمات المسلحة وتداعياتها التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وسحب أغلب السفراء العرب منها بيد أن السفير العماني لدى دمشق ظل موجوداً يمارس عمله الدبلوماسي وظلت العلاقات بين البلدين قائمة كما هي، وصولاً إلى الحرب على اليمن من قبل ما يسمى بالتحالف العربي؛ أدرك هذا القائد المحنك أن موقع سلطنة عمان استراتيجي ومهم للغاية، وأي اضطراب في علاقاته مع دول الجوار والدول العربية قد يرتد بالويلات على بلاده التي حرص على خدمتها بكل أنفاسه منذ توليه زمام القيادة عام 1970م حتى آخر لحظة من حياته، كما أولى اهتماماً بالغاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية وإسلامية مركزية لا يمكن المزايدة عليها أو التخلي عنها؛ فعمل على دعمها بكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة.
لا يخفى على أحد الإنجازات المذهلة التي حققها السلطان قابوس رحمه الله ودوره الكبير في حل الصراع الذي كان سينشب بين الخليجيين والأمريكيين من جهة والإيرانيين من جهة ثانية بخصوص الملف النووي الإيراني الذي انتهى باتفاق الأطراف بعد وساطة من السلطان قابوس، فقد شكل مفاجأة للعالم بعدما يئس الجميع من التوصل لحل للملف، كما لا ننسى موقفه الحيادي من ثورات الربيع العربي بسبب ضبابية المرحلة، كما كانت الدبلوماسية العمانية نشطة للغاية في الأزمة اليمنية ولا زالت رغم الصراع السياسي الحاصل فيها، وأكدت على ضرورة الالتزام بالخيار السياسي لحل الأزمة، خصوصا أنها ضربت بعمقها إلى صراع بين المحاور الإقليمية ما استدعى إلى حكمة بالغة من السلطان قابوس لاحتواء الوضع والتزام الحياد الإيجابي، ليستحق على كل ما قام به من جهود مخلصة وأدوار إيجابية كبيرة ومهمة في قضايا المنطقة والعالم لقب رجل السلام العالمي بامتياز، فقد دأب على خدمة القضايا الإنسانية، وحرص على استتباب الأمن والاستقرار وإرساء السلام في المنطقة والعالم.
رحم الله السلطان قابوس فهو شخصية فريدة لا تتكرر، وستبقى ذكراه خالدة في وجداننا مسطرة عيداً وطنياً حافلاً بالبطولات والمآثر، ونسأل الله تعالى أن يديم الأمن والأمان والسلام، والريادة والازدهار والرخاء على سلطنة عمان؛ قيادةً بزعامة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد حفظه الله الذي يواصل قيادة النهضة العمانية المتجددة، وشعباً عظيماً طيباً وفياً؛ شعب سلطنة عمان المسالم الأصيل.