مقالات وآراء

أوربـا كمـا رأيتـهـا.. الجـزء (1)..

الدكتور/عبدالله بن عبدالرحيم البلوشي

 

أوربـا كمـا رأيتـهـا.. الجـزء (1)..

 

في صبيحة اليوم الثامن والعشرون من الشهر الثامن لسنة 2015 ميلادية إستيقظنا ، على زغردة العصافير والجو المفعم المنعش في حديقة النزل ، بدأنا بتناول الافطار على عجل ، حتى نلحق أول قطار منطلق إلى فينيسيا (البندقية) ، هذه الجزيرة الصغيرة الرائعة سبق وأن مكثت فيها ليلة مملؤة بالذكريات الجميلة ، وها نحن نعود اليها جمعا مع الاحبة الكبار وفيهم الصغير المؤنس لهذا التجوال اللطيف بالحركة والنشاط صخب وحركة دؤوبة في كل وجهة… إنطلق القطار ذاو الأرائك المريحة بجدتها، منها السريع بدون توقف واخرى تطوف بك بين القرى والمدن الصغيرة بين الوجهتين ، مسافة لا تزيد عن خمس عشرة ومائة كيلومتر… بشر كالعادة يجرون جري الوحوش ، ليلحقوا برزق مقدر ومكتوب ، من هو متجه شرقا والآخر غربا والثالث جنوبا والرابع شمالا… كل يسعى إلى هدف… ومنهم من يسعى من غير هدف… أشكال وملامح  وألوان ولغات… رغم كل ذلك تجد الجزيرة هادئة وادعة   لا تبالي بكل ذلك… تحتضن البحر أو يحتضنها البحر ، سفن متحركة ذاهبة الى الشط الآخر تلامس البحر ، تحمل الركاب إلى أجزاء الجزيرة ، لا توجد بها السيارات ورغم ذلك فهي مزدحمة ، الجو فيها لطيف دون الحرارة العالية ، لا تتعدى عشرون درجة ، لا تشعر بوهج الشمس ولا زمهرير الحر ولا بالشتاء القارس… مبان جميلة رائعة… تأسر الناظر…. تغنّى بها الشعراء ،  تمر في احيائها تتذكر فيها تاريخ دولة عظيمة كانت امتد سلطانها إلى الشرق ،  حيث كانت تقارع إمبراطورية أخرى فارسية….يأخذك الخيال إلى غابر الزمان بعيدا تحمل بك الذاكرة إلى قلاع في الأرض عظيمة وقصور فخمة تزخر بأنواع الزينة واللمسات الجذابة تبهر الناظر ، حضارة تشد إحساس البشر ولكنها كانت حضارة خاوية من داخلها نخر فيها الفساد ، وعاث فيها إبليس خرابا وجورا من الظلم وأوغل اهلها في الفساد ، واستمرت المقارعة بين الرومان والفرس  ليس للإنسان فيها قيمة ، يعيش عبدا ذليلا للشهوات يوجهه الشيطاني حيث يشاء ؛ فلا ضير ان تكون المقدمات موحية إلى المآل المحتوم.

هي صغيرة هذه الجزيرة ولكن تملك من الجمال مالا تملكها أخواتها من الجزر ، أبدع الخالق في نشأتها ، هي قبلة الزوار من كل حدب وصوب ، مدينة تتحدث بلسان الماضي وهموم المستقبل ، تكاد الأمواج أن تغرقها وما هي بغارقة ،  أتت المياه ببعض أجزائها يظنها الغريب غارقة ، هي زيارة تحمل العبر للبشرية بأن الخالق واحد وبأن ما تراه على الأرض جزء يسير ما خبئ لك ، من لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

جاء زمان أبدل الله البشرية خيرا من الروم ومن الفرس ، استبدلهم بخيري الدنيا والآخرة ، سادوا العالم فأصبح الإنسان سيد نفسه ، بلغوا الشرق والغرب في أعوام قليلة ، بسطوا الأمان للإنسانية جمعاء ، فأخرجت البشرية من ويلات الفرس وآلام الروم ، فانتعشت الآمال تحت ظل الرحمة مئات السنين ، لم يعتدي فيها على دور عبادة العباد ولم يجبر فيها الناس باعتناق دين ولا تبني فكر بالقوة ، هي الحجة والإقناع ، ارتفعت فيها قيمة الإنسان… ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟)).

نعم عاد الأمل للبندقية وتراجعت الأمواج عن هديرها وبدأت البشرى لعودة التاريخ إلى مساره الأول،  حتى وإن كان ذلك بيد ذلك البعيد .

إنتهت الزيارة ولم ينتهي الخيال…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى