سياحةعالمي

أوزبكستان – تركيا وجهة جديدة للسياحة الدينية

أصـــداء/ وكالة أنباء أوزبكستان

توطدت الروابط التاريخية والثقافية والدينية العريقة بين جمهوريتي أوزبكستان وتركيا، وأصبحت أساسًا لتعاون استراتيجي متين. ولا شك أن السياحة من أسرع مجالات هذا التعاون الواسع نموًا. ونتيجةً لتزايد اهتمام مواطني البلدين بالسفر المتبادل، يتجه تدفق السياح ليس فقط إلى المدن الشهيرة، بل أيضًا إلى مناطق أقل شهرة، ولكنها غنية تاريخيًا.

شكّلت الجولة الصحفية التي نظمتها وزارة الثقافة والسياحة في جمهورية تركيا لممثلي وسائل الإعلام في آسيا الوسطى وأذربيجان خطوةً مهمةً نحو هذا الهدف، وهو التعريف بالتراث التاريخي والثقافي للجزء الشرقي من تركيا. لاختيار مدينة موش كوجهةٍ سياحيةٍ دلالةٌ عميقة، إذ ترتبط هذه المنطقة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ تركيا وبداية العصر السلجوقي. وتُشكّل الأهمية التاريخية والثقافية الفريدة لموش، بالإضافة إلى التغييرات الحديثة في تطوير بنيتها التحتية السياحية، المحورَ التحليلي لهذه المقالة.

مكان عند مفترق طرق التاريخ والجغرافيا

تقع مدينة موش في قلب الجبال، في منطقة استراتيجية قريبة من إيران، وتتميز بهوائها المعتدل ونقائه. لا تقتصر أهمية هذه المدينة على طبيعتها الخلابة فحسب، بل تمتد أيضًا إلى تاريخها العريق. كانت موش، بفضل موقعها الجغرافي المتميز بين نهري يرتو واليرموك، جزءًا من شرق بلاد ما بين النهرين، وشكّلت نقطة محورية على طرق التجارة لقرون. وقد أدى ذلك إلى تشكّلها على ملتقى ثقافات مختلفة، وتأثرها بحكومات مختلفة.

يُذكر أن الحكومة التركية أولت في السنوات الأخيرة اهتمامًا بالغًا بالتنمية الاقتصادية والثقافية للمدن الشرقية، مثل موش. ونتيجةً لهذه الجهود، شُيّد مطار جديد عام ٢٠٠٢، مما سهّل بشكل كبير زيارة السياح للمدينة. ويعكس ازدياد عدد المباني السكنية متعددة الطوابق ومراكز التسوق في مركز المدينة النشاط الاقتصادي لموش والاهتمام بتنميتها. كما أن انخراط السكان في الزراعة وتربية الحيوانات، إلى جانب التجارة، يدل على أن المنطقة تستغل مواردها الطبيعية بكفاءة.

السلطان ألب أرسلان – البطل الذي اكتشف الأناضول

إن الأهمية التاريخية العظيمة لمدينة موش ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسلطان السلجوقي ألب أرسلان (اسمه الحقيقي محمد بن داود تشاغيري) ومعركة ملاشغيرت (مانسيكرت) عام 1071. ووفقًا لخبير من وزارة الثقافة والسياحة التركية، فقد استقر الأتراك السلاجقة لأول مرة في مدينة موش منذ آلاف السنين، مما يحدد مكانة موش كنقطة انطلاق رمزية في التاريخ التركي. وقد شكل انتصار ألب أرسلان، الذي حكم من عام 1063 إلى عام 1072، في ملاشغيرت نقطة تحول في تاريخ العالم، ولا سيما في التاريخ الإسلامي والتركي. في هذه المعركة، هزم السلاجقة جيش الإمبراطورية البيزنطية وأسروا الإمبراطور رومانوس ديوجين. وبعد هذه المعركة انفتحت الأناضول (أراضي تركيا الحالية) على المسلمين وأصبحت فيما بعد مركز الدولة التركية والثقافة الإسلامية. ولذلك، خُلد ألب أرسلان في التاريخ باعتباره “البطل الذي فتح الأناضول للمسلمين”. ويُعدّ التمثال الذي نُصب عام ٢٠٠٩ في وسط مدينة موش تعبيرًا عن الاحترام والامتنان الدائمين لهذه الشخصية العظيمة.

التناغم بين الروحانية والعمارة

وقد تم الحفاظ على العديد من المعالم التاريخية والثقافية القديمة في أراضي مدينة موش، والتي تشهد على الحضارة العميقة التي كانت تتميز بها المنطقة.

جسر مراد: يقع هذا الجسر، الذي بناه الأتراك السلاجقة في القرن الثالث عشر فوق نهر مراد، على بُعد 19 كيلومترًا من موش، ويتمتع بأهمية خاصة. يبلغ طوله 140 مترًا وعرضه 5 أمتار، وقد بُني بمهارة من الأحجار الطبيعية. لم يقتصر استخدام هذا الجسر على مرور المركبات فحسب، بل كان أيضًا جسرًا تجاريًا وثقافيًا تاريخيًا يربط شرق الأناضول بغربها. وقد جُدد خلال العهد العثماني ومؤخرًا، وأُنشئت حوله حديقة وطنية، مما زاد من جاذبيته السياحية.

قلعة موش: شُيّد هذا البناء العريق على تلة تبعد بضعة كيلومترات عن المدينة، وكان له أغراض استراتيجية كحماية المدينة من الأعداء ومراقبة طرق التجارة. واليوم، تنتشر حول القلعة مقاهٍ ومطاعم تُتيح للسياح والسكان المحليين الاسترخاء، ومن هناك، يُمكنك الاستمتاع بمنظر خلاب لمدينة موش والجبال المحيطة بها من راحة يدك.

المساجد: تزخر المدينة بالعديد من المساجد الأثرية، أبرزها مسجد “موش مفتي”، الذي بُني عام ١٩٧٠ على طراز العمارة الشرقية، ويجذب السياح بفخامته وعمارته الفريدة، ويلعب دورًا هامًا في الحياة الروحية للمدينة.

جسر السياحة وفرص جديدة

أظهرت الجولة الصحفية إلى مدينة موش طموحات تركيا الجادة لوضع المناطق الشرقية على خريطة السياحة العالمية. فإرث موش التاريخي الغني، ولا سيما أهميته البالغة في تاريخ السلاجقة والحضارة الإسلامية، يمكن أن يكون وجهةً قيّمةً للسياح الأوزبكيين، وخاصةً المهتمين بالسياحة التاريخية وسياحة الحج. وستُرسي جهود تركيا المتواصلة لتطوير البنية التحتية (مطار جديد، طرق) وتحسين المواقع التاريخية أسسَ بروز موش كمركز سياحي. 

إن توسيع التعاون الفعال بين أوزبكستان وتركيا، من خلال الترويج المتبادل للمدن التاريخية مثل موش، من شأنه أن يسمح بتنويع التبادلات السياحية الثنائية جغرافياً وثقافياً، وليس فقط داخل المدن الكبرى.

 تعتبر موش بوابة تاريخية للأناضول، وهي اليوم جاهزة لتكون بمثابة جسر سياحي يجمع شعبي أوزبكستان وتركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى