
أصـــداء /العُمانية
بدأ جهاز الاستثمار العُماني حصاد نتائج الإستراتيجية المتكاملة التي نفذها خلال الأعوام الماضية منذ إعادة تنشيط بورصة مسقط وتطوير سوق المال العُماني، من خلال سلسلة من الإجراءات التي ركزت على إدراج شركات جديدة، وتحفيز مستويات السيولة، وتعزيز البنية المؤسسية للسوق.

ونجح مؤشر بورصة مسقط في كسر حاجز 5000 نقطة لأول مرة منذ ثماني سنوات، حيث قفز حجم التداول السنوي من 645 مليون ريال عُماني في عام 2021م إلى أكثر من 3.25 مليار ريال عُماني خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بنمو بلغ أكثر من خمسة أضعاف.
وفي موازاة ذلك، ارتفعت القيمة السوقية للبورصة بنسبة 51 بالمائة، من 20.24 مليار ريال عُماني بنهاية عام 2020م لتصل إلى 30.53 مليار ريال عُماني في أكتوبر 2025م، ما يُعد مؤشرًا صريحًا على فعالية الإجراءات التي ينفذها الجهاز لترسيخ مكانة البورصة كمركز مالي واستثماري إقليمي يتماشى مع مستهدفات رؤية “عُمان 2040”.
ويأتي هذا النمو النوعي مدفوعًا بتطبيق المرسوم السلطاني السامي رقم (5 / 2021)، الذي قضى بتحويل سوق مسقط للأوراق المالية إلى شركة مساهمة عُمانية مقفلة مملوكة بالكامل لجهاز الاستثمار العُماني، ما مهّد الطريق لتنفيذ إجراءات واضحة ومباشرة شملت ضخ السيولة، وتدشين برنامج الاكتتابات العامة، وتأسيس منصات سيولة مؤسسية، وتفعيل خطط تطوير قطاع إدارة الأصول محليًا.
ونتيجة لهذه الإجراءات الإيجابية، ارتفعت التداولات إلى مستويات غير مسبوقة، مع نمو القيمة السوقية بشكل ملحوظ، ما يعكس ثمار الجهود الحثيثة التي يبذلها جهاز الاستثمار العُماني في تعزيز مكانة بورصة مسقط وتعزيز ثقة المستثمرين.
وأكد ملهم بن بشير الجرف نائب رئيس جهاز الاستثمار العُماني للاستثمارات، أن التحوّل النوعي الذي تشهده بورصة مسقط يجسّد الرؤية الطموحة التي وضعها الجهاز لبناء سوق مالي يتمتع بالكفاءة والجاذبية، وقادر على الإسهام الفاعل في دفع عجلة النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات النوعية.
وقال إن الجهاز رسم مسارًا واضحًا لتطوير بورصة مسقط يستند إلى تحويلها لمنصة متقدمة لتداول الأوراق المالية، ونقطة جذب لاستقطاب رؤوس الأموال، وتعزيز الدور الاستثماري للسوق في الاقتصاد الوطني، واعتمد خطة متدرجة تبدأ بترسيخ الثقة وتعزيز السيولة وتوسيع قاعدة الملكية، وصولًا إلى بناء منظومة مؤسسية مرنة وفعّالة، تستند إلى أفضل الممارسات العالمية.
من جانبه، قال عون بن عباس البحراني رئيس استثمارات الأسواق العامة في جهاز الاستثمار العُماني إن بورصة مسقط تمثّل اليوم مثالًا واضحًا على فعالية الاستراتيجيات المدروسة، إذ تفوق أداؤها منذ عام 2022م بنسبة 67 بالمائة، وبمعدل نمو سنوي بلغ 14.6 بالمائة، متجاوزة بذلك مؤشرات عالمية بارزة مثل “مؤشر ستاندرد آند بورز 500” ومؤشرات الأسواق الناشئة لكل من أسواق دول مجلس التعاون، والأسواق العالمية، والأسواق الصاعدة، والأسواق الصينية، ما يُجسِّد نجاح الرؤية الواضحة التي ركزت على تعزيز السيولة، وتنويع قاعدة المستثمرين، وتوسيع فرص الإدراج في تمكين البورصة من تحقيق عوائد تفوق المعدلات الإقليمية والدولية، وترسيخ مكانتها الاستثمارية محليًا وإقليميًا.
ونفذ الجهاز منذ عام 2022م برنامجًا طموحًا للاكتتابات العامة مثّل عصب التحول في مسيرة البورصة، إذ كان إدراج صندوق اللؤلؤة للاستثمار العقاري أولى محطاته الذي جمع أكثر من 35 مليون ريال عُماني ويُعد الأكبر من نوعه في قطاع العقارات ويهدف الصندوق إلى الاستثمار في أصول عقارية متنوعة وتحقيق عوائد منتظمة للمستثمرين، مقدّمًا منتجًا استثماريًا جديدًا عزز ثقة المستثمرين بإمكانية تنويع أدواتهم المالية.
وتبع ذلك إدراج شركة أبراج لخدمات الطاقة في مارس 2023م، حيث تُعد أكبر شركة عُمانية لخدمات الحفر والصيانة في قطاعي النفط والغاز، وحقق الطرح نقلة نوعية للسوق، إذ بلغت حصيلته نحو 94 مليون ريال عُماني، ليصبح أكبر اكتتاب منذ عام 2010م واستحوذت أسهم الشركة في أول أيام تداولها على نحو 90 بالمائة من إجمالي قيمة التداولات، أي ما يقارب 7.14 مليون ريال عُماني، ما ضاعف السيولة وأعاد الحيوية إلى السوق، ومن جهة أخرى، عزز الإقبال الكبير ثقة المستثمرين بجدوى الطرح والوضع المالي للشركة، وتنشيط الاستثمار في شركات النفط والغاز.
وفي أكتوبر 2023م جاء إدراج أوكيو لشبكات الغاز كأكبر طرح في تاريخ البورصة، حيث تجاوز حجم الطلب الإجمالي 4 مليارات ريال عُماني مقابل حجم طرح بقيمة 288 مليون ريال عُماني، وتُعد الشركة المشغّل الوطني لشبكة أنابيب الغاز في سلطنة عُمان، وتضطلع بدور محوري في نقل الغاز الطبيعي إلى المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة.
وتميز هذا الاكتتاب بمشاركة مؤسسات إقليمية ودولية، بما في ذلك مشاركة ثلاثة مستثمرين رئيسيين منهم شركة استثمار تابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وشركة تابعة لجهاز قطر للاستثمار، وشركة “فلوكسيز” البلجيكية، ما أضفى ثقلًا استثماريًا أجنبيًا وعكس ثقة إقليمية ودولية في الاستثمار العُماني، وزاد عدد المستثمرين بشكل ملحوظ في الربع الأخير من عام 2023م، وارتفعت قيمة التداول السنوية لتصل إلى حوالي 1.132 مليار ريال عُماني، كما ارتفعت نسبة الصفقات المنفذة بنسبة 37 بالمائة عن العام الذي سبقه.
كما واصلت البورصة مسارها التصاعدي في أكتوبر 2024م مع إدراج أوكيو للاستكشاف والإنتاج، الذراع المختصة في أنشطة التنقيب وإنتاج النفط والغاز التابعة لمجموعة أوكيو، كأكبر إدراج على الإطلاق في سلطنة عُمان، بحصيلة بلغت 780 مليون ريال عُماني، ما يعكس ثقة عالية سواء من المستثمرين المحليين أو الدوليين.
وساهم هذا الطرح في تحقيق رقم قياسي من إجمالي حصيلة الاكتتابات في سلطنة عُمان لعام 2024م بنحو 961 مليون ريال عُماني، ومثّل هذا الإدراج أول دخول لقطاع الاستكشاف والإنتاج النفطي إلى السوق، ورفع القيمة السوقية للشركة إلى أكثر من 3 مليارات ريال عُماني عند الإدراج.
من جهته، قال هيثم بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي لبورصة مسقط إن الرؤية الإستراتيجية التي رسمها جهاز الاستثمار العُماني أسهمت في إحداث نقلة نوعية في أداء بورصة مسقط، من خلال برنامج إدراجات مدروس ومبادرات مؤسسية عززت السيولة والثقة في السوق.
وأوضح أن البورصة عملت على ترجمة هذه التوجهات إلى خطوات عملية واضحة تمثلت في تطوير البنية التنظيمية وتعزيز الشفافية ورفع كفاءة التداول، مشيرًا إلى أن البورصة نجحت في تعزيز السيولة خلال الفترة الماضية بفضل الإصلاحات التطويرية التي رفعت كفاءة التداول وزادت من عمق السوق.
وأضاف أن تفعيل دور صانع السوق أسهم في استقرار الأسعار وتقليص فجوات العرض والطلب بما عزز الثقة لدى المستثمرين، إلى جانب دخول مزودي السيولة الذي أسهم في توفير تدفقات مستمرة وتحسين جودة التسعير، ما جعل السوق أكثر جاذبية وتهيئته لمرحلة نمو واستقطاب أوسع لرؤوس الأموال، موضحًا أن نتائج هذه الجهود انعكست بشكل إيجابي على نمو أحجام التداول، وارتفاع القيمة السوقية، واتساع قاعدة المستثمرين المحليين والدوليين، بما يؤكد المكانة المتصاعدة للبورصة كمحرك رئيسي للاستثمار والتنمية الاقتصادية في سلطنة عُمان.
وفي ديسمبر من العام نفسه، عززت أوكيو للصناعات الأساسية، الشركة المعنية بالصناعات البتروكيماوية والتكرير ضمن مجموعة أوكيو، تنويع قطاعات السوق بإدراجها الذي جمع ما يقارب 188 مليون ريال عُماني، ورغم التذبذب الطفيف للسهم بعد الإدراج، إلا أن الطرح أكد استمرار اهتمام المستثمرين بهذا النوع من الإصدارات الصناعية بشكل قاد سعر السهم إلى أعلى من سعر الطرح الأولي لاحقًا.
وفي مارس 2025م، أعلن الجهاز عن إدراج شركة أسياد للنقل البحري، الذراع المتخصصة في خدمات النقل والشحن البحري ضمن مجموعة أسياد اللوجستية، والتي تُعد أحد أكبر مشغلي أساطيل النقل البحري في المنطقة، وجمع الطرح 128 مليون ريال عُماني، ممثلًا نقطة دخول لقطاع النقل البحري واللوجستيات إلى البورصة.
كما دشن جهاز الاستثمار العُماني في مايو 2024م صندوق تنمية للسيولة برأسمال أولي قدره 50 مليون ريال عُماني، وتضاعف إلى 100 مليون ريال عُماني في مارس 2025م، ثم إلى 150 مليون ريال عُماني في أغسطس الماضي، وأُسِّس الصندوق بالشراكة بين الجهاز وصندوق الحماية الاجتماعية بنسبة 50 بالمائة لكل طرف، ويُدار من قِبل ثلاث شركات محلية في القطاع المالي: الشركة العُمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية “تنمية”، والشركة المتحدة للأوراق المالية، وشركة أوبار كابيتال، ويهدف إلى دعم استقرار السوق وتعزيز تداول الأوراق المالية من خلال تنسيق الجهود بين كبار المستثمرين المؤسسيين، بما يسهم في حماية ثقة المستثمرين الأفراد والمؤسسات، وخلق بيئة تداول أكثر استدامة.
وقد تحقق هذا النمو اللافت في بورصة مسقط نتيجة لتكامل الأدوار بين مختلف مؤسسات منظومة سوق المال إلى جانب الجهاز، وشركات الوساطة بدور محوري في تيسير عمليات التداول وتوسيع قاعدة المستثمرين، وأسهمت مشاركة المستثمرين المحليين والمؤسسيين في تعزيز عمق السوق وزيادة السيولة.
وتمضي بورصة مسقط بخطى ثابتة في مسار تطويرها، معززةً من حضورها كمنصة للفرص الاستثمارية ومحرك فاعل ضمن منظومة التنمية الاقتصادية، وما تحقق حتى الآن يعكس الأساس الذي تُبنى عليه خطوات المرحلة المقبلة، مدعومًا بثقة متنامية في قدراتها ومكانتها في الاقتصاد الوطني.














