عُـمانمحليات

التربية الإعلامية والمعلوماتيّة ضرورة لمواكبة تحولات الذكاء الاصطناعي

أصـــداء /العُمانية

يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا متسارعًا في طريقة إنتاج المعلومات وتوزيعها واستهلاكها في الفضاء الرقمي، ومع تزايد استخدام تقنياته في التواصل اليومي وتأثيره في تشكيل خلاصة الأخبار ونتائج البحث وإنشاء المحتوى، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز التربية الإعلامية والمعلوماتية لدى الناشئة لإكسابهم مهارات التفكير النقدي اللازمة للتعرف على المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي وتقييمه والتفاعل معه بوعي ومسؤولية، وتساعدهم على تمييز المصادر الموثوقة وفهم أثر الخوارزميات في تشكيل الرأي والمعلومة بما يضمن حضور الوعي الرقمي والأخلاقي في التعامل مع مصادر المعلومات.

وفي هذا الشأن يتحدث علي بن خلفان الغداني المدير المساعد بدائرة تطوير منهاج العلوم التطبيقية بوزارة التربية والتعليم، عن أهمية تعليم الناشئة كيفية التحقق من صحة المعلومات وتميز الحقيقية من التضليل في عصر الذكاء الاصطناعي، قائلاً: أصبح من الضروري اليوم أن نهيّئ أبناءنا للتعامل بوعي تجاه ما يقرؤون ويشاهدون من معلومات متدفقة عبر الفضاء الرقمي، خاصة مع تزايد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وما ينتجه من محتوى مولد آليًّا يفتقر أحيانا إلى الدقة والمصداقية.

وأضاف أن تنمية مهارات التفكير النقدي والتحقق من المصادر تعد ضرورة تربوية لحماية وعيهم وبناء جيل قادر على التعامل بمسؤولية مع المعلومات بما يسهم في تعزيز الثقافة الإعلامية والمعلوماتية لديهم، وغرس قيم النزاهة والموضوعية، وتمكين الطلاب من أن يكونوا مواطنين رقميين قادرين على المشاركة الفاعلة في المجتمع الرقمي.

وأشار إلى أن هذا التوجه انعكس في مختلف المناهج الدراسية في سلطنة عُمان، لاسيما في مادة تقنية المعلومات للصف السادس فيها يتدرب الطلبة على التحقق من موثوقية المواقع الإلكترونية عبر دراسة امتدادات الروابط ومصادر المعلومات قبل استخدامها في مشروعاتهم.

وأوضح أن طلبة الصف الثامن يتعلمون كيفية التمييز بين المحتوى الرقمي الموثوق به والمضلل مع تناول أمثلة واقعية من منصات التواصل الاجتماعي، فيما يدرس طلبة الصف الحادي عشر محور الجرائم الإلكترونية ومفهوم حماية البيانات والمعلومات الشخصية عبر توضيح المخاطر القانونية والأخلاقية المترتبة على نشر الأخبار دون التحقق منها، بينما تعزز أنشطة الصف الثاني عشر مهارات تحليل مصادر البيانات وتقييم نسب الموثوقية فيها.

ولفت إلى أن إدماج مفاهيم الدراية الإعلامية والمعلوماتية يسهم بشكل كبير في تعزيز ثقافة المواطن الرقمي، ويمنحهم فرصة لتواصل والتعبير عن أفكارهم بثقة مع مختلف الشعوب دون أن يفقدوا ارتباطهم بهويتهم الوطنية، فهي تعزز شعورهم بالانتماء وتحثهم على استخدام التكنولوجيا في إبراز قيم مجتمعهم، والمشاركة في نقاشات بناءة تقوم على الوعي والمعرفة.

من جهته تطرق الدكتور زيد أبو شمعة مدير إدارة الإعلام بمنظمة الأيسيسكو، إلى دور المؤسسات التربوية في ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية في العملية التعليمية في ظل التحول الرقمي المتسارع، ويشير إلى أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات، ومنها دمج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية بوصفها أداة أساسية للتعلم عبر جعلها متطلبًا أساسيًّا لكافة المراحل الدراسية، تقتضي تأهيل المعلم كخطوة أولى على قاعدة ربط المعرفة الرقمية بالمبادئ الأخلاقية والدينية والثقافية، بحيث يدرك الطالب أن التقنية هي وسيلة تستخدم لخدمة الإنسان والمجتمع، وفق منظومة أخلاقية ومعرفية تحكم استخدامات هذه الوسيلة، وهنا تظهر أهمية التكامل والتعاون بين المؤسسات التعليمية والإعلامية والدور الناتج عن هذا التعاون في بناء مواطنة رقمية واعية ومسؤولة.

ويضيف: لا بد من الاستفادة من عناصر القوة في البيئة الرقمية مثل قوة المعلومة في المحيط الرقمي “المعلومة المرقمنة”، وقوة الشاشة الرقمية وتأثيراتها، وبروز ظاهرة المواطن الصحفي والتفاعلية الناتجة عنها، لتوظيفها في خدمة الهُوية الوطنية والثقافة المحلية من خلال إنتاج محتوى رقمي تربوي معاصر يعكس قيم المجتمع، ويقدم الصورة الإيجابية للثقافة الوطنية في الفضاء الرقمي العالمي.

ويؤكد على أن ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية في عصر الرقمنة لا يتحقق بالمنع أو الانعزال، بل عبر التربية الواعية والناقدة التي توائم بين روح العصر الرقمي وثوابت الهُوية الثقافية والوطنية.

وفيما يتعلق بانتقال مفاهيم الدراية الإعلامية من النظرية إلى الممارسة داخل الفصول الدراسية، يوضح أن تأهيل المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتواصل الرقمي أصبح اليوم مسارًا حتميًّا لنجاح التعليم، لأنه يمكن المعلمين من توظيف هذه التقنيات بفاعلية داخل الصفوف الدراسية، وبالشكل السليم، فالذكاء الاصطناعي يتيح للمعلمين توجيه طلابهم نحو مصادر المعرفة المتنوعة، مع ضرورة بناء وعي عند الطالب بضرورة التأكد من صحة هذه المصادر، مما يعزز قدرتهم على الفهم النقدي للمحتوى الإعلامي والمعلوماتي، عوضا عن أن معرفة المعلم باستخدامات الذكاء الاصطناعي يجعل من شخصيّته وأسلوبه أكثر قربًا وإقناعًا لعقلية الطالب الذي نشأ وتكون وعيه في الزمن الرقمي.

وقال الدكتور زيد أبو شمعة مدير إدارة الإعلام بمنظمة الأيسيسكو إن ذلك يعد مدخلًا لمساعدة الطلبة على التفاعل الإيجابي مع تدفق المعلومات وصناعة المحتوى، وتنمية مهارات التفكير النقدي، والمشاركة المسؤولة في بيئة رقمية تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا على انتقال التربية الإعلامية من المفهوم النظري إلى التطبيق العملي عندما يصبح المعلم جسرا لاستخدام التقنية في التعلم والتعبير، في إطار قيمي وأخلاقي ومعرفي منسجم مع الثقافة الوطنية وروح العصر، وبما يجعلها مشروع تمكين للأجيال لا مجرد وسيلة دفاع أمام تحديات الإعلام والتواصل الرقمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى