
منظومة الحماية الاجتماعية في سلطنة عُمان.. تحولٌ شاملٌ نحو التمكين والاستدامة
أصـــداء /العُمانية
شهدت منظومة الحماية الاجتماعية في سلطنة عُمان نقلة نوعية شاملة في مختلف المستويات والمسارات نحو التمكين والاستدامة، حيث أعاد قانون الحماية الاجتماعية تعريف مفهوم الحماية ليشمل مراحل الحياة جميعها -من الطفولة إلى كبار السن-، ويؤسس لبرامج تغطي التقاعد، والمنهية خدماتهم، والأمومة، والإعاقة، والضمان النقدي المباشر للأسر ذات الدخل المحدود، والادخار.
ويسعى صندوق الحماية الاجتماعية في تحقيق أهدافه عبر مسار استراتيجي يتوافق مع تنفيذ رؤية وسياسة سلطنة عُمان المتعلقة بالحماية الاجتماعية، وتوفير التغطية التأمينية والحماية الاجتماعية اللائقة والعادلة والكافية لمختلف فئات المجتمع، وإنشاء منظومة متكاملة ومستدامة للحماية الاجتماعية، أضافة إلى تعزيز إدارة موارد الصندوق واستثمار أمواله لتحقيق أفضل عائد ممكن ضمن مستوى مخاطرة مقبولة، وبما يحقق المواءمة بين أصول والتزامات الصندوق الحالية والمستقبلية، إلى جانب وضع أدوات ادخار وبرامج مساندة لتعزيز الحماية الاجتماعية، وإيجاد مسار مُحوْكم من خلال متابعة وقياس أداء كافة برامج وسياسات الحماية والرعاية والدعم والتمكين والإدماج الاقتصادي والاجتماعي.

يعمل صندوق الحماية الاجتماعية على إعداد الإطار العملي المجسد للرؤية السامية التي تهدف إلى تحويل الرعاية الاجتماعية من التمكين والدعم إلى إنتاج ومشاركة، وذلك عبر ما يقدمه الصندوق في عدد من برامج التأمين الاجتماعي، إضافة إلى الدخول في اتفاقيات تبرم مع أنظمة تأمين في دول أخرى لتبادل التغطية التأمينية والادخارية، وبرامج دعم مالي للمؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم.
وأسس المرسومان السُّلطانيان الساميان (50/2023) و (52/2023) انطلاقة المنظومة تحت إطار صندوق الحماية الاجتماعية ليكون المظلة الوطنية الموحدة لكافة فئات المجتمع، ولتتجسد الرؤية السامية على أرض الواقع في بناء منظومة حماية اجتماعية عادلة وشاملة ومستدامة، تُرسّخ مبدأ أن حماية الإنسان هو جوهر التنمية وغايتها.
وقد مثّل دمج 11 صندوقًا تقاعديًّا في كيان مؤسسي واحد، خطوة نوعية في إدارة الموارد وضمان العدالة في توزيع المنافع، وفق رؤية وطنية شاملة تستند إلى رؤية “عُمان 2040″، حيث تكاملت رؤية صندوق الحماية الاجتماعية في إطار متكامل بما يحقق الارتقاء بالحياة وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية؛ وتعزيز الاستثمار في المجتمع من خلال تطوير وتنفيذ سياسات وبرامج تستهدف المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
ويقوم الصندوق بمتابعة مؤشرات استدامة وكفاءة وكفاية وعدالة هذه البرامج والسياسات، ومدى تحقيقها للأهداف والرؤى الوطنية في مجال الحماية الاجتماعية، ومدى استدامتها وتكاملها وشموليتها واستقرارها، وأثرها على قيم الشراكة المجتمعية وحفاظها على حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.

ويقدم صندوق الحماية الاجتماعية عددًا من البرامج النقدية للمنافع الاجتماعية وهي: منفعة كبار السن، ومنفعة الطفولة، ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة، ومنفعة الأيتام والأرامل، ومنفعة دعم دخل الأسر، كما يدير الصندوق برنامج للادخار، ويراقب الأوضاع المالية للبرامج التكميلية التي تديرها جهات أخرى، ويقوم بالتنسيق مع جهات الاختصاص في برامج الدعم والتأهيل والتمكين والإدماج الاقتصادي والاجتماعي وسياسات حماية الفئات الأكثر احتياجًا، إذ تسهم هذه المنافع في ترسيخ مبدأ العدالة وضمان حياة كريمة لكل فئات المجتمع وتعد انعكاسًا مباشرًا لرؤية “عُمان 2040” في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
وفي ظل التوجيهات الوطنية فقد وضع الصندوق جهودًا استراتيجية وفق تخطيط متكامل ورؤية مستدامة من خلال التوجه الاستراتيجي (2024 ـ 2025) بوصفه مرحلة انتقالية لتأسيس رؤية مستقبلية قادمة (2026 ـ 2030) حيث ركز فيه على أربعة محاور هي: الحماية الاجتماعية، والاستدامة المالية، والحوكمة والتميز المؤسسي، والتقنية والابتكار، آخذ في الاعتبار تهيئة وتعزيز قدراته الداخلية والتنموية من خلال تقديم خدمات ذكية واستباقية تلبي متطلبات المتعاملين ورفع مستوى الرضا عندهم، وتوفير تغطية شاملة لجميع فئات المجتمع غير المشمولين بمنظومة الحماية الاجتماعية، إلى جانب تحسين كافة المزايا.
وتجاوزت نسبة إنجاز الخطة الاستراتيجية للصندوق 90 بالمائة، وبلغ عدد المؤمّن عليهم أكثر من 600 ألف مواطن وصُرف 121 ألف معاش نشط، وتخدم منظومة الحماية الاجتماعية أكثر من 3.3 مليون مواطن ومقيم، كما بلغ عدد المؤمّن عليهم النشطين غير العُمانيين في فرع إجازات الأمومة أكثر من مليون و30 ألف مؤمّن عليه.
وفي مجال الاستثمار فقد تجاوز الصندوق مستهدفاته حيث وازن بين تعظيم العوائد والمحافظة على الاستدامة مع دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في سياسات الاستثمار بما يواكب التوجهات العالمية.
كما عمل الصندوق على بناء خطته الاستراتيجية القادمة 2026-2030 بما يواكب تطلعاته القادمة خلال الخمس سنوات القادمة، مركزاً فيها على رؤية واضحة تتمثل في حماية اجتماعية شاملة ومستدامة، ورسالة قائمة على الابتكار والشراكة من خلال أربعة محاور هي: الحماية الاجتماعية، والتعاون والشراكات الاستراتيجية، والكفاءة المؤسسية والاستدامة المالية وتعظيم العائد من الاستثمار بما يساهم في بناء منظومة حماية اجتماعية ذكية، وعصرية، ومستدامة، تواكب أفضل الممارسات الدولية.
وعلى الصعيد الداخلي، واصل الصندوق مسيرة التطوير المؤسسي عبر مشروعات نوعية، منها مشروع إدارة التغيير الداخلي الذي أسهم في دمج الكوادر وتوحيد الثقافة المؤسسية، ومصفوفة تفويض الصلاحيات التي عززت كفاءة الإجراءات، إضافة إلى برامج التهيئة الإعلامية لقانون الحماية الاجتماعية التي رفعت مستوى المعرفة المجتمعية بالتحولات التشريعية، فعمل الصندوق على تطوير استراتيجيته الإعلامية، بما يعزز التفاعل المجتمعي، ويرسخ الصورة الذهنية الإيجابية لمنظومة الحماية، مستفيدًا من أدوات الإعلام الرقمي والتقليدي لإيصال الرسالة بوضوح وشفافية.
وفي إطار تطوير وتحسين منافذ تقديم الخدمة فقد أنسن الصندوق فروعه ومنافذه النموذجية؛ بهدف توسيع نطاق تقديم الخدمات وتسهيل وصولها إلى جميع الفئات المستهدفة، حيث حصد فيها على عدد من الجوائز المحلية والدولية منها: جائزة تطبيق أحدث الممارسات الإدارية ومنهجية مركزية العميل، وجائزة رضا العملاء ضمن الجهات المتميزة في الإجادة المؤسسية للعام 2024م.
ومن أجل تكامل استراتيجي نحو إيجاد منظومة ذكية ومستدامة في التحول الرقمي فقد أطلق الصندوق مبادرات نوعية وذات أثر مستدام يحافظ على البيئة ويواكب مستجدات التقنية الحديثة، عبر منظومة التحول الرقمي من أجل تعزيـز الكفاءة والشفافيـة في تقديم خدمات الحماية الاجتماعية؛ بهدف إعادة تصميم الخدمات والعمليات باستخدام أحدث التقنيات الرقمية، بما يسهم فـي تحسـين تجربة المستفيد، وضمـان سرعـة وكفـاءة الاستجابة لاحتياجـات الفئات المسـتهدفة.
وتمكّن صندوق الحماية الاجتماعية خلال النصف الثالث من عام 2025 من تحقيق تقدم ملحوظ في أغلب المجالات المستهدفة، حيث تمكّن من الوصول إلى نسبة 78 بالمائة في أتمتة الخدمات، وحقق نسبة 89 بالمائة من تفعيل الربط الإلكتروني مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، متجاوزًا المستهدف السنوي البالغ 70 بالمائة، ونفّذ الصندوق مشروعين من مشروعات التقنيات الناشئة، ما يعزز توجه المؤسسة نحو الابتكار والتحول الرقمي.
وبلغ معدل نسبة رضا المستفيدين 83 بالمائة متجاوزًا المستهدف السنوي البالغ 65 بالمائة، وهو مؤشر على جودة الخدمات المقدمة وتحسن تجربة المستفيد، وفي البيانات المفتوحة حقق الصندوق 100 بالمائة من مستهدف تحسين البيانات المفتوحة، مقارنة بالمستهدف السنوي البالغ 75 بالمائة، مما يعكس التزام المؤسسة بالشفافية وإتاحة البيانات لدعم الابتكار والمشاركة المجتمعية.
وتمثلت أبرز إنجازات صندوق الحماية الاجتماعية في التحول الرقمي في عام 2025 في: تدشين تطبيق “حماية” في مرحلتيه الأولى والثانية؛ تعزيزًا للتحول الرقمي في الخدمات، وتشغيل مختبرات منجم لتسريع تطوير وتحسين الخدمات، وإلغاء الخدمات اليدوية بنسبة 100 بالمائة وتقديم خدمات رقمية متكاملة، وتطوير بنية أساسية متقدمة للذكاء الاصطناعي ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، واستحداث تقسيمين إداريين متخصصين في الذكاء الاصطناعي ونماذج التقنيات الناشئة والابتكار، ووضع استراتيجية التحول الرقمي 2026–2030، وتوقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية في مجالات التحول الرقمي خلال معرض “كومكس”، والتعاون مع شركة “جارتنر” لإعداد دراسة مرصد التقنيات الناشئة لاستشراف المستقبل 2025–2027، وتنفيذ مشروعات إثبات مفهوم (POC) في الذكاء الاصطناعي والبرمجيات منخفضة الأكواد، وتدشين المرحلة الأولى من مركز الاتصال لخدمة المستفيدين بكفاءة أعلى، والانتهاء من مشروع تشفير البيانات وتعميم سياسة تصنيف البيانات وهيكلتها، وحقق الصندوق نسبة 80 بالمائة في مشروع تصحيح بيانات الصندوق بعد الدمج.
ويستعد صندوق الحماية الاجتماعية خلال الفترة المقبلة إلى الانتقال بشكل تدريجي إلى المبني الجديد الذي يأتي تجسيدًا عمليًّا لرؤيته في بناء بيئة عمل متطورة تعزز مستوى الكفاءة والإنتاجية، حيث روعي في تصميمه توفير بيئة مريحة وملهمة تواكب متطلبات العمل الحديثة وتهيئ للموظفين والمستفيدين تجربة أكثر فاعلية.
وبرز حضور الصندوق في الساحة الإقليمية والدولية من خلال تقديمه أفضل التجارب والممارسات في بناء منظومة الحماية الاجتماعية ونيله العديد من الجوائز والإشادات الدولية أبرزها حضوره المؤثر من خلال عضويته في الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي (ISSA)، ومشاركاته الفاعلة في المؤتمرات الخليجية والعربية التي تُعنى بالتأمين الاجتماعي والتقاعد، حيث أسهمت هذه المشاركات في تبادل الخبرات مع الصناديق العربية والعالمية، وتبنّي أفضل الممارسات في مجالات التحول الرقمي، والاستدامة المالية، وحماية الفئات الأكثر احتياجاً، كما وقّع الصندوق مذكرات تفاهم وشراكات تعاون مع مؤسسات عربية ودولية لتطوير قدراته الفنية والإدارية.

وخلال عامي 2024 و2025 حقق صندوق الحماية الاجتماعية حضورًا لافتًا في المحافل العربية والدولية، وفي إنجاز وطني عكس التقدم الملحوظ الذي تشهده سلطنة عُمان في مجال الحماية الاجتماعية، فقد فازت سلطنة عُمان ممثلة بصندوق الحماية الاجتماعية بالجائزة الرئيسة للجمعية الدولية للضمان الاجتماعي (ISSA) لأفضل الممارسات على مستوى إقليم آسيا والمحيط الهادئ، وتُعد هذه الجائزة من أرفع الجوائز في مجال الضمان الاجتماعي بالمنطقة، والتي يتم من خلالها تكريم الممارسات والابتكارات والتجارب الرائدة التي تُسهم في تعزيز الحماية الاجتماعية على مستوى العالم وتمنح عادة لدولة واحدة في كل دورة وتعقد مرة كل ثلاث سنوات.
إلى جانب ذلك حصد الصندوق أيضاً على 8 شهادات استحقاق ضمن منافسات (ISSA) للممارسات الفضلى على مستوى إقليم آسيا والمحيط الهادئ، فقد حازت 3 من مشروعات الصندوق على شهادات استحقاق مع إشادة خاصة، وهي مشروع «إدارة التغيير الداخلي: انتقال سلس لرأس المال البشري» ومشروع «ربط معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في الاستثمارات»، ومشروع «التهيئة الإعلامية لإصدار قانون الحماية الاجتماعية»، واستحقت 4 مشروعات أخرى للصندوق شهادات استحقاق، وهي مشروع «منافع الحماية الاجتماعية: نحو حماية شاملة»، ومشروع «المتسوق الخفي» ومشروع «منهجية الدمج المالي لصناديق التقاعد في سلطنة عُمان» ومشروع «مصفوفة تفويض الصلاحيات».
كما شارك الصندوق في مؤتمرات دولية وإقليمية، أبرزها ملتقى الحماية الاجتماعية ومؤتمر الابتكار في نظم الحماية الاجتماعية، الذي استضافته سلطنة عُمان بحضور أكثر من 150 خبيرًا عالميًّا، وأشاد ممثلو الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية بتجربة سلطنة عُمان، باعتبارها نموذجًا متقدمًا في المنطقة.
ونجح الصندوق في بناء علاقات تعاون مع اليونيسف ومنظمة العمل الدولية لتطوير البرامج الاجتماعية الموجهة للأطفال والأسر ذات الدخل المحدود، كما وسّع من دوره الاستشاري عربيًّا من خلال مشاركته ضمن اللجان الخليجية والعربية المعنيّة بالتأمينات الاجتماعية.
وحصل صندوق الحماية الاجتماعية في المنتدى العالمي للضمان الاجتماعي 2025 المنعقد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، على 3 شهادات تميز من الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي لمطابقته للمبادئ التوجيهية في مجالات تحصيل الاشتراكات والامتثال، وجودة الخدمات، وإدارة الموارد البشرية














