أصداء وآراء

من سيطلـب إعـدام خامنئي أسوة بروحاني ؟!!..

الكاتـب/ عـلـي شـنـدب

 

 

من سيطلـب إعـدام خامنئي أسوة بروحاني ؟!!..

 

جحّظت تغريدة النائب عن مدينة قم “مجتبى ذو النوري” وجها مضمرا وملتبسا من حقيقة الصراع  داخل مراكز صنع القرار في ايران.

وقد قال ذو النوري، الذي هو للمناسبة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني في تغريدته السوبر لافتة الموّجهة لروحاني : “إذا كان الهدف من الاستشهاد بالأسباب التي أدّت للصلح بين الإمام الحسن ومعاوية، القول بأنّ مطلب غالبية الشعب هو السلام والصلح لتسويغ التفاوض مع العدو، فإنّ غالبية الشعب الإيراني، لن يقبل بأقل من عزلك ومعاقبتك. وبناء على منطقك، فإن على قائد الثورة، أن يصدر أوامره لشنقك ألف مرّة، حتّى ترضى قلوب الشعب العزيز”.

تغريدة النائب المتشدّد تحمل في سياقها نوعا من الأمر لخامنئي وليس مجرد الطلب منه إعدام روحاني، كما بدت بوضع الإغتيال المعنوي للرئيس الإيراني الممهد للإغتيال الجسدي الذي طلبه ذو النوري بلغة آمرة لخامنئي ليصدر أوامره بشنق روحاني ألف مرة، وليس مرة واحدة.

فما الجريمة التي اقترفها روحاني حتى يتعرض ليس للمطالبة بعزله ومعاقبته فقط، وإنما بإعدامه ألف مرة ؟!!.

فخلال اجتماع للتنسيق الاقتصادي حول الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، لفت روحاني إلى حجم المناوشات والخلافات السياسية بين أطراف النظام، ثم استحضر سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب والصلح الذي عقده مع معاوية بن أبي سفيان، وكيف أنّ الإمام الحسن رد على أصحابه ممن سألوه باحتجاج عن الصلح بالقول : “إن الأمة الإسلامية ليست أنتم 10 أشخاص أو 20 شخصاً، الذين جئتم هنا عندي، أنا ذهبت إلى المسجد وألقيت خطبة، ووجدت أن الغالبية المطلقة من المجتمع تريد الصلح، وعندما يريد الناس ذلك، فاخترت الصلح”.

وتابع روحاني أن “هذه هي طريقة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وهو علّمنا أن نكون رجال الحرب يوم الحرب، ورجال السلام يوم السلام، وإذا حاربنا في يوم السلام وصالحنا في يوم الحرب، فالأمران خطأ، وعلينا أن نحارب في وقته ونتصالح في وقته”.

صلح الحسن سبق وتناوله قائد قوات “الباسيج” التابعة للحرس الثوري، محمد رضا نقدي، بالقول : “لو كان الحسن بن علي يمتلك قوة خامنئي لما وقّع على ذلك الصلح المشؤوم، ولذا فنحن اليوم نرفض الأصوات التي تقول بأن هذه المرحلة تشبه مرحلة الصلح بين الحسن ومعاوية، وأن علينا أن نتصالح مع أعدائنا بالمنطقة”.

إنه “صلح الحسن” إذن، ذاك الذي أجّج عشّ الدبابير بوجه الرئيس الإيراني الذي جهد لإنهاء ولايته الرئاسية، بدون مشاكل مع الحرس الثوري والتيار المتشدد، سيّما بعد فوز المحافظين وخسارة الإصلاحيين الانتخابات البرلمانية في فبراير/ شباط الماضي، ما دفع روحاني إلى مغادرة مربع الصدام معهم، وبات يدعو لتكاتف الجهود بهدف تجاوز التحديات التي تواجهها إيران بسبب العقوبات الأميركية، خصوصا بعدما اكتشف أن مشروعه لإنهاء الصراع خصوصا مع واشنطن قد أجهضه المحافظون الإيرانيون، قبل أن يجهضه المحافظون الأميركيون، ما أدى إلى تلاشي الإنجاز التاريخي لحكومة حسن روحاني، والمتمثل بالإتفاق النووي الذي سبق لروحاني وشبهه بصلح الحديبية مع كفار مكة، والذي مزّقه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وعزّز تمزيقه باعتماد استراتيجية الضغط الأقصى للعقوبات المتصاعدة ضد طهران، والتي تخلّلها إغتيال رمز قوة إيران الخارجية الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد الدولي.

إلا أن مرونة روحاني هذه لم تقيه هجمات “عشّ الدبابير” .. لا بل إن موقف مجتبى ذو النوري، لم يكن يتيما أو تغريدا منفردا داخل البرلمان الإيراني والتيار المتشدد بشهادات جبهات تويتر وساحاته الملتهبة، فقد اعتبر النائب “مجتبى رضا خاه” في تغريدة له أنّ “روحاني شوّه تاريخ الإسلام، وسبق له أن برّر التفاوض من أجل رفع العقوبات، مستشهدا بأحداث كربلاء”، لكن “العقوبات لم ترفع، بل إن سعر العملة الأجنبية إرتفع بعشرة أضعاف”.

أمّا مندوب خامنئي في خراسان أحمد علم الهدى، فقد انتقد تصريحات روحاني بقوله : إن “صلح الإمام الحسن مع معاوية لم يكن نتيجة إرادة غالبية الناس، بل إرادة قلة من المتواطئين مع العدو”.

ما تقدم يشي بأن مراكز صنع القرار في إيران، منقسمة عاموديا حول مقاربتين للتحديات التي تواجهها إيران :

الأولى : “ثورة الحسين” ويمثلها تيار المحافظين المتشدد، والحرس الثوري، ومرشد الجمهورية علي خامنئي.

الثانية : “صلح الحسن” ويمثلها تيار الإصلاحيين، ومنابر إعلامية، ورئيس الجمهورية حسن روحاني.

وعلى إيقاع هاتين المقاربتين يحتدم الصراع المضبوط الإيقاع حتى الآن بين الطرفين .. لكن هل أن الرئيس الإيراني الإصلاحي هو من شكّل السابقة في استحضار صلح الحسن ؟؟

أم أن هناك من يحتفظ بامتلاكه صكوك تسجيل السابقة قبل روحاني ؟؟

طبعا لم يكن بمقدور روحاني الإستنجاد بصلح الحسن والإرتكاز عليه لفتح مغاليق المفاوضات مع واشنطن دون فتوى، وهي الفتوى التي تعود صكوك ملكيتها الاستراتيجية قبل الأدبية للمرشد الإيراني نفسه، والتي أطلقها عشية التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ 5+1 صيف 2015، ليغيب ذكر صلح الحسن عن لسان خامنئي خمس سنوات، ليستحضره بعدها في تغريدة لافتة وشهيرة بتاريخ 9 أيار / مايو الماضي بالقول : “أعتقد أن الإمام الحسن هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكن من صون الإسلام، وحماية القرآن، وتوجيه الأجيال القادمة”.

وعلى خطى خامنئي، سلك زعيم حزب الله طريق صلح الحسن. وهي الطريق المختلفة عن الطريق التي أرادها نصرالله من خلال توصيفه لخامنئي بحسين العصر.

إنها شجاعة الحسن إذن، وليس “حسين العصر”، تلك التي أراد خامنئي إسقاطها على نفسه عندما سار بالإتفاق النووي مع واشنطن وغيرها رغم الهواجس التي واكبته، وهي الشجاعة التي امتدحها نصرالله بإسهاب غير مسبوق، وصولا إلى تشديده في خطابه ليلة عاشوراء الماضية عدة مرات بالقول : “أن صلح الحسن هو الذي حفظ الإسلام سنة 41 للهجرة .. وإن الحسين سار على نهج الحسن بعد وفاته تسع سنوات ونصف”.

ثم ليسترسل نصرالله ويسهب في شرح طبيعة الصراع مع معاوية وصولا إلى عرض الشروط الخمسة عشرة التي وضعها الحسن للصلح الذي طلبه معاوية.

وفي مقال سابق بعنوان “نصرالله يستدعي الحسن بعدما استنفد الحسين”، أوضحنا الصلح الذي لأجله غير نصرالله مبدأه المزمن “لا نبالي أوقعنا على الموت، أم وقع الموت علينا” إلى مبدأ جديد “الصلح لحفظ الإسلام”، وهو المبدأ الذي قرّر بموجبه نصرالله ومن خلفه خامنئي إيران، الدخول في مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل (وليس فلسطين المحتلة)، بحسب منطوق “اتفاق الإطار” الذي أعلنه حزب الله تذاكيا بلسان نبيه بري، توازيا مع انطلاق قطار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي خليجيا ووصوله الى ربوع السودان المجوّعة.

تذاكي حزب الله، تجلّى في اعتماده إزدواجية مكشوفة سمحت بالمفاوضات بحجة المصالح اللبنانية والضغوط الدولية من جهة، وسحبت الشرعية (عبر بيان الفجر الشهير) عن الوفد المفاوض لوجود مدنيين في عداده مراعاة للبيئة الداخلية من جهة أخرى.

وفي سياق ما تقدم، لماذا حلال على نصرالله وخامنئي التلطي بصلح الحسن، وحرام على روحاني ؟؟ وهل سنسمع غدا من يطالب بشنق وإعدام خامنئي ونصرالله لأنهما أصحاب السابقة في استحضار صلح الحسن وامتداح شجاعته التي حفظت الإسلام ؟؟ وهل أن هناك تصدعات عميقة أصابت فعلا رأس النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة ؟؟ أم أن الأمر مجرد مناورة هادفة إلى فتح خطوط كافة المسارات بانتظار أن تفرج الإنتخابات الأميركية عن هوية الرئيس الأميركي الجديد ؟؟ وأي المسارات ستنطلق فيما لو أن ترمب مدّد إقامته في البيت الأبيض لولاية ثانية ؟؟.

هذه التساؤلات ستجيب عليها الأيام القليلة المقبلة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى