أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

العلاقات العربية الروسية وأهمية تعزيزها..

خميس بن عبيد القطيطي

khamisalqutaiti@gmail.com

 

العلاقات العربية الروسية وأهمية تعزيزها..

 

للحديث عن العلاقات العربية الروسية لا بد من استعراض الخلفية التاريخية وتحديد بعض المميزات التي ميزت الاتحاد السوفيتي السابق فيما يتعلق بمفهوم العلاقات الدولية وقواعدها وهنا يتقدم السوفيت على بقية القوى الدولية الأخرى رغم وجود بعض المحطات الحرجة في تاريخه، لكن يظل تاريخه ايجابيا قياسا بقوى الغرب التي تنمرت على شعوب العالم وتلطخت يدها بالجرائم أثناء حقب الاستعمار القديم والحديث .

الماضي السوفيتي مع الوطن العربي يذكرنا بلمحات مضيئة وذلك بعد تشكل النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية فكانت وقفة مشرفة للسوفيت إبان العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦م فقد وجهت القيادة السوفيتية إنذارا لدول العدوان وهي بريطانيا وفرنسا و”اسرائيل” بوقف العدوان خلال (١٢) ساعة والانسحاب خلال ثلاثة أيام وبالفعل تحقق انتصارا سياسيا سريعا لمصر بانسحاب قوى العدوان فكان هذا الانسحاب ليس من مصر وحدها بل تآكلت بقية المستعمرات الاوروبية  والبريطانية خاصة بعد أن كانت تسمى الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا بعد هزيمتها في الجزائر، وهذا ينطبق على بقية الدول الاوروبية التي استعمرت دول الوطن العربي من المغرب غربا والى العراق شرقا، لقد شكل هذا الواقع صورة تلك القوى الدولية التي مارست جميع مفردات البؤس والاذلال في حق الشعوب التي استعمرتها، بالمقابل يختلف ماضي الاتحاد السوفيتي اختلافا كليا فلم يسجل تاريخه صفة المستعمر في الوطن العربي بل كان داعما لقضايا العرب، وفي عام ١٩٥٨م بعد عامين وبعد ثورة ١٤ تموز بالعراق طلب النظام الجديد في العراق مساندة الروس لضمان وجود قوة عالمية تستطيع التدخل فيما لو تدخلت بريطانيا وهي بلا شك كانت تحكم قبضتها على العراق منذ ما قبل حلف بغداد الذي كان موجها ضد الاتحاد السوفيتي، فتوجه النظام العراقي الجديد للزعيم جمال عبدالناصر الذي بدوره أحاط القيادة السوفيتية بالواقع الجديد في العراق طالبا المساندة في حال تدخلت بريطانيا فوجه الزعيم السوفيتي خورشوف حينها تحذيرا لبريطانيا من مغبة التدخل في خيارات الشعب العراقي، وبعد استقرار الوضع للنظام الجديد في العراق قال خروشوف مقولته: “جميل أن يكون حلف بغداد بدون بغداد” .

تاريخ العلاقة بين العرب والسوفيت أيضا تجسد بامدادهم بالسلاح وفتح مخازن السوفيت للعرب مما ساند ذلك في تحرير الجزائر ودول عربية أخرى، ولم يكن السلاح السوفيتي محددا بأجيال معينة أو فئات من السلاح والقطع الحربية أو منزوعا منه بعض المواصفات على عكس السلاح الغربي الذي ما زال حتى اليوم وفقا لتحديدات معينة لا يمكن تجاوزها، وقد دخل العرب في حرب أكتوبر ١٩٧٣م بالسلاح السوفيتي على الجبهتين المصرية والسورية، لكن هذه العلاقات تراجعت في ظل غياب القطب السوفيتي بعد عام ١٩٩١م مؤقتا، لكنها عادت للواجهة بعد تجديد الدماء في الوريث الروسي منذ عام ٢٠٠٠م بقيادة القيصر فلاديمير بوتين، فبرزت العلاقة مع دول عربية مثل العراق والجزائر وسوريا، وفي السنوان الأخيرة اسهمت بقوة في صمود سوريا، كذلك كان موقف روسيا متوازنا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على عكس المواقف الغربية التي اصطفت مع الصهاينة طوال العقود الماضية .

اليوم تمد روسيا الاتحادية يديها نحو الاصدقاء العرب مدركة أن المصالح المتبادلة مع الوطن العربي يمكن استثمارها بشكل أكبر اقتصاديا وعسكريا خاصة أن التعامل بين الطرفين مؤطرا بالاحترام المتبادل وليس بثقافة الكاوبوي التي سيطرت على العلاقة مع الغرب عموما، ومن هنا فإن على العرب أيضا تبني زمام المبادرة في صياغة علاقة استراتيجية مع المحور (الروسي – الصيني) الذي يتصاعد في المشهد العالمي وقد بدأت بالفعل عدد من دول المنطقة عقد اتفاقيات شراكة اقتصادية مع هذا المحور منها الجزائر والكويت وايران، ولا شك أن التوجه العربي القادم تحكمه المصالح المشتركة، كما أن العلاقات يجب أن تبنى على الاحترام المتبادل وليس علاقات الهيمنة الذي مارسته وتمارسه بعض القوى الدولية .

اوروبا قد تكون هي المتضررة أثبتت الازمة الاوكرانية حاجة العالم للنفط والغاز ومحاولة البحث عن بدائل كافية والعالم اليوم على رمال متحركة قد يحدث فيها أية ظروف ومتغيرات قد تغير وجه العالم، ولا شك أن القوى المناوئة لروسيا ما زالت تعول على نهاية مختلفة للحرب في اوكرانيا، لكن القيصر الروسي وقيادته الفولاذية قد حسموا الكثير من خطوط التأثير ومازال مركز الثقل (النووي) لديهم في حالة انتظار، فما يميز روسيا في هذه الأزمة هو أنها تعرف ماذا تريد ولديها تقدير موقف واضح وتسير الاحداث على وتيرة هادئة أثبتت فيه القيادة الروسية احترافيتها في ادارة الازمة رغم كل العقوبات الموجهة ضدها، بل سجلت نجاحات لافته على الصعيد الاقتصادي والعسكري مما جعل قيمة الروبل الروسي ترتفع فقد تم استخدامه كأحد الاوراق الرابحة في هذه المعركة، وهي بلا شك معركة أكون أو لا أكون تسير لصالح الروس حتى الان.

أعتقد أن العرب اليوم يتعاملون مع الواقع الدولي الجديد بنجاح، فقد كان لافتا وقوف بعض الدول العربية الى جانب روسيا ضد مشروع القرار الغربي ما يوحي أن العرب مدركين أهمية هذه المرحلة التاريخية الفاصلة وهم يتعاملون معها بشكل جيد وينسجون علاقاتهم بشكل متوازن، ولا شك أن ولادة نظام عالمي متعدد الاقطاب يمثل أهمية كبرى للعرب كما هو لبقية دول العالم .

زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الى الوطن العربي التي شملت الجزائر وسلطنة عمان تحمل ذات الدلالات المتمثلة بمد روسيا يدها نحو العرب، وأعتقد أن رسالة العرب كانت سابقة أيضا سبقت الاشارة، وما من شك أن العلاقات الدولية تحكمها المصلحة وهنا فإن المصالح العربية في مد شبكة علاقات متوازنة وايجاد منافذ مختلفة وتعزيز التبادل التجاري وتنمية العلاقات الدولية مع محور صاعد (روسيا والصين) فهو يمثل أهمية كبيرة للطرفين العربي والروسي، خصوصا أن الوطن العربي يعتبر سوق اقتصادية كبيرة وتبرز أهمية تعزيز هذا التعاون والتبادل التجاري مع هذا المحور يعيد صياغة العلاقات الدولية بين العرب وبقية القوى الدولية.

لافروف تحدث بوضوح في زيارته للسلطنة شارحا الموقف الروسي من الحملة العسكرية في اوكرانيا والموقف الجيوسياسي الروسي ومستأنسا في الوقت نفسه بالرأي العماني الذي عرف بالحكمة والاتزان كما تحدث في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية العماني معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي في نقاط متعددة خاصة ما يتعلق بعدم تسيس اسواق الطاقة محذرا من خطورة التضخم كما عبر عن تثمينه للدور العماني في ملفي سوريا واليمن والمتطابق مع الموقف الروسي وبدوره أكد السيد بدر البوسعيدي أهمية التعاون مع الجهود الدولية في التوصل الى اتفاق حول الملف النووي الايراني، وهناك بعض الاتفاقيات المزمعة بين الجانبين منها تجنب الازدواج الضريبي والغاء التاشيرات المتبادل لمواطني البلدين وأهمية تعزيز التعاون بين روسيا الاتحادية وسلطنة عمان، بينما جاءت الزيارة الى الجزائر لتعزيز الشراكة معها وتأكيد تلك التحالفات، ولا شك فإن الرسالة الأخرى للزيارة موجهة الى بقية الدول العربية بان روسيا تمد يدها للجميع.

الحملة الروسية لم تنته بعد وهناك تأويلات وتحليلات مختلفة حولها، ولكن أعتقد شخصيا أن القياصرة الروس قادمون بقوة نحو صياغة نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب مما يبرز أهمية نسج علاقات متطورة معها وشراكة عربية مع هذا القطب الدولي وريث الامبراطورية السوفيتية والامة العربية في غالبها تتطلع الى ولادة نظام عالمي جديد تؤسس فيه العلاقات الدولية على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ويستعيد قواعد الاخلاق الانسانية التي غابت في حقب سالفة، ولا شك أن غياب تلك القيم والاخلاق الانسانية في أي نظام عالمي سيعجل بنهايته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى