أصداء وآراء

 الفيتـوري شاعـر الحـرية والجمـال..

‏الكاتب الصحفي/ محمـود الكنـزي

 

 الفيتـوري شاعـر الحـرية والجمـال..

 

إحتل الشاعر السوداني محمد الفيتوري مكانة متميزة في الأدب والشعر الافريقي والعربي .. ويعتبر من أوائل مجددي المفردة الشعرية .. وكانت له قوالب شعرية حديثة ومختلفة عن ماهو متعارف عليه من اوزان وقوافي الشعر التقليدي ..  ومنذ بداياته أظهر الفيتوري إنتماءه الثقافي والعرقي والمصيري لأفريقيا السوداء ويظهر ذلك بوضوح في  ديوانه الأول ” أغاني أفريقيا”..

لقد بدأ الفيتوري مشواره مع الشعر في مطلع خمسينيات القرن الماضي حين ظهرت حركات  التحرر في الوطن العربي وافريقيا وانطلقت مجموعة من رواد الشعر الحديث في الوطن العربي امثال بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي الذين كانوا يعبرون عن أحلام ونضال شعوب الوطن العربي .. ومن السودان إنطلق الفيتوري يستنهض بكل الحماس ثوار  إفريقيا ويجسد همومهم وقضاياهم .. ويصور في أشعاره ظلم الإنسان الإفريقي وصراعه ضد العبودية والاستعمار..

ركز الفيتوري في ديوانه الاول على أفريقيا ولكن شجون الوطن العربي لم تغب عن قصائده .. وبذلك شكل الفيتوري مع عدد من الشعراء السوادنيين امثال ‏محيي الدين فارس وتاج السر الحسن حالة فريدة من الانتماء لتيارين مختلفين هما النزعة الزنجية والولاء العربي .. وبذلك أصبح الفيتوري صاحب حضور قوي في الساحة الأدبية العربية والإفريقية..

ولد الفيتوري عام 1936م في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان .. وكانت جدته زنجية ووالده من ليبيا .. وقد أثرت فيه هذه الجدة الزنجية تأثيرًا كبيرًا إذ كانت تروي له القصص والأساطير الأفريقية .. وكان الفيتوري أول شاعر عربي يعالج في شعره قضية الصراع بين الأبيض والأسود .. متصديًا  للفوارق العنصرية والإجتماعية في المجتمعات العربية..

عندما بدأ الفيتوري النشر كان الهم القومي العربي هو السائد في الأدب العربي والمهيمن على الوعي الجماعي في ذلك الوقت .. لكن قصائده كانت خارجة عن المألوف كونه أراد فضح ” واقعنا اللاإنساني الأسود ” .. وكما كان متوقعًا جلبت له هذه القصائد المصاعب .. فسحب عنه الرئيس النميري جنسيته السودانية عام 1974 بسبب معارضته لنظامه .. ثم منحه القذافي الجنسية الليبيية وجواز سفر دبلوماسيًّا وبسقوط نظام القذافي سحبت منه السلطات الليبية الجديدة جواز السفر الليبي فأقام بالمغرب .. لكن الحكومة السودانية أعادت له جنسيته ومنحته جواز سفر دبلوماسيًّا عام 2014 م..

ولا شك أن مهنته بصفته دبلوماسيًّا سهلت له السفر الدائم .. ومكنته من العيش في العديد من المدن العربية مثل الإسكندرية والقاهرة والخرطوم ودمشق وبنغازي وطرابلس والرباط .. لكن بيروت هي المحطة الأساسية في حياته .. فقد عشقها وكتب فيها أروع قصائده .. وربطته بصداقات مع العديد من الشعراء هناك وخاصة مع أبناء الرحباني وفيروز .. ويقول الفيتوري : “أنا سوداني وعندما أكون في مصر أصبح مصريًّا وفي ليبيا أكون ليبيًّا .. فأنا دائمًا أشعر بالإنتماء إلى كل أرض عربية أعيش عليها”..

يُعد الفيتوري الشاعر السوداني الوحيد الذي اشتهر في كل العالم العربي .. ولغته العربية تميزت بمتانتها وعمقها ولقب الفيتوري بشاعر إفريقيا والعروبة .. وطالما ارتبط شعره بالكفاح ضد الاستعمار في الدول العربية وخصوصًا الإفريقية منها .. وخصص لهذا الجانب عدة مجموعات شعرية، وهو الشاعر العربي الوحيد الذي كان له هذا الارتباط القوي والراسخ بهموم القارة السمراء..

تقرب الفيتوري من بعض الحكام العرب خاصة  القذافي وصدام حسين ومن قبل السادات ، ومنح بعض الأوسمة وحصل الفيتورى على جوائز متعددة منها وسام الفاتح الليبي والوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب بالسودان .. وتوفي محمد الفيتوري عام 2015م  في المغرب التي كان يعيش فيها مع زوجته المغربية عن عمر ناهز 85 عامًا بعد صراع طويل ومرير مع المرض..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى