أصداء وآراء

كل المعارك في فلسطين وجودية والإدارة الأمريكية الجديدة لن تغير شيئًا في الجوهر..

الكاتـب/ نَـوّاف الـزَّرو

باحث خبيـر في الصـراع العربي الإسرائيلي

 

كل المعارك في فلسطين وجودية والإدارة الأمريكية الجديدة لن تغير شيئًا في الجوهر..

 

بعيدًا عن فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الامريكية، وبعيدًا عن الإدارة الأمريكية الجديدة المنتظرة التي ليس من المتوقع أن تغير شيئًا في الجوهر، فإن المشهد الفلسطيني لن يطرأ عليه أي تغير جوهري في معالمه الميدانية، ولذلك، وفي ظل زخم وتلاحق الأحداث والتطورات السياسية في المشهد الفلسطيني، وخاصة في ضوء صفقة القرن التصفوية وتداعياتها التطبيقية على الأرض الفلسطينية التي اعتقد أنها لن تتوقف ولن تنتهي فمفاعيلها تجري على الأرض الفلسطينية، وفي ضوء الاجماع السياسية الايديولوجي الصهيوني على شطب القضية والحقوق الفلسطينية، فقد أصبح واضحًا لكل الفلسطينيين أن كل المعارك التي يخوضونها على امتداد فلسطين أصبحت معارك وجودية، ولا فرق هنا بين معركة تخاض في وجه مستوطنين يحرقون أو يقتلعون شجرة زيتون، أو بين جنود الاحتلال الذي يقومون بغزو ومداهمة مخيم جنين مثلًا.

وفي المشهد الفلسطيني التفاصيل غزيرة جدًا، ففي أحدث وأقرب التقارير الفلسطينية التي تتابع تحركات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في أنحاء الضفة الغربية “فإن المستوطنين في حالة فلتان-جنوني-على الأرض”، يعيثون فسادًا كما يشاؤون، يصولون ويجولون ويدمرون ويقتلون ويقتحمون ويداهمون ويقتلعون ويحرقون مئات وآلاف الاشجار والحقول وينهبون الأرض الفلسطينية على طريقة الكاوبوي الأمريكي في عهده، ويدمرون مقومات الصمود والاستقلال الفلسطيني وكل ذلك بدعم وغطاء وحماية جيش الاحتلال، ودون أي ردع كبير يوقفهم عند حدودهم وهم عمليًا بلا حدود، بل وتجاوزًا لكافة الحدود والخطوط في إرهابهم المفتوح ضد الفلسطينيين.

وفي حقيقة المشهد، فإن كل الأماكن والمدن والقرى الفلسطينية، بل ربما كل بيت فلسطيني يتأذى من إرهاب هؤلاء المستعمرين المستوطنين، وفي التفاصيل أو أبرزها : فقد جاء في تقرير تحت عنوان “الضفة الغربية صراع ونهب ثروات وضم واستيطان”: “تعد الضفة الغربية المحتلة ساحة الصراع الحقيقي على الأرض؛ فقد تحوّل كل متر فيها منذ احتلالها عام 1967 إلى عنوان لشكل من أشكال المواجهة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه وعملائه، وتشكل الضفة الغربية (21%) من أرض فلسطين التاريخية بمساحة (5860) كلم مربع، وترتبط بحدود خارجية مع الأردن التي تعد شريانها الوحيد عبر معبر الكرامة، وكانت تتبع الأردن قبل عام 1967، وظل سكانها يحملون الجنسية الأردنية حتى “فك الارتباط” عام 1988 بناءً على طلب منظمة التحرير الفلسطينية – جنين – المركز الفلسطيني للإعلام – السبت 4 يوليو 2020″.

وأظهرت دراسة لمؤسسة “بتسيلم” الإسرائيلية: “أن المستوطنات تشغل ما نسبته 11% من أراضي الضفة الغربية، في حين تصنف 18.5% من أراضي الضفة الغربية مناطق عسكرية، ويعزل جدار الفصل العنصري 12٪ من أراضيها. كما أن (48) موقعًا في الضفة يصنفها الاحتلال محميات طبيعية وحدائق وطنية وأراضي دولة، وتشكل ما نسبته 12.4% من مجموع مساحة الضفة، وأن 88% من مجموع مساحات هذه المحميات يقع في المنطقة التي تم تصنيفها “ج”، ولا يبقى وفق ذلك سوى 42% من مساحة الضفة للفلسطينيين”، وهذه المساحة في الحقيقة ليست ثابتة فبلدوزرات الاستيطان والنهب والتهويد لا تتوقف عن العمل. وعلى امتداد هذه المساحات من الأراضي تتحرك عصابات المستعمرين المستوطنين الذين يطلق عليهم “شبيبة التلال الإرهابية” التي تتشكل بالغالب من طلاب المدارس الدينية اليهودية المتشددة؛ فذكر المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان في تقرير له “أن شبيبة التلال الإرهابية وطلاب المعاهد الدينية أقاموا غرفة عمليات مشتركة تحضيرًا لتنفيذ مخططات الضم”.

هكذا هي حقائق المشهد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الأراضي المحتلة حتى في ظل هذه الجائحة الكورونية العالمية، وهناك الكثير الكثير من المعطيات والتفاصيل المتعلقة بالحرب الاستيطانية لا مجال لذكرها في هذه المساحة الضيقة، ولكن يجدر الإشارة والتذكير هنا: بأن الإسرائيليون يجمعون اليوم من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم على شعار “الاستيطان أولًا”، وعلى أن “الاستيطان اليهودي هو الكتاب المقدس لهم”، وعلى “أن المستوطنين هم طلائع الدولة الصهيونية” و”نواة إسرائيل منالفرات إلى النيل”، لذلك لا أحد في “إسرائيل” اليوم من كبار قادتهم السياسيين والعسكريين ينتقد الاستيطان أو يطالب بوقفه مثلًا، بل هم يجمعون على مواصلته، وعلى أنهم في سباق مع الزمن؛ من أجل زرع كل الأراضي المحتلة بالمستعمرات التي لا يمكن أن تقتلعها من وجهة نظرهم؛ رياح المفاوضات أو التسويات أو القرارات الدولية إن حصلت، إذ ستكون “حقائق أمر واقع لا يمكن اجتثاثه”، ولذلك تلجأ سلطات الاحتلال للانقضاض على الفلسطينيين وعلى أراضيهم، وتقوم بمصادرة المزيد والمزيد من الأراضي يوميًا، وبناء المزيد والمزيد من البؤر الاستيطانية، وتحول البؤر القائمة إلى مستعمرات، وتقوم بتكريس مخططاتها الاستيطانية وفرض الوقائع على الأرض.. وتقوم حكومة نتنياهو بشن أكبر وأوسع هجمة استيطانية على الأراضي الفلسطينية منذ توليها الحكم، والهجوم الاستيطاني هنا يحمل كل عناوين ومعاني وتطبيقات الحرب الشاملة ضد الأرض والإنسان الفلسطيني.. وهكذا وكما نتابع، في ظل حالة انعدام الوزن والتوازن والتوهان وفقدان البوصلة العربية، بل وفي ظل التهافت التطبيعي العربي الوقح… وفي ظل الانشغال العربي بالحروب والصراعات الداخلية… تواصل دولة الحرب والهدم والاستيطان الاحتلالية رسم خطوطها ووضع وتكريس بصماتها في جسم الضفة و القدس .

نعتقد أن كافة المعارك والمواجهات المحتدمة على امتداد الوطن المحتل، باتت معارك وجودية تقرر تراكميًا مع الزمن الوجود والمستقبل الفلسطيني، والمخرج الوحيد من هذا المأزق الاستعماري الصهيوني هو الوحدة الوطنية الفلسطينية على كل المستويات، والتي يجب أن تكون مقدمة لحملة وطنية فلسطينية شاملة للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية الاستيطانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى