أصداء العالمإقتصاد

الخطة الرسمية للتعافي الاقتصادي بين مطرقة القرارات الدولية وسندان استحالة التنفيذ

أصــداء – العمانية

 (فانا)/ يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة مدة ثلاثين عامًا دون أن تحقق إنجازات وسط الإسراف في الإنفاق. ولعل أخطر حالة حصلت هي الشلل الذي أصاب المصارف منذ العام 2019 وحتى الآن وهذه تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات، فضلًا عن الانهيار غير المسبوق للعملة اللبنانية /الليرة/ التي فقدت أكثر من تسعين بالمائة من قيمتها مع ما أرخاه هذا الانهيار من تداعيات سلبية على مختلف القطاعات الصحية والتربوية والتجارية ويبقى الأهم تراجع القدرة الشرائية للمواطنين حيث أصبح أكثر من 70 بالمائة منهم تحت خط الفقر.

وسعى مجلس الوزراء بالحكومة اللبنانية إلى معالجة الأزمة والخروج منها، من خلال توقيع اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج مساعدات تتراوح قيمته بين 3 و4 مليارات دولار والذي اشترط من أجل إبرام الاتفاق النهائي تنفيذ ثمانية إصلاحات، أبرزها الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، لكن للأسف لم يُقر حتى الآن من هذه الإصلاحات إلا قانون تعديل قانون السرية المصرفية وإقرار موازنة 2022، كما أعدت الحكومة اللبنانية خطة تعافٍ اقتصادي ومالي لم تبصر النور حتى الآن.

ويقول الدكتور بلال علامة الخبير الاقتصادي والمالي في حديث إلى “الوكالة الوطنية للإعلام”: إن أصحاب المدخرات عجزوا عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم بالدولار الأمريكي أو قيل لهم إن الأموال التي يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوي سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية. وانهارت العملة، ما دفع بقطاع كبير من السكان إلى صفوف الفقراء. وبدأت الأزمة الاقتصادية الحادة في عام 2019 عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة التي كانت تمول بها بينما لم يخرج السياسيون بعد بخطة إنقاذ واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ”.

وأضاف أن الاقتصاد اللبناني أضحى في وسط الانهيار لأسباب عدة قد تبدأ بسوء الحوكمة ولا تنتهي بأزمة المديونية التي زادت الأزمة السياسية وجائحة كورونا من حدتها. وقد وصل حجم الدين العام لأكثر من 175 بالمائة من الناتج الإجمالي، ليكون بذلك من أعلى معدلات المديونية في العالم في وقت سجلت نسب التضخم معدلات خطيرة شارفت على وضع لبنان في المراتب الأولى عالميًّا. مشيرًا إلى تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، الذي أصاب حركة مرفأ بيروت في الصميم وتسبب بخسائر هائلة على مستوى البشر والحجر والحركة الاقتصادية.

وأشار بلال علامة إلى أن اقتصاد لبنان اعتمد خلال العقود الثلاثة الماضية على السياحة والخدمات وفي مقدمتها الخدمات المالية، ومنذ نهاية الحرب الأهلية نهاية ثمانينات القرن الماضي وبعد إقرار دستور الطائف الذي أنهى 15 عامًا من الحرب العبثية لم يتمكن لبنان من تفعيل قطاعاته الإنتاجية مجددًا كالزراعة والصناعات التحويلية الخفيفة ومختلف الحرف اليدوية.

وأوضح أن السياسات الحكومية للحكومات المتعاقبة، حاولت منذ العام 2010 إيجاد بعض الحلول لتفعيل الصناعات والصناعات الغذائية وبعض الأعمال الحرفية لكن اصطدمت كل هذه المحاولات بعوائق كثيرة، منها عدم القدرة على تحفيز القطاعات المذكورة وعدم القدرة على تأمين البنى الأساسية اللازمة. واللبنانيون يعيشون اليوم بقلق وريبة وشك، م يحملهم إلى ذروة جديدة من مسار انهيار دراماتيكي لم يهدأ منذ خريف 2019، علمًا بأن بوادره بدأت تظهر منذ أعوام سبقت وتحديدًا في 2015 ، وهم مشغولون بما سيؤول إليه وضعهم المعيشي، بعدما بلغ انهيار الليرة بداية العام 2023 مستوى صادمًا، بتجاوز سعر صرف الدولار الواحد 145 ألف ليرة في شهر يناير من العام 2023. وينتظر اللبناني انكشافات على مستويات عدة بعد أن بات أكيدًا أن كل محاولات وخطط الإنقاذ التي أعدت أو نوقشت أصبحت من الماضي وغير قابلة للتنفيذ أو أنها لن تبصر النور .

وقال إن مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج مساعدات تتراوح قيمته بين 3 و4 مليارات دولار، في وقت لم ينفذ شروطه كاملة، مسألة تشتد تعقيدًا مع الشغور الرئاسي المستمر منذ تسعة أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وعدم قدرة البرلمان على التشريع والحدود الضيقة لصلاحيات حكومة تصريف الأعمال، بالإضافة إلى استفحال الخلافات السياسية وصراعات أصحاب المصالح حول كيفية الخروج من الأزمة.

وكشف أن لبنان المرهق ماليًّا، تنتظره استحقاقات اقتصادية عدة سنة 2023، على وقع المزيد من التضخم، فيما يتطلع مسؤولوه نحو خطة تعافٍ وبرنامج مع صندوق النقد الدولي يخرجانه من الأزمة، علمًا أن كل الخطط للتعافي وللخروج من الأزمات مؤجلة بما فيها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وقد سجل لبنان خلال العام 2022 أسوأ تراجع عرفه في تاريخه، حيث بلغت نسبة التضخم في البلاد أكثر من 1400 بالمائة منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، بينما لا تزال الليرة اللبنانية تسجل هبوطًا قياسيًّا مقابل الدولار وفي مقابل هذا التدهور، ما زالت تسعى الحكومة العاجزة إلى إطلاق خطة “التعافي الاقتصادي”، من خلال إجراءات وتشريعات مالية تهدف إلى تعزيز النمو وخفض العجز في بلد يستورد 80 بالمائة من حاجاته من الخارج.

وقال الخبير اللبناني بلال علامة إن الشيء الوحيد الذي يسجل ماليًّا واقتصاديًّا للسلطة السياسية هو النجاح في إقرار موازنة العام 2022 رغم كل ما حملته من أرقام غير مدروسة دفعت بمجموعات من النواب والشركات وأصحاب المصالح والنقابات للطعن بقانون الموازنة جزئيًّا أمام المجلس الدستوري ويجري العمل حاليًّا على دراسة موازنة 2023 التي يبدو أنها ستكون نسخة منقحة ومضخمة عن موازنة 2022 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى