أصــداء منوعةقصص ، روايات

رواية وادي الرمال .. الحلقة (41)..

حـمـد الـنـاصـري

كاتـب و قـاص

 

رواية وادي الرمال .. الحلقة (41)..

 

في اليوم السادس بعد الاتفاق ، أخذت السيدة وجون تستعد بتوثيق رباطها الطبيعي وتحدّثت مع زوجها مُجدداً في أمر النّسْل والاحترام وحقوق الزوجيّة وأمر تسيير القرية ، وناقشا الاختلافات الفِكْرية ونظريات الطّبيعة والفِطْرة السوية ، كما ناقشا انحراف الناس في زمنهما ومُهمة المعبد والكُهان ، وتثبيت أسُس الحياة الدينية وتحسين الأحوال الحياتية وفْقاً للقُدرات والطّاقات والمُمَكّنات المعيشية وتكويناتها.

وانشغلتْ السيدة وجون بأمر ارتباطها الطبيعي مع ابن عمّها عدّار وأخذت تستكمل بقيّة الإجراءات ، رغم أنّ بعض الشروط مُجحفة إلى حد كبير للطرف الآخر ، وفي هذه الاثناء وصَل إلى عِلْمها من مُخبري قرية مجن وأطرافها ،بأنّ عدّار سوف ينتزع منها سيادتها وذلك هو هدفه من قبول كل الشروط القاسية ، ولكنها رغم ذلك سعتْ إلى تثبيت العَقد وتوثيق الاتفاق، وجنحت إلى السِّلْم دون خوف من خيانة أو غدر ، فانتبذتْ إلى رُكن قَصِيّ من دار بيت التراث واخْتلت بنفسها، وحدثتْها ماذا لو صحّت معلومة المُخبرين من رجالنا ، وانكشفت الحقيقة؟.

ماذا يُمكنني أنْ أفعل إزاء العقد والاتفاق؟ كيف أغيّر مجرى العقد وتصحيح ما وقعت فيه من خطأ في ذلك الاتفاق المشؤوم؟.

يا إلهي .. لم يكن عدّار مغفلاً ، بل كنت أنا المُغفلة وقد اسْتغفلني بدهاء ومكر .؟ فهل يحميه القانون إذا استمرّ على سذاجته ؟ وهل تُعد الغفلة مَبعثاً لما جهل من التزام وما ترتّب عليه من تنفيذ.؟ وهل الغفلة تُعد من السّهو ، أم هي الخطأ اللازم الذي يقع بغير فطنة، ومن لمْ يكن بغير فطنة لا يحميه القانون ، وكما يقال ، القانون لا يحمي المُغفلين.

وقد استدعت المُستشار ساعد وتحدّثت معه في هذا الامر الصّادم ،وأخذا يتجادلان في أمر عدّار.؟ فقال المستشار ساعد:

ـ أعلم أنّ الظرف قاسٍ وليس سهلاً ومُواجهته بنفس ردة الفِعْل ، رُبَما يُعرضك لخيبة أمل ، واني أنْصَحكِ بأنْ تلتزمي بالهدوء وتتحلّي بالصبر ، فسيادة مَجن أكبر وأعظم من ظرف كهذا ، وما عليك إلا أنْ تستجمعي التفكير السليم والتصرّف الحسن غير المُريب.

فما يُتم جمعهُ من معلومات مخبرية ومُلاحظات لا تمت إلى وقوعه ولا إلى حقيقة ثبوته ، وما تشعرين به من مخاوف لا يجب أنْ تقودك إلى مُواجهة علنية، فلا إتهام إلاّ بظاهر فِعْل؟.

هزّت رأسها مُؤكدة صواب الرأي وسداد الحكمة. ورغم اقتناعها بما حدّثها به المُستشار وما صوّبها إليه من حكمة وسداد رأي.. إلا أنها ارتأتْ توجيه أول قرار صادم لإبن عمّها عدار ، فأصْدرتْ أمراً ، يَرفع من سيادتها على أرض مجن الكبرى ، وأطلقتْ على نفسها لُقب السيّدة رسمياً ليكون صِفَةً لاسمها أينما حلّ ذكره.

وفي اليوم الثامن بعد الاتفاق ضاق عدّار ذرعاً ، فلم يستطع الاقتراب منها ، وكانت تصدّه إذا اقترب منها، وباتتْ الأشياء مُعطلة بينهما والامور مُعلقة إلى وقت غير مُبين.

وباتت السيدة وجون حذرة في كل ما يتعلّق بأمر عدّار ودعت المُخبرين من رجالها بأنْ يكونوا أكثر يقظة ، وأكثر حرصاً في جمع المَعلومات ، وكانوا في كل مرة يُؤكدون على تواتر نية عدّار غير السوية ، وأنّ الخيانة واقعة لا محالة ، فعدّار لا مشاعر دافئة له ، وأنه سوف يُفاجئك بأحاسيس صادمة ، لقد تعوّد على الخيانة وعلى القسوة ، فلا خير يُنتظر منه.

فثارتْ ثائرتها ولم تستطع الانتظار أو التحفّظ او إخْفاء مُواجهتها ، فدفعته بعيداً عن الفراش ، وقالتْ بحزم :

ـ إلزم نفسك ولا تقترب .. دع عنك التصنّع ، فلم يَعُد نافعاً.

وكانت ردة فعل عدّار في الحال وكأنّ الأمر مبيّت لديه :

ـ ما تطرحينها من أفكار تُعتبر انفراد لا شراكة فيها ، ولا تستند إلى منافع لنا، ويجب أنْ تتساوى المشورة بيننا او نشترك بها؟ وما دمتِ تتوجسين فأنتِ إذنْ مَخدوعة بشيء ما..؟ حياتك اليوم شراكة بيننا في كل شيء وأي أمر يهمّك يجب مُشاركتك فيه؟.

شعرتْ بأنه يستفزّها فردت بغضب :

ـ طريقة تفكيرك بائسة لا تجعلني أؤمن بها، وتوجّهاتك غير مأمونة؟ ومثل هذه الأفكار لا تطرحها عليّ ، فأنا لا احتاج إليها؟.

سكتتْ وأطالت النظر في عينيه ، وظلّت ساكتة ولم تُجبه بشيء وكادت أنْ تفضحها عينها وتوضّح له حقيقة مخاوفها ولكنها أسَرّتها في نفسها ولم تُبدها له .. ثمّ اردفت :

ـ هناك أمر آخر سأخبرك به في غير هذا المكان.

ثبّت عيناه في عينيها وقال :

ـ إنْ نحن أدركنا بأنّ أياماً مضت ولم يُستفاد منها ، فهي مضتْ بغير عودة ، وأيام أُخر قادمة لا يجب أن تمرّ دون سعادة؟.

قالت في نفسها :

ـ لن تراها السعادة مُطلقاً؟.

أخذ عدّار يُحدثها ويُمازحها تارة رغم الوجع الذي تلقاهُ منها وكان لديه شُعور بالخوف ، وتعززت مشاعر خوفه ، حين قررت الانفراد برأيها من دونه ، وتأكيد حق سيادتها في مملكة مجن دون مشاركته.

وحدّث نفسه.. سأتجنّب التصادم معها ، فلماذا أرهق نفسي لا شيء يُخيف عدّار ، ثم التفت إليها وقال :

ـ سنين من أعمارنا ذهبتْ بمخاوفها وشُكوكها ، ونحن اليوم لا يتربّص بنا شرّ.؛ وقد اتفقنا على بسطة الفرح والحُب والأمل، فالشجر نَضِر والنخلة لها طلع نَضِيد ، وكل شيء حولنا يسرّ الناظرين ، فلنتطلّع إلى مُستقبل حُلو جميل كما الثّمر والطّلع النضيد.

ضحكتْ باستهزاء ، وظلتْ لبرهة تضحك باستهزاء ، وشعر عدّار بأنها تستهزأ به ، فضحك مُجاملاً ، يُخادعها بضحكاته.

تماثلت أمامها مصلحة قريتها ، وشعرت بأنّ عدّار يُفكر بالانتقام منها وأنّ افكارهُ تسوقه إلى إذلالها ، رداً على قرار سيادتها على رجولته .. وحدّثتها نفسها .. عدّار لا ثقة به، يتماهى بأحاسيس كاذبة .. وتمتمت.. أتغدر بي ، أتريد أن تُعيد سيرة جدك وأبيك؟ سرق أبوك سدح أموال أبي مَعن واستولى عليها ،وجمع ثروته بغير وجه حقّ.

وساوس طرقت بابها ، اقتحمت أسوار عقلها ، فضاق صدرها ، تماهَت إليها الحقيقة وتكشّفت لها اسباب تقاربه .. وبصوت خافت ، من تشيطن مرّة ، لن تردعه نفسه ولو أغدقته بمال مَجن وكنوز مَعْن ؛ لن يتوقّف عدّار عن غدره وخيانته ، إنها شيطنة توارثها أباً عن جد.؛ ومن لا عهد له لا خير فيه.

يدها تقترب من سلاح أبيض، تراجعت وأزاحت يدها من يده شيئاً فشيئاً.. ودفعته عنها بعيداً ؛ وقالت وعينها تبرقه بغضب:

ـ اتركني وشأني.؟ لا مكانة لك في نفسي.

يـتـبـع 42 ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى