العالمسياسة

كازاخستان وتركيا تدخلان مرحلة جديدة من الثقة والشراكة

وكالة أنباء كازاخستان/ أصـــداء

 

تعتبر زيارة رئيس كازاخستان إلى أنقرة بمثابة مرحلة جديدة من الثقة والشراكة بين الدولتين التركيتين.

زيارة رئيس كازاخستان إلى أنقرة

كانت الزيارة الرسمية لرئيس جمهورية كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، إلى تركيا تأكيدًا هامًا على نضج واستدامة الشراكة الاستراتيجية بين أستانا وأنقرة. وقد عززت المفاوضات رفيعة المستوى، والمشاركة في اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي، وتوقيع اتفاقيات رئيسية، والتكريم الرمزي بمنح أعلى وسام تركي، الأسس السياسية والاقتصادية والثقافية للعلاقات الكازاخستانية التركية.

الحوار الشخصي بين القادة كأساس للثقة

كان بروتوكول الزيارة وأجواء الترحيب الحار دليلاً واضحاً على مستوى الاحترام والثقة المتبادلين. وكان استقبال رئيس جمهورية تركيا، رجب طيب أردوغان، لضيف الشرف على متن الطائرة، ومرافقة حرس الفرسان، واللقاء الاحتفالي في القصر الرئاسي، رموزاً ليس فقط للضيافة الشرقية، بل أيضاً للرمزية السياسية للأخوة.

نادرًا ما يلتقي الزعيم التركي بالوفود على المنصة، وعندما يفعل، يكون ذلك دائمًا حدثًا ذا أهمية رمزية واستراتيجية بالغة. وهذه لفتة دبلوماسية نادرة، تؤكد الأهمية الاستراتيجية للشراكة بين كازاخستان وتركيا. 

لذا، في الممر التقى: – الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، مما يدل على مشاركة تركيا المتزايدة مع إندونيسيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)،

– الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رمزاً لتطبيع العلاقات التركية المصرية بعد انقطاع دبلوماسي طويل،

– وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي يؤكد على إمكانات تركيا كمنصة للحوار الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والمنطقة،

– رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف،

– سلطان عمان هيثم بن طارق،

– زعيم حركة حماس معمر إسماعيل الدويش، في خطوة رمزية لدعم ووساطة تركيا في صراعات الشرق الأوسط. 

كما استقبل أردوغان شخصياً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كان في أنقرة في زيارة رسمية في يونيو 2022.

زيارة توكاييف إلى أنقرة

على مدى السنوات الخمس الماضية، عقد رئيس كازاخستان ورئيس تركيا 14 اجتماعًا ثنائيًا، وهو ما يشهد على المستوى العالي والاستدامة للتعاون.

وكان من الدلائل بشكل خاص تصريح أردوغان: “مرحباً بكم في وطنكم الثاني”، فضلاً عن تهانيه للشعب الكازاخستاني بمناسبة الذكرى السنوية الـ180 لميلاد آباي قونانبايولي – والتي أصبحت علامة على احترام التاريخ والثقافة الوطنية لكازاخستان.

البعد الاقتصادي: نتجه نحو 15 مليار دولار حجم التبادل التجاري

خلال اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، تم التأكيد على أن التعاون التجاري والاقتصادي يظل محورًا أساسيًا في الأجندة الثنائية. ومع النمو المطرد في حجم التبادل التجاري (حوالي 5 مليارات دولار أمريكي في عام 2023)، حدد الطرفان هدفًا طموحًا لزيادته إلى 15 مليار دولار أمريكي.

كازاخستان مستعدة لتوريد 34 نوعًا من المنتجات إلى تركيا مقابل مليار دولار، وفي المقابل، من المتوقع توسيع حضور السلع التركية في كازاخستان. تعمل حاليًا حوالي 4 آلاف شركة تركية في البلاد، وقد بلغت قيمة المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والبناء والزراعة والسياحة والطب 6 مليارات دولار.

التجارة بين كازاخستان وتركيا

تدفقات استثمارية ومشاريع جديدة بقيمة 160 مليار تنغي

تضمنت زيارة الرئيس توكاييف عددًا من المحادثات مع قادة الأعمال الأتراك، لا سيما مع شركة YDA القابضة، التي تُنفّذ مشاريع في كازاخستان لبناء وتشغيل مستشفيات متعددة التخصصات. وتعتزم الشركة إطلاق إنتاج الألواح العازلة في أستانا وإنشاء مركز متعدد الوسائط في أكتاو.

المفاوضات مع قادة الأعمال الأتراك

ستستثمر شركة ترياكي القابضة 160 مليار تنغي في معالجة القمح والبقوليات. وستبني مجموعة أورزاكس مصنعًا للأدوية في منطقة تركستان. وتنفذ شركة إس سيستم لوجيستيك، بالتعاون مع شركة كازبوست المساهمة، مشروع مركز لوجستي في مطار أكتوبي، ومن المقرر إطلاقه في النصف الثاني من عام 2026.

في المجمل، يجري تنفيذ 23 مشروعًا بقيمة 1.3 مليار دولار أمريكي في القطاع الزراعي الصناعي، منها 18 مشروعًا تم تدشينها بالفعل. ولا تزال تركيا سوقًا رئيسية للمبيعات، إذ تُصدّر إليها 25% من حبوب كازاخستان، وثلث قطنها، و26% من جلوتينها.

اللوجستيات والطاقة: التحرك على طول الطرق الاستراتيجية

أكد الطرفان اهتمامهما بتسريع تطوير طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين. واقترحت كازاخستان مشاركة الجانب التركي في بناء السكك الحديدية والموانئ والسفن البحرية ومحطات الشحن. ويُعد هذا التوجه بالغ الأهمية لصادرات كازاخستان، وكذلك لتعزيز العلاقات بين أوروبا وآسيا.

في قطاع الطاقة، نوقش توسيع إمدادات النفط عبر خط باكو-تبليسي-جيهان (1.4 مليون طن سنويًا)، بالإضافة إلى التعاون بين شركتي “كازموناي غاز” و”تركي بتروليوم”. كما اقترح الرئيس توكاييف إنشاء صندوق مشترك في مجال استغلال باطن الأرض، والمشاركة في مشاريع المعالجة العميقة للمواد الخام، بما في ذلك الفرص الجديدة المتاحة بفضل أحكام قانون الضرائب الجديد.

الابتكار والتعليم والثقافة

كما عكست الزيارة نطاقًا واسعًا من التعاون الإنساني والتكنولوجي. وتعتزم كازاخستان وتركيا تطوير مبادرات مشتركة في مجال تكنولوجيا المعلومات. وقد استعرض الرئيس توكاييف الإنجازات الرقمية للبلاد، ودعا الشركات التركية إلى الشراكة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.

يُولى اهتمام خاص للتعليم. يدرس أكثر من 12 ألف طالب كازاخستاني في تركيا، بينما يوجد حوالي 300 طالب تركي في كازاخستان. وفي المستقبل القريب، ستُفتتح مدارس تابعة لمؤسسة المعارف في أستانا وألماتي، وفي ولاية غازي عنتاب، بمبادرة من توكاييف، مدرسة جديدة للأطفال المتضررين من الزلزال. كما ستُنشئ كازاخستان نظامًا للإعفاء من التأشيرة لمدة 90 يومًا للمواطنين الأتراك.

التحديات العالمية والتضامن الدبلوماسي

تبادل الرئيسان وجهات النظر حول التحديات العالمية الراهنة. وتؤيد كازاخستان وتركيا حل النزاعات سلميًا بالطرق الدبلوماسية. وأشاد رئيس كازاخستان بجهود الوساطة التركية في حل النزاع الروسي الأوكراني، ودعم إصلاح الأمم المتحدة.

– تلتزم أستانا وأنقرة بمواقف مشتركة بشأن قضايا التنمية المستدامة والأمن العالميين. وأودّ أن أشير بشكل خاص إلى جهودنا الفعّالة في إطار منظمة الدول التركية، – أكد قاسم جومارت توكاييف.

وسام دولت نيشان – رمز الصداقة التاريخية

اكتسبت الزيارة أهمية خاصة بمنح قاسم جومارت توكاييف، أرفع وسام دولة في تركيا، وسام “دولت نيساني”. وأكد رئيس الدولة أنه رفض سابقًا أي جوائز، لكن هذا التكريم له أهمية تاريخية خاصة.

ترتيب نيسان الإلهي

وقال الرئيس: “أعتبر هذا التكريم الرفيع دليلاً على الاحترام العميق من الجانب التركي لجميع أبناء شعب كازاخستان. إنه رمز للصداقة الراسخة بين بلدينا، اللذين تجمعهما جذور ودين وعقلية مشتركة”.

ووصف أردوغان بأنه زعيم عالمي موثوق قدم مساهمة كبيرة في الاستقرار والتنمية الإقليمية.

وأضاف: “لن ننسى أبدًا أن تركيا كانت أول دولة اعترفت باستقلال كازاخستان. وهذه حقيقة تاريخية ستبقى محفورة في ذاكرة شعبنا إلى الأبد”.

تحالف مستدام يركز على المستقبل

وتعكس الاتفاقيات الثماني عشرة بين الولايات والوزارات التي تم توقيعها خلال الزيارة، فضلاً عن الإعلان المشترك للزعيمين، النية المشتركة لرفع الشراكة الاستراتيجية إلى مرحلة جديدة.

وقعت كازاخستان وتركيا 18 اتفاقية بين الدولتين وبين الإدارات، بالإضافة إلى إعلان مشترك

تشكل كازاخستان وتركيا نموذجًا للتعاون المتوازن والعملي ومتعدد القطاعات، حيث تشكل الأخوة والتاريخ والمصلحة المشتركة منصة موثوقة للمضي قدمًا.

لا تقتصر جهود أستانا وأنقرة على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تُنشئان أيضًا محورًا للاستقرار والتفاعل داخل العالم التركي، وعلى نطاق أوسع في الفضاء الأوراسي. الحوار الاستراتيجي بين البلدين اليوم ليس مجرد حوار سياسي، بل هو بناء مشترك لبنية المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى