
أنقرة/ خالد بن خليفه الشعيلي
يشهد قطاع الصناعات الدفاعية التركي نموًا لافتًا خلال العقدين الأخيرين، مدفوعًا برؤية استراتيجية تقودها رئاسة الصناعات الدفاعية (SSB) التي تُعنى بتقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير قاعدة صناعية وطنية متينة. هذا التوجه لم يقتصر على تلبية احتياجات القوات المسلحة التركية، بل امتد ليجعل من القطاع الدفاعي رافعة اقتصادية ذات أثر مباشر في زيادة الصادرات وتعزيز مكانة تركيا في الأسواق العالمية.
ويرى خبراء أن نجاح تركيا في بناء منظومة صناعية دفاعية متكاملة يعكس مزيجًا من التخطيط طويل المدى، والاستثمار المكثف في البحث والتطوير، وتشجيع الشركات المحلية على إنتاج أنظمة متقدمة قادرة على المنافسة دوليًا.
من بين أبرز المؤسسات التي تقود هذا التحول:
أسيلسان (ASELSAN): تجاوزت كونها مزودًا للاتصالات العسكرية إلى لاعب عالمي في أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية، مع تطبيقات مدنية تعزز عوائدها وتخفف من دورات السوق الدفاعية التقليدية.
إف إن إس إس (FNSS): تركّز على تزويد الجيش التركي وحلفائه بمركبات مدرعة حديثة، ما يفتح أمامها فرص تصديرية واسعة خصوصًا في أسواق آسيا والشرق الأوسط.
توساش (TUSAŞ/TAI): تمثل ذراع تركيا في الطيران والفضاء، حيث يُعد مشروع المقاتلة الوطنية “قآن” ورقة ضغط استراتيجية تقلل التبعية للغرب وتفتح الباب أمام شراكات جديدة في آسيا.
روكيتسان (Roketsan): نجاحها في تطوير صواريخ كروز وأنظمة دفاع جوي محلية يضعها في موقع تنافسي في سوق السلاح العالمي، مع إمكانيات تصدير واسعة لأسلحة عالية التقنية.
اقتصاديًا، انعكس هذا الزخم على زيادة حجم الصادرات الدفاعية، وارتفاع القيمة المضافة المحلية في الصناعات عالية التقنية، فضلًا عن خلق فرص عمل نوعية في مجالات الهندسة والبحث العلمي. كما ساعد على نقل التكنولوجيا إلى قطاعات مدنية حيوية مثل الطاقة والنقل والفضاء.
وفي بُعد آخر، تستثمر تركيا في إبراز قوتها الناعمة والتكنولوجية عبر فعاليات مثل “مـاڤي وطن” في إطار مهرجان TEKNOFEST بإسطنبول، الذي يسلّط الضوء على الرؤية البحرية التركية. هذه الفعالية تجمع بين المعارض العسكرية، ومسابقات الابتكار للشباب، وورش العمل التعليمية، ما يجعلها منصة مزدوجة: للترويج التجاري للقدرات التركية، ولإلهام جيل جديد من المهندسين والمبتكرين.
وبذلك، لا يقتصر دور الصناعات الدفاعية التركية على تلبية المتطلبات الأمنية، بل أصبح أداة اقتصادية واستراتيجية لإعادة رسم موازين القوى الإقليمية، وترسيخ موقع تركيا كفاعل رئيسي في سوق السلاح العالمي.