ثقافة وأدبعُـمانعُمان اليوم

الإبداع والابتكار لدى الأطفال والشباب في مواجهة التحولات التقنية

أصـــداء /العُمانية

في عصرٍ تتقاطع فيه الثقافات، ويتسارع فيه التقدم التقني، لم يعد الإبداع عند الأطفال والشباب مجرد مهارة بسيطة، بل أصبح مرآة تعكس فهم الجيل الجديد للعالم وقدرته على إعادة تشكيله. وبين ما هو واقعي وما هو افتراضي، وبين الأصالة والتأثر بالثقافات الأخرى، يواجه الطفل اليوم سؤالًا جوهريًا: “كيف أُكوّن ذاتي في زمنٍ تسيطر فيه الخوارزميات وتزداد فيه البيانات؟”، فالابتكار لم يعد إنتاج أدوات أو أفكار جديدة فحسب، بل أصبح تدريبًا على الاستقلالية الفكرية والتفاعل الواعي مع البيئة الرقمية والثقافية. وهنا تظهر أهمية المؤسسات التعليمية والثقافية في تعليم الأطفال التفكير النقدي، وتنمية حسهم الإبداعي، وتمكينهم من استخدام التكنولوجيا كجسرٍ يربط بين المعاصر والأصيل، وبين الممكن والواجب.

في هذا السياق، يتحدث عبدالله بن محمد الحارثي، مدير عام المعرفة والتنمية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، عن دور المؤسسات الثقافية في تعزيز الإبداع والتفكير النقدي وسط بيئة سريعة التغير، وعن مدى توفير فضاءات تساعد الأطفال والشباب على التعامل مع التطور الرقمي، ليصبح الإبداع لديهم تجربة حقيقية لفهم العالم، وليس مجرد استخدام أدوات جاهزة، ويقول: تشهد المجتمعات المعاصرة تحولات تقنية متسارعة تفرض أنماطًا جديدة من التفكير والتعلم، وتجعل من الإبداع والابتكار شرطًا أساسيًا لمواكبة التغيير. وفي هذا السياق، تضطلع المؤسسات الثقافية، وفي مقدمتها المكتبات والمراكز الثقافية الأهلية، بدورٍ محوري في تعزيز قيم الإبداع والتفكير النقدي، إلى جانب توفير بيئات تحتضن الأطفال والناشئة وتؤهلهم للتعامل الواعي مع الثورة الرقمية، فلم تعد المكتبات مجرد أوعية للمعرفة التقليدية، بل تحولت إلى منصات ديناميكية للتفاعل الفكري والإبداعي. ومن خلال أنشطة القراءة التحليلية، والندوات الفكرية، وحلقات العمل الإبداعية، يجري تشجيع المستفيدين على ممارسة مهارات التفكير النقدي، والبحث عن حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية. كما أن تنظيم المسابقات الأدبية والفنية يسهم في تحفيز الخيال وإطلاق الطاقات الكامنة، مما يجعل المؤسسات الثقافية حاضنة حقيقية لصناعة الأفكار الجديدة. وفي بيئة سريعة التغيير، يغدو هذا الدور ضرورة لبناء مجتمعٍ قادرٍ على التعامل مع معطيات التقنية بعقلٍ منفتح ورؤيةٍ واعية.

وأوضح أن المؤسسات الثقافية تدرك أن جيل اليوم يحتاج إلى ما يتجاوز التلقي والاستخدام السطحي للتقنية. ومن هنا تعمل على ابتكار فضاءات تعليمية وتفاعلية تربط الأدوات الرقمية بالمعرفة الإنسانية والقيم الثقافية، كما تُعزز هذه المؤسسات مهارات البحث الرقمي والتحقق من المعلومات، لتأصيل التفكير النقدي في التعامل مع المحتوى الإلكتروني. وبهذه الطريقة يتحول الإبداع إلى تجربة حياتية أصيلة، تجعل الطفل واليافع قادرًا على إعادة تشكيل العالم من حوله بدل الاكتفاء بالاستهلاك.

وأشار إلى أن ما تسعى إليه دائرة المكتبات والمراكز الثقافية الأهلية هو الاستثمار في الإنسان قبل كل شيء؛ فتعزيز قيم الإبداع والابتكار يضمن إعداد جيلٍ يتمتع بالمرونة الفكرية، قادر على تحويل التحديات التقنية إلى فرص، وعلى بناء مستقبلٍ يوازن بين التقدم الرقمي والأصالة الثقافية.

وأضاف: إنها مسؤولية تتجاوز حدود الحاضر لتؤسس لمجتمعٍ متجدد، واعٍ، ومبدع في آنٍ واحد. كما يأتي مركز ثقافة الطفل ضمن هذه المؤسسات التي لها دورٌ أساسي في بناء جيلٍ من الأطفال والناشئة يتميز بالوعي الثقافي والقدرة على التفاعل مع التطورات الرقمية، مستندًا إلى رؤيته في إعداد جيلٍ معتز بهويته الثقافية والوطنية، ذو مهارات وقدراتٍ مواكبةٍ للتغيرات التقنية والعلمية، في انسجام مع أهداف الاستراتيجية الثقافية. وتزداد أهمية هذا الدور مع حاجة المجتمع إلى أطفالٍ قادرين على الجمع بين المعرفة النظرية والخبرة العملية، بما يجعلهم شركاء فاعلين في بناء المستقبل ومواجهة تحدياته. فتنظيم الحلقات الإبداعية في مختلف المجالات يتيح للأطفال والناشئة خوض تجارب عملية تحفّز عقولهم على تحويل الأفكار إلى مشاريع ملموسة، وتحويل المعرفة إلى أدوات عملية تعكس هويتهم الثقافية وتفتح لهم آفاق الابتكار. كما يمكن لهذه الفضاءات أن تسهم في تنمية مهارات الاتصال، والعمل بروح الفريق، وتشجيع الأطفال على التعبير عن أفكارهم بحرية، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويقوي قدرتهم على مواجهة التحديات المتغيرة.

وبيّن أن توظيف التكنولوجيا يمثل ركيزة أساسية في هذا المسار، ليس باعتبارها أدوات استهلاك جاهزة، بل باعتبارها منصات تفاعلية يمكن من خلالها تقديم الثقافة العُمانية بأساليب حديثة. فاستخدام تقنيات حديثة مثل الواقع المعزز أو الألعاب التعليمية الرقمية يجعل الأطفال يعيشون تجربة ثقافية عميقة تعزز ارتباطهم بمحيطهم، وتساعدهم على تطوير وعي نقدي تجاه ما يستهلكونه من محتوى رقمي، وتفتح أمامهم فرصًا واسعة للإبداع في مجالات الثقافة، والعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والفنون، وغيرها من المجالات.

وقال الحارثي: إن التفكير النقدي يُعد محورًا رئيسيًا في هذا الدور، فهو يمكّن الأطفال والناشئة من التحقق من المعلومة، وتحليل المعطيات، وطرح الأسئلة الصحيحة. وهنا تبرز أهمية تصميم برامج تعليمية وثقافية تقوم على الحوار المفتوح، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، بحيث يصبح الأطفال والناشئة مشاركين في صناعة المعرفة بدلًا من الاكتفاء باستقبالها. كما أن إشراك الأطفال والناشئة في تصميم وتنفيذ بعض الأنشطة الثقافية يسهم في تنمية شخصياتهم، ويمنحهم الإحساس بأهمية دورهم في المجتمع، ويغرس فيهم روح المبادرة. هذه المشاركة تجعل من الإبداع ممارسةً حقيقية تواكب تطلعاتهم، وتعزز قدراتهم على التفاعل مع المتغيرات التقنية والعلمية، وتمنحهم أدوات لبناء شخصياتٍ أكثر استقلالية ومرونة في مواجهة المستقبل.

مبينًا أن قسم ثقافة الطفل بدائرة الأنشطة الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب يسعى عبر مسابقات جائزة ثقافة الطفل السنوية إلى تقديم ما يساعد الطفل على رفع مهاراته الإبداعية والنقدية في ظل التطور المتسارع لفضاءات التقنية والتواصل السريع، والتصاعد في العمل بالذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال طرح مواضيع للتحدث عنها في مسابقة “تحدث كي أراك”. وقد سعت جائزة ثقافة الطفل، التي يشرف عليها قسم ثقافة الطفل، إلى توفير القصص التي تعزز الهوية الثقافية من خلال مسابقة “عُمان تحكي” الموجهة للأطفال، والتي تختار سنويًا مواضيع يكتب فيها كتّاب أدب الطفل، تهدف إلى تثبيت الهوية في ظل هذا التسارع للذكاء الاصطناعي، ومنها موضوع التراث الثقافي المادي، والتراث البحري، والبيئة البحرية، والمواسم العُمانية.

ويتطرق الكاتب والقاص العُماني الدكتور سمير بن فايل العريمي إلى التكنولوجيا ومدى إمكانية استخدامها من قِبل الأطفال والناشئة لإنتاج محتوى ثقافي يواكب العصر ويحافظ على أصالتهم، بالإضافة إلى مدى توظيفها لتصبح وسيلة للحفاظ على الأصالة الثقافية، وما إذا كانت تمثل تحديًا يفرض إعادة تعريف الهوية والإبداع على أساس متغيرات رقمية متسارعة، ويؤكد: أطفال اليوم من اليافعين والناشئة يمتازون بامتلاك أدوات تقنية لم تكن متاحة للأجيال التي سبقتهم، لعل من أبرزها التكنولوجيا الذكية وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وهي – في اعتقادي – بمثابة الفرصة الثمينة لإعادة صياغة الهوية الثقافية المستقاة من روح الأصالة والإرث الحضاري الممتد، مع الانفتاح على عصرٍ جديدٍ روحه الأساس تحقيق الإبداع الثقافي. وبالطبع، فإن هذا لا يتحقق بالأماني والتطلعات الخيالية، وإنما بجهود خلاقة وتربية رصينة يشترك فيها البيت والمدرسة ووسائل التثقيف والتربية المجتمعية، لمساعدة الأطفال والناشئة في استثمار الإمكانات والأدوات التقنية التي يوفرها العصر لإنتاج محتوى ثقافي يواكب روحه دون التخلي عن الجذور العميقة لأصالتهم الحضارية.

ويضيف العريمي: يمكن – على سبيل المثال لا الحصر – استغلال التكنولوجيا الذكية في عرض الحكايات الشعبية ذات القيم والمبادئ الأخلاقية النبيلة، ما ينتج إبداعًا جميلًا، أو تحويل المرويات الشفاهية للأجداد وتوثيقها في بودكاستات أو مقاطع تفاعلية مرئية، بل يمكن حتى تطوير تطبيقات خاصة لمحاكاة الألعاب الشعبية، وقيم المجتمع، وعاداته المعبر عنها بالسمت العُماني الأصيل عبر بيئات افتراضية سهلة التعلم. أضف إلى ما سبق أنه بإمكان الجيل من اليافعين والناشئة التعبير عبر منصات التواصل الاجتماعي والمدونات الرقمية بلغتهم وأساليبهم، وإيصال أفكارهم ورؤيتهم للحياة والمستقبل مع الحفاظ على الروح الثقافية التي تميز إرثنا الحضاري المتجذر دينيًا ووطنيا وإنسانيًا.

ويشير إلى أن إمكانات الذكاء الاصطناعي القادم بقوة يمكنها الإسهام في هذا الجانب عبر أدوات الترجمة الذكية ومعالجة اللغات، ليغدو بالإمكان – مثلًا – التطلع إلى نقل إرثنا الثقافي إلى لغات شعوبٍ وأممٍ أخرى، ولِمَ لا؟ أو الانفتاح على أسواق جديدة كما يُقال بلغة التجارة والأعمال، وذلك عن طريق توثيق القصص والحكايات ذات الطابع الشعبي الخاص بنا، وحفظها في صيغٍ وتطبيقاتٍ ومستودعات رقمية قابلة للإنماء والتطور، بل والاستدامة، وتحقيق التفاعل الحضاري مع الآخر مع الحفاظ على هوية المجتمع وخصوصيته. فاستخدام التقنيات الناشئة مثل الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) يتيح لأبنائنا من الأطفال والناشئة معايشة ماضيهم التليد الذي نفخر به ويميزهم عن غيرهم، وإعادة إحياء طقوسه وعاداته والاحتفاء بمناسباته العريقة في بيئات رقمية ذكية نابعة من روح العصر الذي ينتمون إليه، ما يزيد من فرص تفاعلهم مع محيطهم الثقافي والإبداع عبر التعلم النشط.

ويبيّن بقوله: يمكن القول، وبكثيرٍ من الثقة، إن التكنولوجيا لن تشكل تهديدًا لأصالة وثقافة المجتمع وإرثه الحضاري، متى ما امتلك المربون من أولياء أمورٍ ومعلمين الرؤية والوعي اللازمين في القيام بدورهم التربوي تجاه الأجيال الناشئة. فالتكنولوجيا يمكنها أن تكون حاضنة للهوية الثقافية لأبناء المجتمع، متى ما أُحسن استخدامها في تعزيز القيم وتعميق الفهم المتبادل بين الأجيال. أما إن كان الاستخدام سطحيًا أو تم بأسلوبٍ عشوائي لا يراعي هذا البعد الثقافي، فالمحاذير والعواقب الناتجة عن ذلك ستكون كبيرة بلا شك على الفرد والمجتمع؛ يكمن التحدي الأكبر إذًا في التوازن بين الانفتاح على الآخر وبين الحفاظ على الخصوصية الثقافية. ومهمتنا أن نحرص على امتلاك أبنائنا من الناشئة والأطفال أدوات التفكير الناقد، والقدرة على أن يميزوا النافع من الضار الدخيل على ثقافتنا، وتربيتهم في البيت والمدرسة على أسس الابتكار والإبداع والمزج الواعي بين الحداثة والأصالة بإنتاج محتوى رصين، وليس مجرد الشغف بكل ما هو جديد واستهلاكه استهلاكًا سلبيًا.

أما الكاتب في الخيال العلمي والروائي محمد قرط الجزمي، فيتحدث عن تأثير التقاء الثقافة والتقنية على قدرة الأطفال على التعبير عن أنفسهم وإظهار إبداعهم، وما إذا كان سيظل إبداع الطفل مجرد تقليدٍ لما تقدمه الثقافات الرقمية المحيطة، وما إذا كان يمكنه ابتكار رؤية خاصة تعكس فهمه العميق للعالم ولنفسه، ويقول: نحن مطالبون بمواكبة هذا العصر الذي يعتمد على التقنية محرّكًا هامًّا لكل القطاعات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لكنَّ الحاصل اليوم أن كثيرين لم يسخروا التقنية لصالحهم، بل صاروا يغوصون في الوهم الهدّام، الذي إن لم يتم تداركه، لنشأ من ورائه ضياعٌ إنسانيٌّ.

ويوضح الجزمي قوله: تقول نظرية الاستغراق “كلما انغمس الفرد في العالم الافتراضي أعمق، زادت احتمالية انتقال سلوكه إلى واقعه”، وبالفعل، نجد الفرد يرتبط بهاتفه المحمول ارتباطًا أقوى من ارتباطه بالواقع، فهو بذلك في عزلةٍ مخيفة، تجعله يهمّش حياته الحقيقية، فالأولوية للعالم الافتراضي، إلى درجة أن الواقع صار معكّرًا لمزاجه، حتى أصدقاؤه يختارهم على مبدأٍ يتعلق بمصالح محددة، فهم أولئك الذين يضيفونه ويضيفهم، ومن يضغط على زر “إعجاب” ويشارك منشوراته، فهو الأقرب إليه، بغض النظر عن المحتوى الذي كثيرٌ منه قد يكون تجاوزاتٍ أدبيةً وفكريةً، يفخر المرء بتجاوزها، ويطالب الآخرين بالإعجاب بها. هذه السلوكيات، بحسب نظرية (الاستغراق)، ستنتقل إلى الواقع، ما من شأنه أن يتعارض هذا كله مع المبادئ على نحوٍ يصعب علاجه إن تفشّى.

ويضيف: ينطبق القول على الألعاب أيضًا، فالتربويون يعلمون ماهية “سيكولوجية الألعاب” وكيف أنها تزرع الأفكار والقيم والسلوك، وبالمقابل كيف تهدمها. وأما عن الذكاء الاصطناعي، فهذا حديثٌ عميق، إذ مع القدرة الهائلة التي نلمسها في هذا المنحى، يستكين عقل الإنسان ويهدأ، متكئًا على الذكاء الاصطناعي الذي يفكر، ويخطط، ويرسم، ويبدع، ويقوم بالأعمال كلها، حتى إذا مر الزمن على الإنسان قل عطاؤه وإبداعه وذكاؤه.

ويشير في سياق الحديث إلى أن كل هذا يُفضي إلى التوهان وعدم الاستقرار الفكري، بالرغم من أن الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، لكن التقنية من هذه الناحية ألغت هذا الطبع الإنساني. هي حالة من الاغتراب؛ أن يكون الفرد بين أهله لكنه يشعر بأنه غريب.

وأضاف: هناك مصطلح اسمه “التشيؤ”، باختصار هو أن يصير المرء مجرد شيء، يقابله مصطلح “التمكين”، وهو أن يتمكن المرء من نفسه وحياته، أن يعيش في استقلالية فكرية وسلوكية، تكون له خطوط حمراء لا تتجاوزها مواقع التواصل ولا الألعاب، وأن يستشعر أنه إنسان له قيمته، لنزر العالم الافتراضي، لكن مجرد زيارة لا إقامة دائمة، ولنفرّق بين الحقيقة والزيف، ثم لنعتبره متنفسًا نخرج منه بمتعةٍ أو بفائدة.

وأكد: هنا تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات التعليمية والثقافية في إقامة الفعاليات الحية التي تُخرج الأفراد من العالم الافتراضي، وتزرع فيهم الوعي في كيفية التعامل مع التقنية بالأسلوب الذي يخدم ولا يهدم. وإن الوضع الطبيعي هو أن (نستخدم التقنية)، لكن الحاصل في واقعنا اليوم أن (التقنية هي التي تستخدمنا)، وهذا هو /الأمر/ الذي يحول بين الإنسان وبين الإبداع والابتكار.

ويوضح: ما أود الإشارة إليه هو أن الطفل طاقةٌ من خيال، والخيال محرّكٌ أساسٌ للابتكار والإبداع، وأرى من التأكيد على أهمية هذا الأدب غير المستثمر في الوطن العربي، وأقول إن من أهم أسباب الإبداع والابتكار في المناطق غير العربية ككل هو اهتمامهم بالخيال العلمي، الذي يفتح الآفاق لتنمية العقول دون الخروج من الواقع المعاش، فالخيال العلمي أدبٌ يُكتب بخيال، لكنه يحمل الكثير من الإسقاطات على الواقع.

أما الفنان التشكيلي سعيد النحوي، فيتطرق إلى الأدوات المناسبة لتحفيز ابتكار الأطفال في عصر الذكاء الاصطناعي، وإمكانية مساعدة تلك الأدوات الرقمية على تطوير التفكير النقدي والإبداع الحقيقي لديهم، مقابل إنتاج حلول جاهزة تبدو مبتكرة لكنها ليست كذلك، وقال: يشهد العالم تقاطعًا ثقافيًا متنوعًا وتسارعًا تقنيًا، وبشكلٍ لافت في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أنتجت أدوات الذكاء الاصطناعي مخرجاتٍ متنوعة في البرمجة والهندسة والعلوم كافة، واستخدم عموم الناس الأدوات في يومياتهم وأعمالهم، وانتشرت تصاميم وصور وفيديوهات أنتجت بواسطة منصات الذكاء الاصطناعي. ومن هذا المنطلق، لم يعد الإبداع لدى الأطفال والشباب مهارةً إضافية، بل أصبح الإبداع مؤشرًا على الاستقلالية الفكرية والقدرة على إعادة تشكيل الأفكار والإنجاز الواقعي. وبين الواقعي والافتراضي، يبرز سؤال يرتبط بهُوية النشء: كيف سيصنع الطفل ذاته في عصرٍ تُوجّه فيه الخوارزميات الخيارات وتتعدد، وتتنوع، وتتشابك فيه البيانات.

ويضيف: في زاويةٍ أخرى، الابتكار والإبداع اليوم لم يعودا “إنتاج فكرة براقة”، بل هما ممارسةٌ منهجية تجمع الأصالة والحداثة والارتباط ومرونة تشكيلها بأبعادٍ مختلفة وسياقاتٍ متنوعة. كما أن دور المؤسسات التعليمية والثقافية الآن – وبشكلٍ كبير – هو دورٌ محوري في ترسيخ التفكير النقدي، وتمكين الطلبة من استخدام هذه التقنية كأدواتٍ داعمةٍ تعليمية تدعم منهج التجريب والمحاولة والاستكشاف، وليس كأداةٍ تُخرج لهم المخرج النهائي من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

ويشير إلى الأدوات المناسبة لتحفيز ابتكار وإبداع الأطفال في عصر الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا: يجب أن يبدأ مسار تنمية مهارات التفكير الإبداعي بأدوات الاشتغال اليدوي البنائي مثل مجموعات مكعبات التركيب البسيطة والبازل، لما تتيحه من اختبار فرضياتٍ ملموسة بعيدًا عن “نسخ/لصق” الأفكار. يلي ذلك استخدام أدوات الإنشاء الرقمي غير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل Scratch وTinkercad وCoSpaces وأدوات الصوت والرسم المجانية؛ لأنها تعرّف الطفل بطريقة بناء المخرجات وبنيتها (متغيرات، حلقات، طبقات) قبل الانتقال إلى الأتمتة.

وقال النحوي: إن أدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن تُدرج كمختبرٍ تعلّمي في مراحل لاحقة، خاضعة لقاعدة تنظيمية عملية أسميها (١٢٣ + AI)، تحتوي على ثلاثة قرارات بشرية موثقة (تعريف التجربة أو الهدف، سبب الأسلوب المتبع، البدائل)، ومصدرين موثوقين خارج أدوات الذكاء الاصطناعي، ثم بيانٍ واحد يوضح أين استُخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي وما الذي أُنجز يدويًا. وبهذه المنهجية سيكون العمل بمشاركة الدماغ البشري ومهارات الابتكار وأدوات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ دقيق ومبنيٍّ على الفهم والتحليل، وسيتمكن الطلبة من تحويل الذكاء الاصطناعي من “كاتبٍ تلقائي” إلى مختبر مقارنة، وسيكون هناك تقييمٌ مستمر على كل نقلة فكرية، وليس تقييم المظهر النهائي فقط، وستُمكّن المعلمين أو المشرفين من قياس “نقل الفكرة” إلى سياقاتٍ جديدة، وهي أحد مؤشرات (الإبداع الحقيقي).

وأوضح: قد يقع الطلبة في فخَّين شائعين، هما (انحياز الأتمتة) من خلال تصديق المخرجات باعتقادٍ خاطئ أن صياغتها دقيقة وغير قابلة للخطأ، وكذلك (وهم الطلاقة) سرعة الإنتاج والإنجاز والتفكير الإبداعي بوصفه دليل إتقانٍ ومهارةٍ لديهم. ويمكن علاجها من خلال تفعيل منظومة تقييمٍ واضحة تُقاس فيها الأعمال وفق (أصالة الفكرة، منطق التسلسل، قابلية النقل والتطوير، والتوثيق) وليس الجماليات أو المخرج فقط. ويجب أن يكون هناك مساران لكل مشروع: نسخة أولى بدون ذكاءٍ اصطناعي، ثم نسخة ثانية مع الذكاء الاصطناعي للمقارنة، من أجل الطالب ذاته لبناء وعيه ومهارته الفكرية، مع مراعاة توعية الطلبة بمبادئ الخصوصية وشفافية دور الأدوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى