
دمشق قلبي..والمنفى قلمي!!
هيام سلوم.
يا مدينةَ الجمال…
يا نبضةَ القلب وحنينَ الروح،
يا حضنَ الدفءِ كلّما ناداه الغياب…
يا نسيمَ الصبح، وآذانَ الفجر على ضفاف بردى…
وفي ربوعكِ كُتبت أولُ اتفاقيةِ سلامٍ في التاريخ، في معاهدة قادِش، في القصير بمدينة حمص، حيث كانت الحرب طاحنةً بين الحثيين والفراعنة.
من ضلوعكِ أزهرتْ أولُ أبجدية، وأولُ نوتةٍ موسيقية.ومنكِ انطلقتِ الإمبراطورياتُ .
ياموطىء توطين الإنسان..
وأول أبجدية …
كلُّ الدروبِ تأخذني إليكِ، لكلِّ خطوةٍ فيكِ ذكرى، وحكاية…
وخلفَ كلِّ حجرٍ من أحجاركِ دمعةُ شوق…
يا ذكرياتٍ لا تموتُ في جلساتنا الدافئة في القيمرية، وأبو رمانة، وباب توما، وبلودان.
يا من كنت ملاذَ الخائفين والتائهين،
يانغمةَ الطرب،يامدينةَ الجمال..!!
كم مرةً سهرتُ في لياليكِ… ومشيتُ على أرصفةِ أحيائكِ القديمة، العربية الأصالة…
يا شامي، يا هيامي، وباحةَ أحلامي،
أتذكرينني كما أذكرُ قمركِ يعانقُ قاسيون، ويحكي لي عن زمنٍ مضى، وخطًى مبللةٍ بالدهشة؟
يا شام أنتِ الحبُّ الذي لا ينتهي،
أنتِ الحديثُ الذي لا يُمل،
أنتِ شذا العطور …
غيابي عنكِ لم يكن خيارًا ولا قرارًا،
بل كان موتًا آخر…
انتحارًا فرضته حربٌ شعواء، هوجاء، مجنونة…
لكنّكِ لم تغيبي، بل سكنتِ نبض القلب، وحبر القلم،
وأزهرتِ على أغصان غربتي فُلًّا وأبجدية ..
كنتِ معي في فنجان قهوتي، في ضجري، وشوقي، وسلوتي،
معي في حقيبتي، أحملكِ على كتفي، لا تفارقيني…
أيُّ ذاكرةٍ تلك التي لا تموت؟ ولا يقتلها البعد،
بل تُبعثُ إلى الحياة عندما يمرُّ نسيمُ هواكِ…
أتذكّر كلَّ درب، وكلَّ زاوية، وكلَّ أغنية..
كأنّ الذاكرة، مهما أحاطتْ بها النار، لا تحترق،
عصيةٌ على الغياب لأنكِ فيها.
آهٍ يا دمشق…!!
يا جُرحًا لا يلتئم،
نغادر أرضكِ، ولكنكِ لا تغادريننا،
تسكنين اللحظات، كما الموجُ يسكنُ البحر، وكما النجمُ يسكنُ الليل.
المسافاتُ عنكِ وهم،
كأنني حملتُكِ بين ضلوعي،
أتنفّسكِ في صباحي، ومسائي،
أهاجرُ منكِ إليكِ،
أشمُّ في غربتي رائحةَ ياسمينكِ.
أتذكرين، يا دمشق، يومَ خرجتُ من دار الأوبرا؟
وأخذني شرودٌ بكِ، وتُهتُ عن الطريق؟
أتذكرين؟
لم أخف… ولم أرتجف،
لأنكِ أمسكتِ يدي، واهتديتُ عندما رأيتُ المتحفَ الوطني،
وعرفتُ كيفَ سأتجه نحو سكني.
يا جميلةَ القد، يا صبيةَ العهد،
كم تنهشني الدموعُ حين أفكرُ بما حدثَ على فراش طُهركِ، وفي ربوعِ أرضك…
كفتاة في عزِّ صباها وجمالها
يغتصبها الغرباءُ واحدًا تلو الآخر،
يتركونها جثةً هامدة، ولا يرتوون…
يبدأ الطعنُ كلَّ يومٍ في طرفٍ من أطراف جسدكِ المثخنِ بالدماء…
لولا حروفي يا دمشق، أُهدئ بها جنونَ شوقي،
لمُتُّ منسيةً…
صار القلمُ خارطةَ
ترسمُ لوحاتِ القهرِ والهجرِ على شواطئِ السهر…
والأبجديةُ تنوح،
والكلماتُ تهذي وتصرخ من فرطِ الألم.
يا دمشق يا نبضُ قلبٍ لا ينطفئ، وسطرٌ خالد في كتاب الحياة. رغم الغياب والشتات، تبقين في الروح، تنبضين في الكلمات، وتروي قصة حبّ لا يموت.














