عُـمانعمان والعالم

اعتماد “قرار سلطنة عُمان” في ختام المؤتمر العالمي للسرطان 2025

أصـــداء /العُمانية

 

اعتمد المؤتمر العالمي للسرطان والقمّة والمعرض المُصاحب لعام 2025، في ختام أعماله اليوم بمسقط، “قرار سلطنة عُمان” الذي دعا الجهات المعنيّة من حكومات ومؤسسات رعاية صحية ومراكز أكاديمية ومجتمع مدني وشركاء دوليين إلى اعتماد هذا القرار وتنفيذه ضمن الخطط الوطنية لمكافحة السرطان.

كما دعا القرار إنشاء آلية رصد إقليمية تابعة لفريق عمل متخصّص، وتخصيص تمويل مستدام طويل الأجل للوقاية والبحث وتنمية القوى العاملة، وبناء مستقبل يقوم على الابتكار المحلي وتكافؤ فرص الرعاية، وعدم إهمال أي مريض، مع الالتزام بمؤتمرات متابعة للمراجعة والتقييم الجماعي.

ويُمثّل القرار نموذجًا للتعاون الإقليمي المبني على المساواة والتمكين والمكافحة المستدامة للسرطان، منطلقًا من رؤية ترتكز على العدالة والاعتماد على الذات في الوقاية والعلاج والبحث العلمي.

ووضّح القرار أنّ السرطان يُعدُّ الآن السبب الرئيس للوفاة عالميًّا، إذ يتسبب فيما يقرب من 10 ملايين حالة وفاة سنويًّا، أي أكثر من مجموع وفيات فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا والسل، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية وشبكة GLOBOCAN، من المتوقع أن يرتفع معدل الإصابة بالسرطان عالميًّا بنسبة 77% بحلول عام 2050، ما يُلقي بعبء ثقيل على أنظمة الرعاية الصحية والاقتصادات والمجتمعات.

وأشار إلى أنّ الجمعية العُمانية للسرطان، بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، تدرك من خلال خبرتها الممتدة لأكثر من 25 عامًا التحديات التي تواجهها الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في مجال الوقاية والمكافحة، داعية إلى إحداث تغييرات تدريجية جذرية بدعم وتعاون إقليمي لتحقيق العدالة والتمكين والاعتماد على الذات.

وبيّن القرار أنّ أكثر من 35 مليون حالة إصابة جديدة بالسرطان يُتوقّع تسجيلها في عام 2050، بزيادة قدرها 77% عن عام 2022، وأن الزيادة ستكون أكثر وضوحًا في البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض والمتوسط، مشيرًا إلى أن التبغ والكحول والسمنة وتلوث الهواء تعد من أبرز مسبّبات الخطر.

وفي المشهد الإقليمي، لفت القرار إلى أنّ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول إقليم شرق المتوسط تشهد ارتفاعًا مطّردًا في معدلات الإصابة بسبب التحضّر وأنماط الحياة الحديثة، حيث تُسجَّل فئات عمرية أصغر عند التشخيص، وتُرصد نسب أعلى من الحالات في مراحل متقدمة، مع تفاوت في البنية الأساسية ونقص القوى العاملة والاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية.

وتناول القرار تجربة مرضى السرطان في المنطقة باعتبارها أزمة صحية واجتماعية واقتصادية ونفسية في آنٍ واحد، مشيرًا إلى التفاوت في الحصول على الرعاية وتمويلها، وارتفاع التكلفة بسبب الاعتماد على الأدوية والتشخيصات المستوردة، وتجزئة أنظمة الشراء، وضعف الاستثمار في الوقاية والكشف المبكر، رغم أن هذه الاستثمارات تُعد من أكثر الإجراءات فعالية من حيث التكلفة.

ودعا القرار دول الإقليم إلى العمل العاجل لتقليل العوائق الاجتماعية والاقتصادية أمام الرعاية، وتوسيع برامج الوقاية والكشف المبكر، وتعزيز ثقافة البقاء على قيد الحياة، والاستثمار في أنظمة الاعتماد على الذات والبحث والابتكار، مؤكّدًا أن المضي قدمًا يتطلّب إرادة جماعية من جميع الشركاء.

وتضمّن القرار 3 مبادئ رئيسة هي: المساواة في الحصول على الرعاية، بحيث تكون متاحة بغض النظر عن الجنسية أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ومعالجة المحددات الاجتماعية للصحة، من تعليم ودخل ومهنة ونقل، والتمكين والنجاة، بوضع المرضى والناجين في صميم السياسات والدعم النفسي والاجتماعي وحماية التوظيف.

واشتمل “قرار سلطنة عُمان” على 7 ركائز استراتيجية شاملة تمثّلت في الوقاية والكشف المبكر: من خلال حملات توعية وطنية وبرامج فحص سكانية وتعزيز التعليم الصحي، وسلسلة متكاملة لرعاية السرطان: تضمن الوصول المتكافئ إلى التشخيص والعلاج والرعاية التلطيفية، وتنمية الموارد البشرية: عبر مسارات تعليمية متخصصة وحوافز وبرامج تدريب إقليمية.

وتعزيز النظام الصحي عبر دمج مؤشرات السرطان في السجلات الوطنية وتوطين تصنيع الأدوية، والبحث والابتكار: بتخصيص ميزانيات بحثية مستدامة واستثمار في علم الجينوم والطب الشخصي، وتعزيز الاعتماد على الذات: ببناء القدرات الوطنية في إنتاج الأدوية والتشخيص وإنشاء مراكز جينومية، والحوكمة والتعاون متعدد القطاعات: بمشاركة الحكومات والمجتمع المدني والناجين والمؤسسات الدينية والتعليمية والبيئية في جهود التوعية والتخطيط.

وخُتم القرار بنداء إلى جميع الأطراف للعمل المشترك على تنفيذ هذه التوصيات ضمن الخطط الوطنية، وإنشاء آلية إقليمية للرصد، وتخصيص تمويل مستدام طويل الأجل، وبناء مستقبل تحفّزه الابتكارات المحلية وتتكافأ فيه فرص الرعاية، مؤكّدًا أنّ “قرار سلطنة عُمان” يُجسّد رؤية إقليمية شاملة لتحقيق العدالة والتمكين والاعتماد على الذات في مكافحة السرطان.

وفي اليوم الرابع والختامي من أعمال المؤتمر، تواصلت الجلساتُ العلمية المتخصّصة التي ركّزت على أحدث التطوّرات في مجالات علاج الأورام وأمراض الدم والرعاية التلطيفية، بمشاركة نخبةٍ من الأطباء والخبراء والباحثين.

وتنوّعت الموضوعات المطروحة بين الابتكارات في زراعة الخلايا الجذعية، واستخدام تقنيات العلاج المناعي والذّكاء الاصطناعي في علاج السرطان، وصولًا إلى أهمية الرعاية التمريضية والتلطيفية في تعزيز جودة الحياة ودعم المرضى وأسرهم.

وركّزت الجلسة الأولى على أحدث المستجدّات في علاج أمراض الدم، بما في ذلك تحسين اختيار المتبرعين في زراعة الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم، والتطوّرات في أنظمة التكييف لتحقيق التوازن بين الفعالية والسمّية، واستعراض استخدام الخلايا التائية CAR-T لعلاج السرطان، واستراتيجيات إدارة الورم النقويّ المتعدّد المنتكس، مع التأكيد على أهمية استمرارية الرعاية التمريضية.

وقدّم كلٌّ من الدكتور إبراهيم النبهاني والدكتورة منى الطارشي رؤىً جديدةً حول المعايير والأساليب العلاجية في سرطان الدم الحادّ وتطوير النماذج العلاجية بما يُعزّز نتائج العلاج للمرضى، خصوصًا عبر تحسين تقنيات زرع نخاع العظم.

وتطرّقت الجلسة الثانية إلى أبرز التطوّرات في علاج الأورام، بما في ذلك علم أورام العظام، والعلاج بالبروتون، ودور الأجسام المضادّة المركّبة في علاج سرطان الثدي، إضافةً إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات العلاجية.

وأكّد المتحدّثون الدورَ البارز للتكنولوجيا الحديثة في الوقاية من السرطان وتحسين دقّة التشخيص، إلى جانب تقديم أدواتٍ فعّالةٍ للرعاية التلطيفية، مشدّدين على أهمية دمج الذّكاء الاصطناعي في فحص السرطان وإعادة تشكيل رعاية المرضى من خلال الماسحات الضوئية الرقمية والتقنيات الحديثة.

وركّزت الجلسة الثالثة على الرعاية التلطيفية، حيث تمّ استعراض دراسةٍ معمّقةٍ حول برنامج الجمعية العُمانية للسرطان وتأثيره في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتناول النقاشُ دورَ ممارسي التمريض في تخفيف معاناة المرضى وأسرهم، مع التركيز على الركائز الأساسية للرعاية الذاتية في تمريض الأورام ورعاية المرضى في المنزل.

وأكّدت الجلسة أهميةَ دعم مقدّمي الرعاية للعائلات وقياس جودة الرعاية التلطيفية كأداةٍ لتحسين الخدمات الصحية، واختُتمت بالتأكيد على أنّ الرعاية التلطيفية تُشكّل حجرَ الزاوية في تحسين نوعية حياة مرضى السرطان، وأنّ التنسيق بين فرق التمريض والطواقم الطبية أمرٌ بالغُ الأهمية.

وأعرب المشاركون عن تفاؤلهم بالمستقبل الطبيّ والبحثيّ في هذا المجال، مع التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون بين الخبراء والمؤسسات الصحية لمواكبة أحدث التطوّرات وتحقيق أفضل النتائج للمرضى.

وهدف المؤتمر، الذي أُقيم على مدى أربعة أيام في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، إلى توحيد الجهود الدولية لمكافحة السرطان عبر استكشاف أحدث الابتكارات في الرعاية الصحية، وتعزيز الوقاية، ودعم البحوث العلمية بما يُسهم في بناء إطارٍ تعاونيٍّ مستدامٍ لتحقيق عالمٍ أكثرَ أمانًا من هذا التحدّي الصحيّ العالمي.

واشتمل برنامج المؤتمر على مدى 4 أيام جلساتٍ تناولت موضوعاتٍ حيويةً مثل الابتكارات في الرعاية الصحية، والسياسات العامة لمكافحة السرطان، والتوعية المجتمعية، إلى جانب حلقاتٍ علمية ومعرضٍ مُصاحبٍ تضمّن أحدث التقنيات في مجالات الأدوية والأجهزة الطبية والحلول الرقمية.

وشارك في الحدث ممثّلون عن أكثر من 40 دولة من مختلف أنحاء العالم، ممّا يعكس الاهتمام العالميّ المتزايد بقضايا مكافحة السرطان وتعزيز الصحة العامة، ويؤكّد أهمية التعاون الدوليّ وتبادل الخبرات والمعارف بين المؤسسات الصحية والبحثية بما يُسهم في تطوير استراتيجيات فعّالة للوقاية والعلاج، ودعم الجهود الرامية إلى تحسين جودة حياة المرضى والمجتمعات على حدٍّ سواء.

ويأتي تنظيمُ هذا الحدث بدعمٍ من حكومة سلطنة عُمان، وبمشاركةٍ فاعلةٍ من عددٍ من الوزارات والمؤسسات، من بينها وزارةُ الصحة، ووزارةُ التنمية الاجتماعية، ووزارةُ الخارجية، ووزارةُ التراث والسياحة، والمجلسُ العُماني للاختصاصات الطبية.

وشارك في المؤتمر نخبةٌ من الخبراء الدوليين في مجالات الأورام والتشخيص والرعاية التلطيفية، إلى جانب مختصّين في تقنيات الذكاء الاصطناعي والطبّ الدقيق، حيث طُرحت موضوعاتٌ مثل العلاجات المناعية، واللقاحات المخصَّصة، والعلاجات الخلوية المتقدّمة.

وجاءت استضافةُ هذا الحدث العالميّ تزامنًا مع احتفال الجمعية العُمانية للسرطان بمرور 25 عامًا على تأسيسها، تأكيدًا على دورها الرياديّ في تعزيز الوعي المجتمعيّ بمكافحة السرطان ودعم الجهود الوطنية والدولية في مجالات الوقاية والعلاج والرعاية التلطيفية.

ومثّل المؤتمر فرصةً لتعزيز مكانة سلطنة عُمان كمركزٍ إقليميٍّ رائدٍ في العمل الصحيّ التعاونيّ، وترسيخ التزامها بتعزيز الصحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى