أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

كلمات متقاطعة .. من واقع الحياة القاسية..

الإعلامي/ سعيد بن سيف الحبسي

wwws9@hotmail.com

 

كلمات متقاطعة .. من واقع الحياة القاسية..

 

عندما كنت أتصفح الصحف اليومية تستوقفني تلك الكلمات المتقاطعة بمضاداتها ومرادفاتها وحروفها المبعثرة والمتشابهة ومسميات الأماكن والشخصيات وغيرها من الكلمات ذات الدلالات الخفية والمعكوسة ؛ فأسعى جاهدا في تنافس شريف مع مجموعة من الأصدقاء لحل تلك الكلمات في مدة وجيزة والتي تشعرني حينها بأنني إنسان مطلع ولدي ثقافة جيدة في المعلومات العامة .

إن  تلك الكلمات المتقاطعة أجدها شبيهة بواقع حياتنا اليومية في عصرنا هذا ؛ كلمات كنا نملأها بحروف في مربعات على ورق صحيفة ؛ ولكن اليوم أجد في نفسي الرغبة في أن  أملأ الوجود بها ؛ لكون أن الحياة أصبحت كمربعات الكلمات المتقاطعة بكل تفاصيلها ؛ حيث أصبحنا نعيش في هذه الحياة واقعا من التداخلات ما بين مضادات ومرادفات ، ما بين حروف مبعثرة وأخرى متشابهة ، ما بين أحياء هم في الأصل أموات ، ما بين وعي ولاوعي ، هي واقع حياة قد يدركه الكثير ممن عاش حياة المعاناة في نفسه أو تعايش مع البسطاء ؛ ولا يدركه البعض ممن عاشوا حياة الترف والرفاهية ومجالسة الأثرياء ، إلا أن الفرق ما بين كلمات متقاطعة في صفحات الصحيفة وصفحات الحياة ؛ أن الأولى لن تبكيك ولو لم تملأها جميعها  ؛ أما الثانية فلن تبكيك دمعا فحسب بل سينفطر قلبك ألما وحزنا ؛ وستفقد معنى الحياة الحقيقية لأنك لست الوحيد من يملك تلك المربعات ليملأها ؛ فهناك من سيأتي ويعكس المعنى لمجرد أنه يخالفك الرأي ، وبطبيعة الحال سينجح في ذلك لكون أن من لديه قلم حبر لا يمكن مسح ما كتبه ، وهو نقيض من لديه قلم رصاص الذي يمكن أن يمسح ما كتبه وكأنه لم يكن .

ولعل ما استوقفني يوم أمس ما وصلني عبر الواتساب لقصاصة كتب فيها (صحيح أنك تحتاج سيارة  ؛ لكن ما لازم تدفع قسط شهري بقيمة 200 ريال شهريا ، صحيح أنك تحتاج بيت تسكن فيه ؛ لكن ما لازم بالضرورة أنك تدفع نص راتبك حال البنك ، صحيح أنك تحتاج تأكل ؛ لكن ما ملزوم تدفع فلوس أسبوعياً على المطاعم ، عيش متواضع وابني لك ثروة  … “إنتهت فحوى القصاصة”) ، عبارات أشعر بأنها صدرت من شخص ثري أو غني أو بخيل أو شخص لا توجد لديه عائلة أو من شخص لا يكترث لمعنى الحياة التي يبكي فيها رجل مقهور لقلة ما في اليد ؛  أو  بكاء طفل يرى أطفالاً من عمره لديهم لعبة يحتضنونها أو يلعبون بألعاب ترفيهية أو يلبسون ثياباً جديدةً وهو منطوٍ على نفسه ؛ أو يتيم محروم العطف والحنان ؛  أو معاناة باحث عن عمل أو مسرح منه ، وأضف ما تريد من بعد “أو” ما تريد من معاناة

استوقفتني تلك العبارات وأنا أقول في نفسي بحرقة “وااا أسفاه” لكونها عبارات خلت من معاني الإنسانية والرحمة والتكاتف والتعاون ، وانصرفت لوصف الفقير بأنه لا بد أن يظل فقيراً حتى الموت ، فيا من جر قلمك كتابة تلك الكلمات عليك أن تتذكر  إن كنت ثرياً وتمتلك سياراتٍ فارهةً ؛ يجب عليك أن  لا تجبر الناس على شراء سيارات مستعملة لتوقفهم في حرارة الصيف كل يوم في طريق طويل ليدفع لإصلاحها من جيبه ما لا يطيق إلّا بدين أو إذلال ، وعليك أن تعلم إن كنت غنياً وتعيش في قصور أن لا تجبر الناس أن يتوسّدوا الأرصفة ويلتحفوا العراء ؛ لكونك ببساطة لا تشعر  بمعاناتهم ؛ لأنك تنام على فراش من حرير وهم لا يجدون ما يقيهم برودة الشتاء ولا حرارة الصيف ؛ ولكن حري بك أن تسعى لتوفير السكن الملائم لهم .

وفي المقابل قد تكون شبعاناً وبك تخمة وسمنة من كثرة الأكل وترمي النعمة في أكياس القمامة ، لكن  لا  يحق لك أن تجبر الناس أن يأكلوا فضلاتك وفتات الخبز التي ترميها في الطرقات وأكوام النفايات ؛ بل عليك أن تسعى لإيجاد مصدر رزق لهم يكفيهم السؤال أو الجوع ، فهناك من البشر من إن تغدّى لم يتعشَّ ؛ ومن تعشّى لم يتغدَّ ؛ بل إن البعض لا هذا ولا ذاك ويعيشون على فتات الخبز اليابس والماء.

كلمة أخيرة..

صحيح أنك أيها الإنسان الجاحد لكرم الله عليك ، رغم كثرة النعم التي تنعم بها بلا حول منك ولا قوة قد بطرت عليها ؛ ولكن اعلم بأن الناس ليسوا من أمثالك لا يشكرون النعم  ؛ وصحيح أنه بإمكانك أن تكون منافقاً لتحقيق مصالحك الشخصية  ؛ ولكن لتعلم بأن هناك أناس شرفاء أمناء صادقين ؛ كرامتهم فوق كل شيء ؛ فلا تأخذك العزة بالإثم وتنظر للفقراء بأنهم عبيد لديك ؛ فالله أكرمهم حينما خلقهم  ؛ ولتعلم يا من لا تفقه معنى “التواضع” بأن التواضع ليس ببناء الثروة ، بل ببناء الأخلاق ، فمن تواضع لله رفعه قدراً ومنزلةً عاليةً بين الناس في الدنيا وفي الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى