أصــداء منوعةثقافة ، أدب ، إصدارات

روايـة : وادي الـرمـال .. الحلـقـة (9)..

الكاتـب/ حمـد النـاصـري

 

روايـة : وادي الـرمـال .. الحلـقـة (9)..

 

وهنا تحدث رجل ثالث من المجموعة مخاطبا وليد :

ـ نحن لن نُبدّل عاداتنا وما ألفناهُ من كبارنا فذلك هو سِرّ قُوّتنا وبقائنا.. وما الحياة التي تتحدث عنها إلّا نقيض ما ألزم به آباءنا أنفسهم مُنذ مئات السنين.. فهل يُعقل أنْ نُغيّر ما وجدناهُ في موروثهم لمجرد أنك تأتينا بكل بساطة وتطلب منا ذلك ، هل تعتقد أننا سنتعاطف معك ونصدقك بهذه البساطة؟.!

قاطع رجل من القوم ذو لحية شابها بياض المُجتمعين بعد أن أثاره الحديث واراد أن يشارك فيه ، وكان يعرف وليد جيداً :

ـ رائع جداً ما تُفكّر به (مُوجهاً سبابته إلى الرجل الذي تحدث أخيرا) ثم أردف ، وهُو ينظر إلى وليد ..؛ ابْحث في مكان آخر عن أناس يصدقوك ويقعون ضحايا ترهاتك .. أما نحن فليس لدينا ما نقوله لك ، سوى أنّ فكرك وأحلامك بعيدين كل البُعد عما تُفكّر فيه ، ولن تصل إلى ما تريد ، فبأيّ حديث بَعده ترغب أنْ تصل إليه وتُسميها تجربة..! أنصحك، أنْ تجد لك شيئاً آخر تُحرك به سُكون أفْكارنا وتستفز به مشاعرنا. فتجربتك تلك لن تجد لها آذانا صاغية في مجتمعنا .. فالرجال يا ـ سيدي ـ يصعب عليهم تصديق ما جئت به ناهيك عن أن يعكروا صفو حياتهم بتغيير نتائجه مجهولة وعواقبه خطيرة ، وهؤلاء الرجال اللذين تراهم حولك من الصعوبة عليهم بمكان تقبل مثل تلك الأفكار من رجل حالم لا يمتلك من رصيد الدنيا الا القليل ..! فاتّقِ الشُبهات ولا تجعل احاديث تجربتك خرافة يتندر بها الناس من بعدك .. وموروثنا لن تنال منه شيئاً في حياتك  ..؛

سكت .. ونظرهُ مشدود الى وليد ، وأردف بمكر وثقة اكتسبها بعدما رأى ان الجميع انتبه لكلامه  ، عليك الآن أنْ لا تخجل وكن صريحا ، قُل لهم ، بأنّك جئتنا بكذبة تمنيت أن نصدقها، جئتنا لتفسد موروث الجد الكبير ، وتقتل القيم العالية وتُسفه مُعتقدات ألفناها واتخذناها حياةً وعرفاً.. اصْدقك القول أنك يا وليد قد جئت بتجربة خاوية كسفاهة عقلك .!

تدخل رجل أربعيني بنبرة صوت غاضبة :

ـ أذلك ما حمله لسانك البليغ وعبّرت عنه بفصاحة فكرك الثاقب وحنكتك الأريبة ورجاحة عقلك السديدة .؛ يا لهُ من مكر خطير أشدّ إيلاماً من سُم الأفاعي ، أنت ومن وافقك مُدهنون ، مُكذبون بموروثنا ومُشكّكون بقيم الوادي.؛

التفت رجُل يبدو عليه شدة البأس والقوة إلى كبيرهم .. وقال بصوت جهوري :

ـ  يا زعيمنا وكبيرنا الحكيم نرجوك أن تفصل بيننا وبين وليد بالحق ؛

رد  كبير القوم المُجْتمعين بوليد بأسْلوب مُستفزّ قائلا:

ـ عجيب أمرك يا ابن الجد الكبير ..  لن تَسعك قريتنا ولنْ ينظُر إليك رجال قريتكم العتيقة ولنْ يحتويك هذا الوادي الفسيح المترامي فماذا تريد بالضبط؟ .. إذْهب وشأنك ودعنا وشأننا ، إنّا على ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا باقون وناظرون على قيمنا وعلى أعرافنا ثابتون.. لا حاجة لنا بك ولا بأفكارك  لا أنْت منّا ولا نحن منك ، ذلك ما تستحقّ!.

وبدأ كأن كلام كبيرهم قد تحول الى الفظاظة والخشونة بعد أن كان فيه شيء من المرونة والقبول ، وتغيّر في الحال مِن لسان صامت إلى لسان حادّ لاذع  ، نبرته الانفعال ولهجته الحدة والتأنيب الخشن.. ثم عقّب بصوت قويّ:

ـ قُل الصدق يا وليد ولا تخجل. اتخشى أحدا وتخاف من قول الحقيقة؟ ، إنْ لمْ يكن بك خوف فقل لهم حقيقتك، قُل بأنك تحتقر عقيدتهم وقيمهم، وأنّ ماضي القرية العتيقة لا يَعنيك وأنّك تَسعى جاهداً لنسف قيم الأجداد وتُقوّض موروثهم ؟ قُل لهم بصريح العبارة بأنّك خالفت الجد الكبير واختلفت معه ، قُل لهم وكُنْ شُجاعاً ، بأنّك تنوي اقتلاع القيم العالية وأنك عازم أنْ تُغير نظام الوادي وعادات القرية .. قُل لهم بأنّ لديك فلسفة لا يُستفاد منها ، جئت بما جئت به ونحن للجد مُطمئنين ، وقد سفّهت  ايمان الرجال ، وما تفلسفت به يصعب استمراؤه كماء البحر عالي المُلوحة لا يُنتفع منه بل يزيد الظمآن ظمئاً ويقتُله عطشاً، خُرافتك اتركها ونحن لا نريدها ومجتمع القريتين والوادي والرمال جميعهم ينبذونها ما دُمت تُريد أنْ تجعل خادم القوم كسيدهم في نظام الرمال .! وها انا أمامك وجماعتي ـ وأشار إليهم بسبابته ـ نُريد أنْ نُعفيك عن كُل هوس جئتنا به لكنّا لنْ نسمح لك بالتّطاول على قيمنا ومبادئنا ونُعلمك بأنّنا ـ نحن جميعاً هنا ـ وشيخ الوادي والجد الكبير في القرية العتيقة ، نرفضك ونرفض أفكارك وتُرهاتك، بل وننبذك بقدر ضحالة فكرك وخبث توجهك فأنت لا تسْتحق أنْ ترتقي إلى مكانتنا أو أن تكون جزءاً منا ولا تستحق أنْ نناقشك في ما جئت به من الأساطير والخرافات المنحرفة ، وإياك إياك أنْ تُحدّث الناس بتساويهم المُطلق فلا يتساوى لدينا الوضيع مع المقام والقيمة ، فالسيادة حق مُطلق.؛

بدت على القوم علامات الارتياح من قول كبيرهم، وبدو لكأنهم يتفقون على صواب كبيرهم وعلتْ بعض عبارات الاسْتهزاء والسُخرية من بينهم، حول أفكار وليد وطريقته المزعومة لتغيير أحوال الرجال وما ينوي تغييره في نظام وادي الرمال.

كُل ذلك ووليد لم ينبس ببنت شفة!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى