أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

العراق .. ما جرى ويجري لم يكتب في التاريخ ولم تشهد له البشرية مثيلاً!!..

نَـوّاف الـزَّرو

باحث ومحلّل سياسي

Nzaro22@hotmail.com

 

العراق .. ما جرى ويجري لم يكتب في التاريخ ولم تشهد له البشرية مثيلاً !!..

 

* 19 عاما من الغزو والمجزرة والدمار والخراب والتفكك والمجرمون خارج الحساب !!..

 

المشهد العراقي اليوم بعد تسعة عشر عاما على الغزو والاحتلال الامريكي-البريطاني(والامريكان ما زالوا يعيثون فسادا في العراق على الرغم من مزاعم الانسحاب)، مثخن بالجراح بلا حدود، وحجم ومساحة المحارق والمجازر التي اقترفت والمقترفة هناك على ايدي القوات الامريكية ومرتزقتها يصل الى مستوى هولوكوستي، فما جرى ويجري في عراق الرشيد لم يكتب في التاريخ، ولم تشهد له البشرية مثيلا، وان كانت المعطيات الماثلة اليوم تشي بذلك، فان ما هو مخفي يبقى اعظم واخطر، فهناك المجزرة البشرية المفتوحة والدمار الشامل  للمدن والبلدات والبنى التحتية، وهناك الاختطاف والنهب الشامل للتاريخ والتراث والحضارة، وهناك الابادة المنهجية للثروات العلمية العراقية، بل هناك ما هو ابعد وابعد، هناك الابادة الجماعية والتهجير الجماعي القسري لملايين العراقيين، وهناك التشويه الجيني المنهجي لملايين الاطفال والاجيال.

ورغم كل ذلك، كان أطل علينا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، الذي أشغل منصب مبعوث اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط-تصوروا-، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)الثلاثاء 2013-3-19، ليعلن أنه “ليس نادماً على قراره اشراك بريطانيا في غزو العراق”، مضيفاً “كيف يمكنك أن تندم على ازاحة وحش من السلطة تسبب في خلق مجزرة هائلة” ؟؟!!.

 تصوروا .. حجم وهول الكذب والتزييف والجريمة، وكان الرئيس الأميركي أوباما أعلن بدوره : “أن الولايات المتحدة انهت رسميا مهامها القتالية في العراق”، و”أن الحرب وضعت أوزارها”، و”أن العراق قادر على (رسم مسار مستقبله)”، ووزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس يضيف “قررت إدراة الرئيس أوباما منح الحرب في العراق مسمىًّ جديداً هو “عملية الفجر الجديد”، بعد أن كان يطلق عليها منذ الغزو/2003 “عملية تحرير العراق” .. فأي فجر عراقي جديد هذا ؟،  وما مضامينه ؟، وما هو حصاده على امتداد السنوات العشر الماضية ؟.

حسب الاحصائيات العراقية الصادرة عن وزارة المرأة العراقية على سبيل المثال فان هناك نحو  4,000,000 ملايين طفل يتيم، وحسب تقديرات وزارة التخطيط فقد سقط نحو 2,500,000 مليون شهيد، وحسب إحصائيات وزارة الصحة العراقية والطب العدلي فهناك نحو 800,000 مفقود، وحسب إحصائيات الدعاوى المسجلة لدى وزارة الداخلية العراقية هناك نحو 340,000 عراقي زجوا في سجون الدولة بضمنها سجون إقليم كردستان حسب إحصائيات مراصد حقوق الإنسان، علما بأن القوات الأمريكية كانت قد اعترفت رسميا بوجود 120,000 سجين لديها،  وتتحدث الاحصائيات كذلك عن نحو 4,500,000  مليون مهجر خارج العراق، ونحو  2,500,000 مليون مهجّر داخل العراق-حسب إحصائيات وزارة الهجرة والمهاجرين والمهجّرين العراقية.

إلى ذلك لعل شهادة الشيخ الحارث الضاري – رحمه الله -، الذي جاب العالمين العربي والاسلامي دونما كلل، شارحا حقائق المشهد العراقي،  فاضحا قوات الغزو وعملاءها على جرائمهم بحق العراقييين، هي الأبلغ والأدق وصفا لما جرى، فقد كان قدم شهادة خلال محاضرة له  في مجمع النقابات الاردنية يوم 2010/3/22 من أبلغ الشهادات حول حجم ومساحة الجريمة الاحتلالية في العراق، إذ قال : “وقع العراق فريسة للاحتلال، ومنذ ذلك الوقت وهو يمر في دوامة، الكل يقتل الكل وينهب ويدمر ويعيث في أرض العراق فسادا .. سنوات طويلة والعراق من سيء الى أسوأ،  ومن حلقة سوداء إلى حلقة أكثر سوادا..”، مضيفا : “فقد العراق أكثر من 1,5 مليون شهيد وأكثر من مليون معتقل داخل سجون العراق في ظل الحكومة العراقية ولم يخرج منهم إلا العدد القليل .. فأين هم : هل انتقلوا الى رحمة الله نتيجة التعذيب..؟!”، مردفا : “هناك جيش من الأرامل .. وملايين من اليتامى، وملايين من المهجّرين خارج العراق .. وملايين أخرى من المهجّرين داخل العراق في الخيام منذ أكثر من سنوات .. يفتقدون إلى كل مقومات الحياة في دولة هي من بين أغنى دول العالم .. عشرات الآلاف يسكنون اليوم في بيوت من القش في جنوب ووسط العراق على النفايات..”، مشيرا إلى وجود “نحو 160 سجنا كبيرا وصغيرا”، مستخلصا : “هذا هو العراق الجديد الحر المثالي .. العراق الجريح القتيل المدمر المنهوب المسروق الذي تجري أنهار من دماء أبنائه يوميا .. إن الوضع أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى .. والأيام القادمة تحمل في طياتها أحداثا جساما..”.

فهل هناك يا ترى شهادة أبلغ وأعمق وأشد وضوحا وتأثيرا من شهادة الشيخ الضاري…؟.

ولخص مواطنون عراقيون المشهد الدموي العراقي بـ : “أن الاحتلال الأمريكي لبلادهم نجح في تحقيق معجزتين هما : رافد ثالث يضاف إلى دجلة والفرات ويحمل إسم “نهر الدم”، و”سور السيارات العظيم” الذي يمتد أمام محطات الوقود في بلد يملك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم”.

وعلى نحو يتكامل مع المجزرة المفتوحة، تعرض الوطن العراقي منذ الاحتلال عام 2003 وما يزال، الى هجوم شامل واسع النطاق يهدف الى تدمير بنيته التحتية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية .. ومن أخطر عناوين هذا الهجوم التدميري ما يتعلق بعمليات اغتيال منهجية ضد صفوة العلماء والأكاديميين العراقيين.

فنحن إذن، أمام تسعة عشر عاما من الغزو والمجزرة والدمار والخراب والتفكك، يحتاج العراق للخروج من محنته وعتمته نحو فجر جديد حقيقي، إلى لملمة نفسه وقواه وطاقاته الوطنية والعروبية، بعيدا عن الفتنة الطائفية الخبيثة التي تسود المشهد ولا تبقي ولا تذر… !!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى